حلب القطبة المخفية في مشروع إيران الاحتلالي من التحرير الى الاحتلال

حلب قبيل الثورة هدف إيراني معلن :

بالتوازي مع دمشق – عاصمة الأموين – كان الهدف الإيراني المخفي هو حلب ، ففي داخل العقيدة الكولونيالية الإيرانية حلب إسماعلية ، على حكم سيف الدولة الحمداني ، الذي أخذت حلب في عهده سمعة ومركزاً ، وكانت حاضرة دولته الممتدة شرقاً وغرباً . وتبعاً للنهج الإيراني في استدعاء التاريخ ؛ لتعيش على أوهامه و توهم السائرين في ركابها ، فقد استدعت تلك الحالة في حلب .

فقبيل الثورة السورية بدأ تتمدد إيران بشكل فج وملحوظ ، من خلال ما سُمي لاحقاً السياحة الدينة إلى المراقد والمزارات ، والتي كانت حلب تحتضن أحداها ، وهو مسجد النقطة في جبل شيخ محسن في منطقة الإذاعة ، فأصبحت قوافل الزوار تتقاطر بشكل كبير ، والكتيبات التي يحملونها بدأت بالانتشار ، ومع التسهيلات التي قدمها النظام للإيرانيين بدأت تظهر – و بشكل ملحوظ – عمليات التشيع عبر الإغراءات المالية كراتب شهري ، وتزويج الشباب  ، مستغلين الحاجة المجتمعية التي يعاني منها الشباب عامة ، وحلب خاصة . إلى أن تفجرت الثورة السورية وكانت العين على حلب كثقل اقتصادي وسكاني ،  وكانت إيران تتحسس الخطر بشكل كبير ، فكان الوجود الأمني داخل حلب يكاد يفوق الوجود الأمني في سوريا كاملة ، ولكن كانت المعضلة التي استعصت على الاختراق سابقاً هي تجار حلب ؛ الذين يرتبطون روحياً ودينياً بحركات صوفية ، ولهم بذلك تاريخ ، وشواهدهم في المدينة راسخة ولا تحتاج لبحث ، بل تظهر بمجرد التجول في المينة القديمة .

حلب والعلاقة المعقدة بين تجارها والنظام .

مدينة حلب شهدت أكبر عملية سرقة ممنهجة لمقدراتها ، ونُهبت أموالُ تجارها وصُنَّاعها منذ تولي البعث الحكم ، ثم في حكم الأسد الأب ، الذي جرفها كلياً ، وأخاف عوائلها ونهبهم ، وقد حدث مزيج من الترهيب الشديد مما شهدته حلب في الثمانينيات مع صناعة النظام طبقة تجار تابعة له ، من خارج النادي التجاري لحلب ، وسلطهم عليها ومنحهم الامتيازات والإعفاءات ، وفتح لهم الأبواب . و بالمقابل فقد ضيق على العائلات التجارية الحلبية ، ووضعها في دائرة ابتزاز مقيت جعلها أسيرة لمنظومة الفساد ، أو الخروج خارج السوق التجاري لحلب ، فانقسم التجار في عاصمة المال والتجارة شرائح أو فئات – إن صح التعبير – .

الشريحة الأولى : آثرت الخروج من السوق إلى أسواق عربية وغربية أخرى ، وظلت مرتبطة بشكل جزئي ومحدود بحلب عبر الاشتغال بتجارات محدودة ، أو بقاء عقاراتها أو محلاتها في الوسط التجاري الحلبي .

الشريحة الثانية : وهي الأكبر ، تعاملت مع البيئة الفاسدة للنظام وخضعت لابتزازه ، وكان النظام قد كلف رجالاتِ أمنِهِ سماسرةً لجني العمولات من تجار وصناع حلب .

هذه الشريحة ظلت تتعامل بحذر شديد ، سيما أن قرارات ” النظام الاشتراكي ” وتحديد الملكية قد يلاحق أي تاجر أو صناعي شق عصا الطاعة  ، وهذه الشريحة حاولت التحرك مع بدء الثورة، ومولت الثورة ، وحاولت اللعب على تناقضات النظام – سراً –  لكنها وجدت نفسها مضطرة لأخذ موقف بعيد خطوات كثيرة عن النظام ، كما أخذت خطوة الى الوراء من الثورة ، ولهذا تفصيل وأسباب موضوعية تتعلق بغياب الرؤية الواضحة لدى الثورة والمعارضة .

الشريحة الثالثة : هي خليط من عائلات تجارية في حلب ، غَذَّاهُمُ النظام بالمال الأسود – مال الفساد – و طبقة مستحدثة للنظام ، لا تاريخ لها في عالم التجارة الحلبية التي وصل صيتها إلى بقاع الأرض ، وهذه الطبقة هي التي سنراها لاحقاً قد تحالفت مع المشروع الإيراني وقامت بدور  حصان طروادة له .

في ظل هذه العلاقة المعقدة تحركت الثورة في حلب ، وحاول النظام الترويج بأن تجار حلب موالون له ولرأسه ، وهذا معاكس للواقع و الحقيقة …

حلب و الثورة … التحرك الثوري لمدينة حلب … 

في هذا الجو الخانق والمعقد تحركت الثورة في حلب فكان لها حضور قوي ، رغم ما مارسه البعض من محاولات تعتيم مستغربة ، وحالات تشويه لم أجد لها تفسيرات حتى هذا الوقت ،  لابد أن أُنَوِّهَ هنا إلى أن النظام يعلم تماماً أهمية وثقل مدينة حلب ، عاصمة الاقتصاد السوري، لذلك ركز جهده الأمني الضخم والكبير جداً في حلب ، مما جعل التظاهر والعمل والحراك الثوري داخل المدينة عملية انتحارية ، يكفي أن نتذكر أن مظاهرة من 10 أشخاص هذا يعني أن تواجه بمئات العناصر الأمنية ، وتغلق الشوارع ……. الخ  ؛ لذا كانت كل مظاهرة تتحرك في مدينة حلب تصيب النظام بالجنون .

ولابد أن نعلم أن حلب أصبحت ملاذاً لَآلاف المهجرين من المدن التي شن عليها النظام حرباً ضارية من درعا وحمص وحماه ، وقد تطلب ذلك أن يتفرغ جزء لا بأس به من شباب الثورة لخدمة أهليهم ، ورعاية شؤونهم .

ومع ذلك يجب التذكير بأن مظاهرات حلب انطلقت في 2011م ، أي في بدايات الثورة ، ونذكر حدثين مهمين هما : مظاهرة بركان حلب في شهر حزيران 2011م ، واعتقل فيها حوالي 300 متظاهر فقط من محيط ساحة سعد الله ، غير الأعداد التي اعتقلت في المشارقة ومحيطها مظاهرة بدر حلب والتي فاق عددهم الـــ 5000 متظاهر ، كانت في 17/8/ 2011م .

وعندما انطلق الكفاح المسلح ضد النظام في حلب ، لعب الوسط التجاري والصناعي هناك دوراً مهماً لكن لم يخدم بشكله الأمثل من قبل الثوار ، ولم يتم استثماره ، بل على العكس ، فقد وقعت حوادث كثيرة جعلت من الصناعيين والتجار يحجمون عن دعم الثورة ، ولكنهم ابتعدوا بعيداً عن النظام ، ولكن أين إيران في ظل هذا المشهد؟؟

إيران وعملية حصار واحتلال حلب “حلب شيعية ورح تعود لأهلها “

أطلقت المليشيات الإيرانية أهازيج طائفية ، رافقت عمليات حصار و احتلال حلب وعلى رأسهم “جعفر الكعبي” متزعم مليشيا النجباء .

إن الضخ الإعلامي ، والحشد الطائفي – حيث دفعت إيران بعشرات الآلاف من مرتزقتها لاحتلال حلب – يوضح تماماً ما تخفيه إيران خلال السنوات التي سبقت الثورة ، وهذا ما صار واضحاً جلياً حتى لعامة الناس …. فقد صارت مآرب إيران وأهدافها في حلب واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، إذ تعتبرها إيرانُ الطوق الشمالي الذي يربط الهلال الشيعي ببعضه، و أحد أهم محطاته .

وكما أسلفنا فقد استدعت إيرانُ السرديةَ التاريخية ؛ لتروج لوجودها ؛ ولتزرع شتلها المسموم في الأرض السورية ، فسيطرت على طرق حلب ، و تموضعت في القسم المحتل حديثاً منها ، وهنا أقصد الشرقي ؛ لكي يكون منطلقاً لمشروعها في حلب …

الصراع الروسي الإيراني على تجارة حلب .

بعد السيطرة الميدانية لمليشيات إيران بدأت السيطرة الثقافية – الأخطر – وبدأت مظاهر التشيع تتمدد في المدينة ، وهذا التمدد ترافق مع حملات تضييق حادة – ترهيب وترغيب – لكل من يقاوم هذا التمدد ، ولو كان مجرد تصرف بسيط كالاعتراض على الآذان الشيعي مثلاً  .

معالم المدينة بدأت تتغير … الرايات الطائفية المصاحب  لحالة سعار طائفي بدأ ينهش تركيبة المدينة المحافظة ، والتي لم تعهد هكذا أجواء على مر تاريخها

في المقابل روسيا المحتلة أيضا حاولت التخفيف من حالة الاحتقان بنشر قوات شرطة عسكرية روسية ينتمون للبيئية الحلبية دينياً وحتى مذهبياً ، ولكن هذا لم يوقف إيران عند حدها ، بل فتحت معارك أخرى في ساحات أخرى أخطر ، وهي الساحة التجارية ، فبرز التنافس بين المحتل الإيراني والروسي على سيادة غرفة تجارة حلب ، وغرفة صناعتها ، فوضعت إيران التجار الذين صنّعتهم منذ سنوات و اشتغلت عليهم ؛ لكي يكونوا رجالها في عاصمة التجارة في المنطقة ، فقد أقصت كل التجار المتبقيين – الذين يتمنون الى النادي التجاري التقليدي لحلب – و أتت بتجار الحرب والفساد ؛ لكي يتصدروا مشهد أعرق المراكز التجارية في المنطقة عبر عصور ، والذين ما غابوا عن مسرحيات “شكسبير” ، ولا أشعار “مارليه” شاعر الحب الفرنسي .

فالقطبة المخفية في مشروع إيران لم تكن دمشق الأموية ، بل حلب التي سيكون لإيران مع أهلها جولات وجولات .

الباحث : هشام اسكيف

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top