الليرة التركية إلى أين؟

في الوقت الحالي تعاني الليرة التركية من تدهور متسارع في قيمتها أمام العملات الأخرى. إذ بلغت قيماً متدنية قياسية. وحتى الآن لم يتّضح بدقة مستقبلها. هل هي متجهة إلى مزيد من التدهور أو التحسن أو الاستقرار؟ وفي ذات الوقت قد يتساءل العديد عن أسباب هذه التراجع؟ والسؤال الأكثر دقة هنا: الليرة التركية إلى أين؟

 

ما علاقة الليرة بأسعار  الفائدة؟

بصفة عامة يلاحظ الغالبية أن قيمة الليرة تتغير صعوداً وهبوطاً مع تغير سعر الفائدة. وهو ما يقود للاستنتاج بأن سعر الفائدة له أثر مباشر وفوري على قيمة الليرة. ولذلك وقبل الدخول في تحليل واقع الليرة ومستقبلها لا بد من الفهم الدقيق لحدود العلاقة بين أي عملة وسعر الفائدة.

 

بصورة شاملة يُعد سعر الفائدة من أهم أدوات السياسة النقدية على الإطلاق. فهو المتحكم الرئيس في كمية النقود في السوق وفي اتجاهها. فعندما يكون سعر الفائدة مرتفعاً سيقوم الغالبية بإيداع أموالهم في البنوك للحصول على عوائد مرتفعة.

 

ولذلك فالعوائد المتحصلة من البنوك على الأموال المودعة قد تعادل العوائد المتحصلة في حال استثمار الأموال في أي مجال. وفي ذات الوقت لن يرغب الغالبية في الاقتراض من البنوك نظراً لكون الفائدة مرتفعة. ففي الفائدة المرتفعة يزداد الإيداع في البنوك وينخفض الاقتراض. أي تقل كمية العملة في السوق وتتركز بشكل رئيس في البنوك.

 

وفي الوقت نفسه في حال خفض سعر الفائدة سيقوم الغالبية بسحب أموالهم من البنوك كون العوائد منخفضة. وفي ذات الوقت يرغب العديد من الناس والمستثمرين بالاقتراض من البنوك كون الفائدة على المبالغ المقترضة منخفضة. ففي ظل الفائدة المنخفضة تقل الأموال في البنوك وتتركز في السوق. لذلك وكخلاصة نقول بأن سعر الفائدة المرتفع يعني أموالاً قليلة في السوق وكثيرة في البنوك والعكس صحيح.

 

كيف تتحدد قيمة سعر الفائدة؟

في الواقع تختلف قيم سعر الفائدة بين الدول. فمنها من يعتمد سعر فائدة منخفضاً وأخرى تعتمد سعراً مرتفعاً. فكيف تحدد الحكومات سعر الفائدة؟ في الحقيقة يتم تحديد سعر الفائدة بناءً على دراسات معمقة واستناداً على الواقع الاقتصادي للدولة.

 

في وقتنا الراهن تعتمد العديد من الدول ذات الاقتصادات الكبرى سعر فائدة منخفضاً. وهو ما يدفع البعض للقول بوجوب الاقتداء بهذه الدول وتخفيض سعر الفائدة. وهذا الطرح غير صحيح. فسعر الفائدة في كل دولة يتناسب مع ظروفها الاقتصادية الذاتية. وهذه الدول وفي حال تغير واقعها الاقتصادي قد تعود لفرض سعر فائدة مرتفع.

 

بالتالي فالقضية ليست اقتداءً بدولة ما. فلكل دولة ظروفها الاقتصادية. ففي حال الركود تعتمد الحكومات سعر فائدة منخفض لتنشيط اقتصادها. وفي حال التضخم ترفع سعر الفائدة لتخفيف الكتلة النقدية في السوق والحد من التضخم النقدي. فالقضية ليست اقتداءً بأحد بقدر ما هي استجابة لظروف اقتصادية محددة.

 

كيف تستطيع الحكومة التركية تحسين وضع الليرة؟

في الحقيقة يعاني الاقتصاد التركي من جملة ضغوط اقتصادية وفي مقدمتها ارتفاع معدلات التضخم. وهذا يعني كميات ضخمة من الليرة في السوق وهي كمية أعلى من الحاجة الفعلية. ولا تتناسب مع كمية الدولار الموجودة.

 

نتيجة لذلك فالحكومة التركية أمام حلين. الحل الأول معالجة التضخم من خلال رفع سعر الفائدة. والذي يؤدي لتقليل كمية الليرة في السوق وتركزها في البنوك. وهنا بالفعل قد ينخفض التضخم وتتحسن قيمة الليرة.

 

يعد هذا الحل حلاً مؤقتاً وله عدة سلبيات. فهو يضر بالإنتاج نتيجة ارتفاع تكاليف التمويل. ويزداد الاستيراد ويقل التصدير. فهذا الحل يمكن تشبيهه بالمُسكِّن الذي يعطَى للمريض. فهو يعطيه بعض الراحة ولكن حالما تنتهي فاعليته يعود المريض للألم.

 

الحل الثاني: تخفيض سعر الفائدة. وهو ما تتبعه الحكومة التركية حالياً. وهذا الحل يعالج جذور المشكلة. من حيث إنه يحفّز الانتاج نتيجة انخفاض تكلفة التمويل. ويحفز التصدير ويضغط على الاستيراد.

 

يعد هذا الحل متوسط الأمد. بمعنى أن نتائجه تحتاج لعدة شهور لا تقل عن 6 لتبدأ بالظهور. وهو يسبب في المرحلة الأولى تدهوراً في العملة وزيادة في التضخم. وهنا يمكن تشبيه هذا الوضع بعلاج المريض. فالدواء قد يكون مراً وغير مستساغ. وقد يكون له أعراض جانبية مزعجة. لكنه في النهاية يقود لشفاء المريض.

 

لهذا السبب فإن من شأن تخفيض سعر الفائدة أن يدعم الاقتصاد التركي. وأن يولد المزيد من فرص العمل ويرفع معدل الأجور السائد. ولكن كل هذه الآثار لن تتحقق إلا في المدى المتوسط. ولهذا يمكن القول بأن الليرة قد تستمر في الانخفاض بوتيرة متوسطة لحين بدء نتائج هذه السياسة بالظهور.

 

لا بد من الإشارة هنا إلى أن تخفيض سعر الفائدة قد يدفع البعض للاقتراض وتحويل القروض إلى دولار. وهو ما يسبب ضغطاً إضافياً على الليرة. وهنا لا بد للحكومة من اتباع بعض الإجراءات لقطع الطريق على القروض لكي لا تنتهي في المضاربات وتحويلها للقطاعات الانتاجية.

 

بالإضافة إلى ذلك فإن من الإجراءات التي يمكن اتباعها هنا فرض بعض الشروط على المقترضين. كتقديم دراسات جدوى للمشاريع الراغبين بتمويلها. إضافة لمنح قروض متدرجة. بحيث يتم تقديم القروض على دفعات متتالية تتناسب مع مراحل التقدم في المشروع.

 

في نهاية المطاف لا بد من التنويه إلا أن الإحاطة بالأسباب المؤدية لتدهور الليرة لا يمكن تغطيتها في أسطر قليلة. خاصةً أن قيمة الليرة مرتبطة بعوامل عدة. وتحديد قيمة أي عملة في علم الاقتصاد يحتاج لصفحات ودراسات عدة. ولكن تم تسليط الضوء على أبرز النقاط المرتبطة بهذه القضية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top