مركز مقاربات يحاور الدكتور برهان غليون
التقى. مركز مقاربات للتنمية السياسية المفكر والكاتب المعارض البروفسور برهان غليون في مساحة للحديث عن عشرية الثورة التي انتفضت كالمارد. بعد أن ظنها العالم أنها هدأت فكان هذا الحوار
السؤال الأول :
تابعتم – دكتور – العودة المباركة للشارع الثوري ، وعلى مساحة سورية .
كيف نستطيع الاستفادة من هذا الزخم الشعبي الذي حدث ؟ ونحوله إلى ثمار سياسية ؟
فكان جواب الدكتور : من الآن فصاعداً ، يشكل التظاهرُ ظاهرةً طبيعيةً ومستمرةً من ظواهر عودة السياسة إلى الحياة العامة في كل المناطق السورية الخاضعة لهذه السلطةأو تلك ، بمقدار ما تعبر عن ولادة الشعب ، وتحرره من الوصاية ، وإدراكهلوجوده السياسي ، وحقه في تقرير مصيره ، والمشاركة في القرارات العمومية ، سواء بالضغط أو الرفض أو التأييد .
وبهذا المعنى ليس المطلوب تحويل المظاهرات إلى ثمار ، فهي ثمرة ثورة عارمة، وإنما المشاركة فيها ، وتعميمها ، وتوجيه نشطائها أيضاً .
هي لغة الجمهور ، وقد أصبح ذاتاً سياسية . وككل لغة ينبغي تعلم استخدامها ، وإتقانه ، ونقل الرسائل الصحيحة ، والتواصل مع الحاجات والتطلعات الشعبية .
السؤال الثاني :
مشاريع كثيرة تناقلتها وسائل الإعلام ، منها ما هو عسكري ، ومنها ما هو سياسي ، لكن يبقى السؤال : ما الذي على الثورة فعله ؟ ولم تفعله بعد ؟ هل المشكلة في عدم وجود مشروع واضح ناضج ؟ أم المسألة أصبحت عقدة دولية ؟
وقد أجاب الدكتور :
مشروع الثورة السورية مثله مثل مشاريع الثورات العربية ، لم يكن غير موجود ، ولكنه كان واضحاً وضوح الشمس ، وهو إسقاط نمط الحكم القائم – الاستبدادي والمخابراتي – وليس فقط رموزه ، وإقامة نظام ديمقراطي ،ينبثق عن إرادة الجمهور ، ويعبر عن مصالحه ، ويرعى حقوقه ، ويخضع لمساءلته ومحاسبته ، كما هو الحال في جميع الدول الديمقراطية .
تعثر هذا المشروع لا يعود لأسباب سلبية كامنة فيه ، ولا لعدم وضوح أهدافه ، ولا حتى لغياب وسائل تحقيقه ، وكانت الوسائل ثورات شعبية سلمية .
وإنما يعود التعثر إلى أمرين :
الأمر الأول : عدم حصوله على الدعم السياسي الكافي من قبل الدول الديمقراطية ، التي من دونها لا يكون لمثل هذا الانتقال أمل كبير في التقدم والبقاء في وجه مجموعة المصالح الداخلية ، والدول الإقليمية والعالمية المعادية للتحولات الديمقراطية وللثورات الشعبية . وهنا ينبغي القول ان الدول الغربية التي تشكل ما يشبه النادي الديمقراطي تخلت عن الثورات الديمقراطية العربية ، ورفضت الاعتراف بها ومساعدتها ، واعتبرت أن مصالحها أكثر انسجاماً مع بقاء أنظمة تعمل لديها بالوكالة ، وتحقق مصالحها الاستراتيجية ، وأحياناً الاقتصادية أيضاً .
والأمر الثاني : انقسام النخب السياسية السورية ، وتضارب رؤاها وايديولوجياتها ومصالحها ، وتنازعها على اقتسام جلد الدب قبل صيده ، مما حرم الشعوب من إمكانية نشوء قيادة سياسية موحدة ، أو جبهة ثورية منسجمة ومتفاهمة حول الاستراتيجية الرئيسية .
إن غياب قيادة سياسية موحدة منعنا من إمكانية وضع استراتيجية للثورة ،وأبقى الجميع من كل الاتجاهات والتيارات يخوضون معارك تكتيكية ، بل معارك قائمة على رد الفعل ، بدل توجيه القوى وتسديد الضربات نحو الأهداف الأساسية بعد تحديدها والاتفاق عليها ، مما لا يمكن ضمان تحقيقه من دون وحدة القيادة والإرادة والاستراتيجية معاً .
ما يطرح اليوم من مجالس ومشاريع هو استمرار لهذه الضربات شمالاًويميناً ، والتقدم والتراجع من دون خطة ، ولا رؤية شاملة ، ولا تحالفات واضحة ومضمونة . بمعنى آخر إن ذلك يظهر أننا لا نزال نتخبط .
السؤال الثالث :
على صعيد متصل – دكتور – يوجد حراك سياسي وإصلاحي داخل الائتلاف ، هل تعتقد أنه من المفيد الاستثمار في هذا الحراك وتشجيعه وتطويره ؟ أم أنك لا ترى جدوى من هذا الحراك أصلاً .
فأجاب الدكتور :
إذا أمكن إصلاح الائتلاف ، فهذا أفضل من أن يبقى على سوءاته مهما كان دوره الحالي ومآله ، لكنني أخشى أن يكون ذلك من باب التمنيات .
فليس من باب الإصلاح أن نضم عناصر جديدة إلى العناصر القائمة، ولا تعدد النشاطات التي تبرز أننا موجودين . فلن يضيف هذا وزناً سياسياً ذا شأن .
لا قيمة للإصلاح إلا بمقدار ما يعيد الثقة إلى الائتلاف كقيادة سياسية فعالة وناجعة وذات صدقية ، لدى جمهور السوريين – أولاً – الميتمين في الداخل والخارج ، ولدى المجتمع الدولي من دول نافذة ومؤسسات أممية أيضاً .
وقد خسر الائتلاف ، ولا يزال يخسر أي أمل في استعادة هذه الثقة والصدقية ما دام يعيد إنتاج نفسه بطرق آلية ، ويكرس مجموعة لا تتبدل من الأفراد قيادة أبدية ، من دون مساءلة ولا محاسبة ولا تقييم للعمل ولا معرفة ما هو اختصاص كل عضو من أعضاء هذه القيادة ومهامه بشكل واضح .
لن يكون هناك إصلاح إلا بتحقيق مسألتين :
الأولى مسألة بنيوية : تتعلق بإعادة تحديد الائتلاف لدورة ، وغاياته في الصراع من أجل الانتقال الديمقراطي ، وكيفية اختيار عناصره ، وتبديلهم وتداولهم على المواقع القيادية ، وهذا يتطلب النظر في نظام الائتلاف الداخلي ، والقوى التي شكلته ، وعلاقتها بالمجتمع والقوى الشعبية أولاً .
المسألة الثانية تتعلق بالممارسة : وما يرتبط بها من شفافية وصدق وتواصل مع الجمهور ، وتقديم كل فرد جرد حساب لإنجازاته وعمله أمام الجمهور ، وأهم من ذلك بلورة استراتيجية عمل واضحة ، وسياسة مستقلة ووطنية ، والتزام بمبادئ الثورة وقيمها .
وقد قصمت عملية تبادل الطرابيش – بين هيئة المفاوضات والائتلاف – ظهر الائتلاف ، وجعلت من الصعب استعادة ثقة الجمهور السوري ، والرأي العام الدولي .
مع ذلك ، حتى لو أنني لا أعتقد أن بإمكان الائتلاف – الآن مهما فعل – أن يُحَسِّن صورته عند الشعب والمجتمع الدولي ، لا أرى بأساً في أن يحسنَمن عمله ، ويقومَ ببعض الإنجازات المفيدة في مواجهة الكارثة التي يعيش فيها السوريون ، على شرط أن لا يكون ذلك من باب ذر الرماد في العيون ؛لأن ذلك سيفاقم من افتقاره للثقة والصدقية .
السؤال الرابع :
ومن السؤال السابق أتقدم بسؤال آخر ، هل ترى أنْ يكون هناك حراك سياسي موازي للائتلاف ، يغطي النقص الذي يعتريه ، أم يلغيه ، أم يشاركه .
وقد أجاب الدكتور :
ما يحصل في الواقع اليوم هو – بالضبط – بحثُ آخرين من المجموعات والحركات والمنصات على ملء الفراغ السياسي الذي تركه نزع الصدقية عن الائتلاف بسبب سلوك قياداته . وهذا سوف يستمر ولن يتوقف .
وإذا نجح فريق – بالفعل – من أن ينتزع ثقة النشطاء – أو قسم كبير منهم – ويظهر القدرة على استعادة ثقة الرأي العام السوري والدولي ، فلن يستطيع أن يقف أحد في طريقه ، وعلى الجميع في هذه الحالة الالتفاف من حوله .
المهم أن نجد الطريقة لتوحيد جهودنا ، وإبراز إطار يحظى بالثقة ، ولديه ما يكفي من الصدقية ؛ لجذب الكوادر السياسية والثقافية والإعلامية الفعالة في صفوف المعارضة وما تبقى من قوى الثورة، للاستمرار في العمل ؛ لتحقيق الأهداف التي ضَحَّى من أجلها السوريون وفرض نفسه شريكاً مع القوى الدولية في مفاوضات الانتقال السياسي الذي لا بديل عنه .
السؤال الخامس :
الإدارة الأمريكية الجديدة لم تصدر استراتيجية محددة لسورية ، فهل ترى أنَّ ذلك غيابٌ أم تحضير أفضل منها ؟
وختم الدكتور فأجاب :
ليس للإدارة الأمريكية ولن يكون لها استراتيجية في سورية ، غير إدارة الأزمة ، وعدم التورط في صراعات مسلحة ، وحماية حلفائها إلى هذا الحد أو ذاك .
ولن يكون لديها بديلاً عن سياسة الضغط من خلال العقوبات الاقتصادية والسياسية ، التي جعلت منها استراتيجية رئيسة حتى في مواجهة الدول الكبرى والحلفاء الاوربيين ، كما حصل في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب .
علينا نحن أن نبلور استراتيجيتنا الوطنية الخاصة ، حتى نستطيع أن نفرض على الآخرين خيارات مختلفة أكثر إيجابية تجاه مصالحنا