لقاءات القمة الاستثنائية لمجموعة G7 والناتو هل ستنجح في تخطي حقول الألغام الروسية؟
لقاءات عدة جمعت زعماء الدول السبع والناتو ، قد تتخطى دبلوماسية الصور والوجوه الضاحكة إلى الانتقال لمرحلة : “دعونا نضع خلافاتنا جانباً ، نحن في خطر”
عودة المياه لمجاريها مع حلفاء واشنطن التقليدين .
بدأت القمم بلقاء بايدن جونسون – الحلف التقليدي ، طويل الأمد – بين بريطانيا والولايات المتحدة ، والذي مرَّ بتحديات أثناء فترة رئاسة ترامب ، الذي جعل من حلفاء الويلات المتحدة التقليدين عرضة لمخاطر وجودية حقيقية .
اختتمت القمة بإعلان عودة الحلفاء مرة أخرى إلى الطاولة ، ثم تعزز اللقاء بلقاء مع ماكرون فرنسا، التي عانت من تراخي الدور الأمريكي في مناطق نفوذها، لكنها حظيت – في هذه القمة المشتركة – بإعادة الصورة المعهودة بين أوربا والولايات المتحدة ، كتحالف غربي لا تنفصم عراه و لا مصالحه المشتركة .
تركيا تعود كحامية حدود الناتو الجنوبية .
قمة أردوغان – بايدن ، خرجت بنتائج تترقب التنفيذ ، وتقارب حذر من الطرفين ، فعلى هامش قمة دول الناتو عقد الرئيسان : “أردوغان – بايدن” محادثات ، تناولت قضايا التعاون والخلاف بينهما ، وعلى اعتبار التقارب في الملفين : الليبي والافغاني ، يُعتبر تقدم ملحوظ ، إلا أنه مازالت هناك خلافات بينهما في ملفات أخرى شائكة ، تحتاج إلى مزيد من التفاوض .
نجد الكثير من الملفات الخلافية المتراكمة ، منها مساندة الولايات المتحدة لليونان ، مروراً بملف صواريخ الــــــــS400 ، إلى التخلي عن تركيا وجعلها وحيدة في مواجهة روسيا والأسد في سورية ، ودعم التنظيم المعادي لتركياPKK وذراعه السوري YPK ، وإخراج تركيا من برنامجF35 …. كلها ملفات خلافية ملتهبة ، انتظرت طويلاً ، وتراكمت الخلافات فيها حتى أصبحت عاملاً من عوامل فقدان الثقة التركية بحليفتها التاريخية الويلات المتحدة . كل هذه الملفات احتاجت وقتاً طويلاً لفرزها ، والتعامل معها بطريقة القطعة وليس بالجملة، نجحت هذه الطريقة – نسبياً – في تحويل الملفات الساخنة بين البلدين إلى مرحلة التعاطي المباشر مع المخاوف المتبادلة ، بدلاً من مرحلة فقدان الثقة ، وظهر ذلك من خلال إسناد حماية مطار كابول في أفغانستان ، وهذا الإسناد لم يأتِ عبثياً ، بل اعترافاً من دول الناتو بأهمية الدور التركي في هذه المنطقة ، وأن تلك الكلفة الأمنية العالية للجيش التركي لن تكون بِلا حوافز، سيما أن القوات التركية بعددها وعتادها وقواعد اشتباكها الجديدة أصبحت في سورية حقيقة واقعة ، لا يمكن تجاوزها ، وقد يؤهلها لاحقاً – و يبدو ذلك طموحاً حقيقاً لدى تركيا – للعب دور دولي ، نيابة عن الناتو في سورية .
عموماً، يمكن القول – وبقدر كبير من التحفظ والحذر – : إن لقاء أردوغان .. بايدن، كسر الجليد في علاقات الرئيسين ، وأسس لاستعادة الثقة ، خاصة الاهتمام من قبل الناتو بحامية حدوده الجنوبية ، وإيلائه لمخاوفها اهتماماً لافتاً .
قمة السمسار بوتين مع بايدن :
لم يكن لقاء القمة بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن والرئيس الروسي بوتين لقاءً عادياً ، بل كان له أهداف منها : تكتيكية ، ومنها : استراتيجية .
هدف بوتين الاستراتيجي هو : الاعتراف به من الولايات المتحدة كقوة عظمى مكافئاً – نوعياً – للاتحاد السوفيتي ، من خلال نتائج حققتها العودة للمحادثات النووية بين البلدين ( معاهدة ستار 3 ) ، وعودة السفراء ، وضبط الخطوط الحمراء بين روسيا والولايات المتحدة .
وكان الهدف الاستراتيجي الأمريكي متعدد الأوجه، لكنه يحمل رأس سهم واحد ، هو إلغاء الصورة التي انطبعت في أذهان العالم عن سياسة دونالد ترامب في علاقاته الدولية عموماً ، وعلاقاته مع بوتين خاصة ، فقد غاب المؤتمر الصحفي المشترك ، ومأدبة العشاء ، والقدوم بعد بوتين بوقت ليس قليل ، وعناية من فريق بايدن بأدق التفاصيل ؛ لإخراج الصورة النهائية للقمة .
لكن بوتين عاد سريعاً لمهمة السمسار ، الذي أتى ليبيع بضاعة كاسدة يراها العالم كل يوم ، ويزاد نفوراً من التعامل معها ، فبينما كانت ملفات هامة تنتظر الحديث عنها ، لكن بوتين أفرز وقتاً مهماً لتسويق بشار الأسد ، تلك البضاعة الفاسدة ، التي أزكمت رائحتها أنوف العالم وليس حاضري القمة فقط ، فقد أفادت المصادر المتقاطعة أن عرضاً لمدة 10 دقائق – وقت ليس بالقليل – أفرده بوتين ؛ لمحاولة إقناع الرئيس جو بايدن بمزايا إعادة تأهيل بشار الأسد ، و وصل الأمر به أن عرض خدمات بشار ، والتزامه بهذه الخدمات ، ملغياً ما يُسمى محور المقاومة من قاموس الوريث القاصر بشار ، هما :
ـــــــ الالتزام التام بأمن إسرائيل ، وأن لبشار وحكمه تجربة رائدة في ذلك وتاريخاً موثوقاً – بحسب تسويق بوتين – .
ــــــــ التزام بشار بتقييد وصول الأسلحة الدقيقة الإيرانية للميلشيات الطائفية الإيرانية ، وتعهده وفق ما قال بوتين بذلك شخصياً ، وبضمانة بوتين نفسه .
إضافة إلى عروض استثمار النفط والغاز على سواحل سورية ، الذي ظهر بكميات مغرية جداً، يبدو أن دبلوماسية السمسار التي تمتع بها بوتين في سنين عهده الدموية ، لم تقنع السياسي المخضرم جو بايدن ، فكان رده على الــــ 10 دقائق – المسهبة في شرح مزايا تأهيل بشار الأسد – : “بأن ما فعله الأسد أفقده ثقة العالم ، وأن التعامل معه « لم يعد جائزاً أخلاقياً »” على أن الملف السوري لم يحظَ بالكثير مما خرج بالمؤتمر الصحفي لكلا الرئيسين ، لكنه كان حاضراً كملف للمساومة روسياً ، وملف الإصرار على عودة الإمساك بالأوراق أمريكياً ، من خلال بوابة المعابر وتجديدها، ولعل هذا السبب هو الذي جعل بوتين لا يبدي التزاماً واضحاً بعدم استخدام الفيتو ضد تجديد قرار المعابر ، واعتبر مسؤولو البيت الأبيض أن اختبار التعاون مع الروس في ملفات سورية الشائكة ، لابد أن يمر بمرحلة اختبارهم في التمديد لقرار المعابر في شهر تموز المقبل .
في النهاية كانت قمم الناتو فعلياً إعادة لترتيب الرقعة من جديد ، فهي اصطفاف ضد عدو تقليدي : “روسيا” ، وعدو طامح : “الصين ” ، بينما كانت قمة بايدن – بوتين ، إعادة تموضع ، وإلغاء صورة ترامب في قمة هلسنكي ، التي رجح فيها الثقة ببوتين على أجهزة الدولية العميقة الأمريكية ، وعلى رأسها CIA ، عندما قال : أثق ببوتين أكثر من الــــــ CIA.