إن الحديث عن الرأي العام والإعلام يمكن أن نضعه ضمن معادلة بسيطة تتمثّل في مَن يؤثر بمن؟. وهذا ما يمكن أن نبني عليه في محاولة فهمنا لطبيعة العلاقة وإشكالية التأثير التي قد تحدث بين قطبي هذه المعادلة وهو” الإعلام كوسيلة” “والرأي العام كقوّة كامنة” بمجرد تحريكها أو استغلالها يمكن أن نغيّر الكثير على أرض الواقع.
يمكن أن ننطلق بكلمتنا هذه التي تمثل محاولة لقراءة شكل وطرق التأثر، والتأثير ما بين “وسائل الإعلام” والرأي العام (الجمهور) وهذه المحاولة تأتي في زمن القرية الصغيرة التي باتت تحقق في عصر الفضاء المفتوح وشبكة الإنترنت التي كسرت كل الحدود والمعايير في مفهوم التأثير والأثر الذي قد يحدث نتيجة الرسالة التي تبثها وسائل الإعلام.
الإعلام المجتمعيّ
تعرّف وسائل الإعلام المجتمعية على أنها شكل لوسائل الإعلام التي ينشئها المجتمع ويتحكم فيها. وتعدّ وسائل الإعلام المجتمعية شكلاً مختلفاً عن وسائل الإعلام التجارية أو الرسمية التي تديرها الدولة.
والإعلام يؤسّس لبناء المجتمعات فهو قائم على مفاهيم حرية الأشخاص وحرية التعبير للحصول على المعرفة والمعلومات وهذا كله من أسس بناء المجتمعات.
الرأي العام ووسائل الإعلام
وبعد أن وضحنا مفهوم الإعلام المجتمعي وتعرفنا على أهدافه لابد لنا من تعريف الرأي العام وعوامل تشكيله والتأثير عليه.
يتشكّل الرأي العام بعدّة عوامل أولها: العوامل الفسيولوجية والوظيفية. والتي تتمثّل في سمات تؤثر في عقلية الفرد وأفكاره. وثانيها: العوامل النفسية التي تؤثر في تصرفات الفرد وسلوكه. وثالث عوامل تشكيل الرأي العام: هو عامل الثقافة باعتبارها مجموع العادات والتقاليد والقيم وأساليب الحياة التي تنظم حياة الإنسان داخل البيئة التي يعيش فيها.
وأما العامل الأهم والذي سأركز عليه في مقالي هذا هو النّسق السّياسي والخطاب الثّوري. فالديمقراطية تسمح بذيوع وانتشار الرأي العام وتعمل على قيام حرية الفكر والاجتماع والتعبير وهو ما قامت ثورات الربيع العربي لأجله بعد أن كانت المجتمعات العربية غارقةً في الاستبداد وتحت سيطرة قبضة المخابرات التابعة للسلطة في ظل النظام الديكتاتوري.
أقرأ أيضا: الإعلام وصناعة القِيَم
وسائل الإعلام المجتمعي
بعد أن دخل الإنترنت لكل بيت في مجتمعنا أصبحت وسائل التواصل كثيرة جداً فوجود الواتساب؛ الفيسبوك. أو التويتر أو التلغرام وكذلك المنتديات والمجموعات جعل لكل فرد من أفراد المجتمع منبره الإعلامي الخاص به، وتتم من خلاله مناقشة الآراء وتبادل الأخبار والصور والرسائل الصوتية. وتنقسم إلى مواقع “شخصية”، مواقع “مؤسساتية”، مواقع رسمية “حكومية”.
لايمكن تجاهل التأثير القوي لوسائل الإعلام على الشعوب والمشاركة في الحياة العامة خاصة في ظل أحداث الربيع العربي. فقد برهنت أن هذه الوسائل حقيقة قوة كامنة خرجت عن سيطرة الحكومات. وآلية ساهمت في صنع التغيير في الخارطة السياسة. من خلال فتحها لمجال التواصل والاتصال وتبادل المعلومات بين الجميع بخلاف وسائل الإعلام الرسمية.
ولا بدّ من التنويه لأمر مهم جداً وهو أن تأثير الرأي العام لا يمكن أن يكون مطلقاً وبنفس الوقت لا يمكن أن يتمّ إغفاله كون تجارب الربيع العربي أثبتت فاعليته. إلا أننا نقف على محدّدات للتأثير وهي:
_ الدّقة والموضوعية: فإن عصر المواطن الصحفي جعل من كل مواطن هو مصدر للمعلومة والخبر. وبالتالي لا يمكن لأي إنسان أن يقدم معلومة عبر صفحته أو مدونته من خلال الحديث عبر مواقع التواصل. بل لا بد من التحري والتأكد من صحة الخبر والموضوعية في النشر. وهذا ما يكاد أن يكون معدوماً في بعض الأحيان، فنجد الكثيرين يسارعون بتكوين رأي عام عبر الهاشتاغات أو الغروبات دون أن يكون هناك دقة لما يدعون إليه. وهذا ما يسبب خللاً كبيراً يضلل الناس به ويبعدهم عن الإنصاف والصواب، خاصة بالتعامل مع المسائل السياسية والمواقف الحادثة.
_الاطلاع والمعرفة: إذ أن العلم بالشيء أساس مهم للحديث عنه أو لعرضه بالشكل المطلوب. وبالتالي فإن استخدام وسائل التواصل بطريقة غير صحيحة ودون اطلاع ومعرفة لما يتم نشره لتكوين رأي عام أمرٌ بغاية الخطورة. ومضيعةٌ للوقت وتضليلٌ للعامة، و كثيراً ما يسبب أثراً عكسياً يبعدنا عن الموضوعية.
الرأي العام والشائعات
من أكثر الأمور السلبية في تكوين التأثير هو نشر الشائعات. كثيراً ما نقرأ في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن أخبار كاذبة كنشر خبر موت شخصية مشهورة أو واقعة غريبة بهدف تكوين رأي عام وكذلك الوصول إلى “الترند” وجمع أكبر عدد من التفاعلات على الصفحة. وهذا المنحى جعل من وسائل الإعلام سلاحاً ذا حدين. فكما ذكرنا الجانب الإيجابي في دورها المجتمعي والسياسي، لابدّ لنا من أن نعرج على جانبها السلبي. فقد فتحت المجال أمام كثير من السفهاء لنشر التفاهات والأخبار الكاذبة بل وخداع الشباب لإسقاط القدوات والرموز المجتمعية. متّخذة أسلوب العاطفة المحضة بعيداً عن الموضوعية والدقة في النشر مما أدى إلى وقوع أخطاء جسيمة كادت أن تخلق شرخاً بين مختلف فئات المجتمع.
حماس الشباب وضبط البوصلة
لقد شاهدنا دوراً مهماً للشباب في الحِراك الثوري، وذلك على عدّة أصعدة وأهمّها الإعلام. حيث برز عدد كبير من النشطاء في ثورتنا المباركة وظهرت إبداعات كانت محاربة في ظل الاستبداد الأسدي. مما أغنى المجتمع السوري بعنصر الشباب المتحمس. إلا أننا نجد من كثير من الشباب التسرع في تكوين الرأي العام والميل مع صيحات مجهولة الهدف. وذلك منبعه يكمن من “الطاقة الكبيرة وقلة الوعي” فيصبح الشباب أداة في تكوين رأي عام قد تكون خلفه جهات معينة للحصول على هدف ما.
ولهذا فإن ضبط النفس والتفكير بوعي كبير قبل الكتابة والمشاركة. والتأكد من صحة المعلومات ودقّتها، من أهم الأدوات التي يجب أن يتمسك بها الشباب العامل خاصة وباقي أفراد المجتمع عامة. وهذا الوعي لاشك يحتاج إلى جهد كبير وتكاتف للجهود في تكوينه من قبل الشخصيات المؤثرة والأكاديمية المثقفة التي لها أذن صاغية.
وأخيراً: يبقى الرأي العام أحد أهم العوامل المهمة والحساسة بنفس الوقت. بل والمشاركة في عملية صنع القرار في المجتمعات الحديثة. وقد بدأت تتبلور قوة وأهمية الرأي العام بدءاً من النصف الأول من القرن التاسع عشر. ولم يستطع عالم أو باحث أن يتجاهل وجود قوة سياسية واجتماعية تدعى “الرأي العام” سواء أكان يقرها أو ينكرها لذلك نجد الرأي العام دخل دائرة العديد من التخصصات. فالسياسيون والاجتماعيون وعلماء النفس كلٌّ له إسهاماته ووجهة نظره في تلك الظاهرة مما أوجد تعارضاً في بعض الأحيان في تفسيرها والوقوف عليها. والتي لا بد لنا من ضبطها وتصحيح بوصلتها لنستخدمها في ما يخدم المجتمع ويزيد من وعيه وتمسك أفراده بقضاياهم ومشاركتهم في تحقيقها.
بقلم: بلال محمد الشيخ /كاتب سياسي