الملف الأوكراني الساخن مع راهن اللحظة السياسية التي تمر على العالم بأسره – ونقصد هنا : التبدلات الاستراتيجية في التعاطي مع الملفات الساخنة من قبل الويلات المتحدة الامريكية ، وعلى رأسها ملف الاتفاق النووي الإيراني الغربي، ومن ضمنه عودة الويلات المتحدة إليه مرة أخرى ، وما يرافقه من التمدد الإيراني في المنطقة والنفوذ الروسي الذي حاصر أوربا من عدة جهات ، نقصد هنا : ليبيا واليمن سورية ولبنان . وكلها ملفات تقتضي من الغرب التعامل معه ؛ ولذلك ملف أوكرانيا لم يكن انفجاراً أتى به حدثٌ طارئٌ بقدر ما هو تراكمُ ملفاتٍ مع الروس ، ليظهر ملفاً حيوياً يسجل عناوين يومية لتطوراتٍ سياسيةٍ متسارعةٍ ،كان آخر حلقات هذا التطور ، تصريحات من الرئيس الفرنسي ماكرون .
فرنسا التي تعتبر موسكو صديقة لدودة لها على ما تحتوي علاقتهما من اختلافات ، لكن تزعم باريس أن خطاً ساخناً وحواراً مستداماً قد يفضي دائماً إلى حلولٍ وسطية مع موسكو .
ماكرون اليوم يبدو أنه قرر الدخول من بوابة أخرى غير الصداقة ” اللدودة مع موسكو ” فقال : “إن تراخينا مع استخدام الأسد للسلاح الكيماوي وتجاوزنا الخطوط الحمر جعل بوتين يتجرأ أكثر في ملف أوكرانيا ” .
ويبدو أن فرنسا هنا تريد أمرين :
ـــــــ أن تغمز من قناة أمريكا ( أوباما الديموقراطي ) والذي ينتمي لنفس الخط السياسي للرئيس “جو بايدن” .
ــــــ إرسال رسالة إلى موسكو ، حيث اختتم تصريحه بالقول : “على موسكو سحب قواتها وتحشيدها من على الحدود مع أوكرانيا ” .
لابد أن ملف أوكرانيا أصبح الآن الملف الذي يتم من خلاله تقويض نفوذ موسكو بطريقة العمق وليس الأطراف . فكانت موسكو تتوقع الضغط من الملف السوري ولكنها تلقت الضربة من حيث لم تتوقعها .
مدير “المكتب السياسي لفرقة المعتصم” في تصريح لــوحدة التحليل والدراسات في مركز مقاربات ، قدم رؤيةً لنظرةِ الويلات المتحدة للملف الأوكراني ، وآخر تطورات الملف : (( بالنسبة لاشتعال الملف الأوكراني ، روسيا بين خياراتٍ ليست سهلة ، بطبيعة الحال لا يمكن القول إن التوتر بما يخص الملف الأوكراني قد شكل انفجاراً مفاجئاً ، ولا يمكن اعتباره نقطة تحول في العلاقات الروسية الأمريكية ، على اعتبار أن الإدارة الجديدة كان لها موقف من السياسات الروسية في المنطقة ، فمن الواضح أن إدارة بايدن تسعى لضبط إيقاع التحركات الروسية … في طبيعة الحال اتسمت إدارة الديموقراطيين باحتواء إيران في منطقة الشرق الأوسط . ويمكن القول إن هناك اصطفافات جديدة ، و أعتقد أن الإدارة الأمريكية الجديدة لا يمكن أن تسمح باستمرار المشهد الضبابي لدى بعض الدول من التحركات الأمريكية ذاتها ، ومن التحركات الروسية ، والصينة ، والإيرانية من جهة .
ولكن علينا أن نفهم أن السياسة الأمريكية تتسم بعدم الصدام مع الإيراني ،و أعتقد أن الأمريكان – في المرحلة القادمة – ذاهبون باتجاه تعميق الاصطفافات أكثر ، ولن يكون هناك منطقة رمادية إنما اصطفاف وراء قطبين ، ولن تتمتع إيران بما أنجزته في حقبة “أوباما” برأيي.
والتحركات الأخيرة في أوكرانيا ، لا يمكن فصلها عن الخطوات الأمريكية المعلنة من قِبَلِ إدارة “بايدن” ، والتي أوضحت أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة مفاصلة ، أي أنه لن يسمح بهده المواقف الضبابية من حلفاء أمريكا .
كان هناك تمدد للروس في كل الملفات والمجالات ، وكما كان كذلك للصين ، وإدارة بادين ليست في وارد تكرار ذلك التمدد ، بل تسعى إلى تقليص هذاالتمدد بشدة )) .
أما الباحث والمحلل الاستراتيجي في مركز جسور : “عبد الوهاب عاصي” والذي علق لــــ “وحدة الدراسات والتحليل في مركز مقاربات” على اشتعال الملف الأوكراني فقال : (( من الطبيعي أن تكون سورية ساحة للرد أو لإرسال رسائل ، في البداية لا يفترض أن يكون هناك رد روسي إلا في حال صَعَّدَتْ تركيا وليس أمريكا ، ومؤخراً حذر الكرملين أنقرة من التدخل في شؤون أوكرانيا .
وبالعودة إلى عملية كراباخ لم يكن هناك رَدٌّ روسي في سورية ، ولكن هناك رسائل من روسيا بقصف واستهداف معسكرات فيلق الشام – إحدى أقوى الفصائل المدعومة من تركيا – .
جبهة أوكرانيا كانت ولازالت – مع منطقة البلقان – سبباً في اندلاع النزاعات العالمية ، أتصور هذه الجبهة أثرها كبير، وفي حال تدخلت تركيا سيكون أثرها أكبر ، وسيكون هناك رسائل روسية لتركيا في سورية .
أما عودة السفن الأمريكية من مضيق البوسفور مرتبط برغبة تركية محاولة إمساك خيوط مع جميع اللاعبين ، فهي تريد ترميم تحالفها مع الغرب ، وتضغط على روسيا ، وهذا ما حصل من عبور السفن الأمريكية وفق معاهدة منترو .
الصين لن تتدخل في الصراعات أصلاً فما بالك صراع من نوع أوربي مباشر )) .
من بين المتداخلين في الملفات الدولية ، تبقى تركيا الدولة التي تتمتع بموقع وقوة ونفوذ يؤهلها – لميزاتها هذه – لدور حاسم على حدودها الشمالية ، وخاصة أنها تدرك خطورة التحرك الروسي وهي لم تعترف – بطبيعة الحال – بما أقدمت عليه موسكو في جزيرة القرم .
ونحن تابعنا خبر طائرات البيرقدار المسيرة التركية الشهيرة ، التي تستخدمها أنقرة كورقة في ، وحسمت من خلالها الحرب في ليبيا ، وأذربيجان …. أنقرة التي تتمتع اليوم بوضع مختلف داخل الناتو ، الحلف الذي أعادته إدارة بايدين إلى الحياة والعمل مع دوله على أسس الشراكة الحقيقية ، بعد إهمال ترامب المتعمد له ، ومع تنامي عمليات الطرد المتبادل للدبلوماسيين من روسيا و أمريكا ، وأيضا الغرب وبعض دول أوربا الشرقية – الحديقة الخلفية لموسكو – سيكون العالم على موعد جديد ، قد يحمل في طياته احتكاكاً خشناً ، وقد يحمل أيضاً جلوساً على طاولة مفاوضات كبرى .
الحاضر الغائب هي إيران ، التي ارتبكت من تلقي الضربات على موسكو ، السند الذي كانت تعول عليه في مفاوضات فيينا ، التي يبدو أنها شاقة وطويلة جداً أكثر مما اعتقدت طهران .