المجتمع السوري والقطيعة الثقافية – ديوان علي عزت بيجوفيتش

لقد كان الصّراع بين المكوّنات السّياسيّة سمةً بارزة لمعظم دول الشّرق الأوسط في تاريخها الحديث، ولقد برز ذلك أكثر في فترة الثورات العربية، ولقد كانت تركيا والعراق من أبرز الأمثلة على ذلك. أمّا النموذج السّوري فقد كان المشهد فيه مختلفاً تماماً إلى أن جاء حزب البعث، ولقد كانت الثّورات السّورية ضدّ الفرنسيّين من أكبر الأمثلة على انسجام مكوّنات المجتمع السّوري، إذ كان هناك الكثير من القادة العسكريّين الأكراد والتركمان غير القادة العرب. وأيضاً الحكومات الأولى التي شُكّلت بعد جلاء الفرنسيّين كانت مثالاً يُحتذى به للتّماسك المجتمعيّ.

ولكن منذ نشأة حزب البعث وتغوّله على الدّولة والمجتمع ظهرت سياسات تجاهل الأقليّات سواءً العرقيّة أو الطائفيّة، وطمس هويّتها ونبذ حقوقها. وتفضيله أخرى متخفياً بستار الشّعارات القوميّة العربيّة، وفرض القطيعة الثقافيّة بين كل المكوّنات سواءً العرقيّة أوالطائفيّة السّوريّة، حتّى امتدّ ذلك ليصل بقطيعة ابن الرّيف عن ابن المدينة، وبين المدينة والمدينة الأخرى. ولقد استطاع بذلك السّيطرة على جميع المكوّنات المجتمعيّة السّورية وإدارتها حسب ما تقتضيه مصالح قاداته الشخصيّة. لقد أدّى كل ذلك لتصدّع المجتمع، وكان ذلك بداية الشّرخ الاجتماعيّ والذي ظَلّ في التّوسع إلى يومنا هذا.

ولتقديم مراجعة لسياسات النّظام في هذا السّياق وآثارها على المجتمع السّوريّ وعلى الثّورة السّورية، استضاف “مركز مُقاربات للتّنمية السّياسيّة” في مقّهه في اسطنبول الأستاذ عماد كوسا في ديوانه “علي عزّت بيغوفيتش”، وهو ديوان ثقافيٌّ ذو بعدٍ سياسي يُعقد بين النّخب السِّياسية والمُفكّرين والشباب المُهتمّين.

ابتدأ الّلقاء بحديث الأستاذ عماد كوسا عن القطيعة الثّقافية للمكوّنات السّورية من عرب وأكراد وتركمان وأسباب كل من ذلك، وكيف استغلّ نظام حزب البعث ترسيخ هذه القطيعة لزيادة نفوذه وإحكام قبضته على البلاد.

وبعدها تمّ الحديث عن الخارطة السّياسيّة الكرديّة وتطوّرها مع مجريات الثّورة السورية، وارتباطها بالفواعل الإقليميّة، وعلاقة الأحزاب السّياسيّة بالمجتمع المحليّ، وانتهاءً بالحديث عن آثار هذه الخارطة على الواقع الحاليّ.

وفي الختام تمّ إغناء النّقاش باستشراف للمستقبل واقتراح بعض الحلول، لسدّ هذا الشّرخ وللمساهمة في تماسك المجتمع السّوري على المدى القريب والبعيد، وما هو دور الأفراد والمؤسّسات والحكومات في ذلك.

يهتمّ مركز مُقاربات للتنمية السّياسية بتفعيل الحوار السّوري السّوري، وإيجاد مساحات للنّقاش وتبادل الآراء والتي من شأنها أن تُنضج كثيراً من القيم والأفكار وتساهم في تعزيز الهويّة السّوريّة وبناء مستقبل سوريا الجديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top