هيئة تحرير الشّام ومستقبل الثّورة السّوريّة

هيئة تحرير الشّام ومستقبل الثّورة السّوريّة قراءة في الأحداث الأخيرة التي شهدتها المناطق المحرّرة

تزامناً مع التّصعيد الذي يحدث في الآونة الأخيرة في الشّمال السّوريّ، واستيلاء هيئة تحرير الشام علي عفرين وبعض المناطق، أثيرت عدة تساؤلات واستشرافات حول الهيئة ومشروعها، وعن المنطقة على العموم على الصعيدَين المحليّ والدّوليّ وعلى جميع الفاعلين.

وانطلاقاً من ذلك، قام “مركز مُقاربات للتّنمية السّياسيّة” بإجراء مقابلة صحفية مع الدكتور محمد نور حمدان لطرح بعض الأسئلة المرتبطة بالموضوع.

 الدكتور محمد نور حمدان هو دكتور في الفقه الإسلاميّ، ومدير مركز مناصحة.

 فكان الحوار كالآتي:
السؤال الأول: دكتور محمد المراقب لتاريخ علاقة الهيئة مع الفصائل الثوريّة يلاحظ النسق الواحد لسلوك الهيئة في تصفية الفصائل..   والسؤال هنا: هل يمكن أن نحكم على هذا السلوك بأنه ناتج عن خطة لدولة أو لجهة خارجيّة هي التي تدير الملفّ لترويض الثّورة وإنهائها وفق نتائج متوقّعة؟

الجواب: بدايةً، الهيئة مرت بتبدّلات وتحولات كثيرة، فكانت في البداية مرتبطة بالقاعدة وبعد ذلك فكّت ذلك الارتباط، ثم كانت مرتبطة بداعش وعادت وفكّت ارتباطها بها، ومن ثم أعادت تسمية نفسها. لذلك لا يمكن أن نحكم على سلوك الهيئة بمعيار واحد منذ بداية دخولها لسوريا إلى اليوم. 

عادة الهيئة أو جبهة النّصرة قديماً، والحركات الإسلاميّة الجهاديّة بشكل عام تؤمِن بفكرة التغلّب، لذلك كان موقفها من الجيش الحرّ أو الفصائل ليس موقف محبّة وودّ بالأصل وإنّما هي كانت مرتبطة معهم وتتحالف معهم تحالفات مصلحيّة لفترة من الوقت، وبعد ذلك تتغلّب على تلك الفصائل واحداً تلو الآخر بتُهَم عديدة، وعادةً ما تكون التّهم والحجج شرعيّة (كفر أو ردّة أو تعامل مع الغرب) لكن ما نراه اليوم أنها تحالفت مع فصائل كانت تتّهمهم بالفساد والمخدّرات وعملاء البنتاغون وتسمّيهم بفصائل الكبتاغون. وهذا ما حصل فعلاً، فمنذ نشأة الهيئة استطاعت الهيئة تفكيك الكثير من الفصائل في إدلب وريف حلب الغربيّ، فهذا هو السّلوك المعتاد لمثل هذه الحركات الجهاديّة، ولكن بعد ذلك نعم أصبح هناك توجّه لجهات خارجية على اعتبار تلاقِي وتقاطع المصالح، وليس على اعتبار أنها ذراع لدولة ما.

السؤال الثاني:

ما هو مدى وشكل الحكم على مستقبل الثّورة في ظلّ التمدّد الأخير هيئة تحرير الشام؟

الجواب: حقيقة مستقبل الثّورة أصبح الآن بيد دول، وأصبحت  الفصائل  أدوات لا تملك من الأمر شيئاً ولا تملك الاستقلاليّة في القرار. وطبعاً هذا التمدّد الأخير لهيئة تحرير الشّام كان الحديث عنه منذ أكثر من سنة أو سنتين بأنّ الهيئة ستدخل إلى عفرين ودرع الفرات وإلى غصن الزيتون من أجل إيجاد قيادة واحدة. وكانت الفصائل تستبعد هذا الموضوع، وهذا ما لاحظناه كيف أنّ هذا الموضوع تمّ تنفيذه، وأنّه كان هناك ترتيب معيّن للثّورة بشكل عام. وهذا مرتبط بالموضوع الرّوسي الأوكرانيّ ومرتبط بموضوع الانتخابات التركيّة، وخاصّة أنه تمّ التّصريح مؤخراً في تركيا بوجود تقارب مع النّظام لأمور معيّنة ومحدّدة.

السؤال الثالث:

 إذا كانت التّحركات الجارية الآن للهيئة هي في سياق إدارة الأتراك للملف السّوريّ فما هي المصالح المتوقّعة لتركيا نتيجة التطوّرات الأخيرة؟

الجواب: بالنسبة لتركيا، يهمّها أن يكون هناك رأس واحد للثّورة، ولا تريد أن يكون هناك عدّة أطرف متناحرة. والآن هي تريد إدارة واحدة لملف الثورة السّورية، وتريد أن يكون هناك اتفاق بين الائتلاف وبين الحكومة المؤقّتة وبين حكومة الإنقاذ، وكذلك بين الفصائل وبين الهيئة. والآن أصبحت الظّروف مناسبة لهذا الموضوع. وخاصّة مع وجود تلميحات بأنه سيكون هناك اتفاقات معيّنة مع النّظام، كما ذكرت سابقاً.
ويهمّ تركيا أيضاً موضوع الانتخابات، فالسّنة القادمة هي سنة مصيريّة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، كذلك الأولوّية بالنسبة لها أيضاً موضوع ال بي كي كي وإبعاده عن حدودها وتأمين حدودها. وهذا يكون مكسب لحزب العدالة أمام الشّعب التّركي في حال استطاع القضاء على ال بي كي كي.
وكذلك هي الآن تحاول تصفير المشاكل، فاستطاعت تصفير المشاكل مع دول الخليج كالسّعودية والإمارات. أيضاً هي تلعب بتوازن بين الرّوس والدّول الأوروبيّة وأمريكا، فتحاول قدر الإمكان أن تقلّل من الصّراعات في ظلّ التّوتر الدّولي الموجود في المنطقة بين روسيا وأوروبا. وواضح أن الأنظار كلّها ستكون متوجّهة إلى الحرب الرّوسيّة الأوروبيّة وليس إلى الملفّ السّوريّ الذي هو ليس من ضمن الأولويّات العالميّة اليوم. لكن ستصطدم تركيا بعقبة المنطقة الآمنة التي وعدت بإعادة اللاجئين إليها، ومع وجود هيئة تحرير الشام لا يمكن اعتبار المنطقة آمنة بسبب تصنيف الهيئة على لائحة الإرهاب الدّوليّ وستصبح المنطقة معرّضة لضربات التحالف والرّوس بحجة محاربة الإرهاب. 

السؤال الرابع:

هل تعتبر التغيّرات الجذريّة التي مرّت بها هيئة تحرير الشام تغيّرات في المنهج والسّلوك وإن لم تكن كذلك فما هو توصيفها؟

الجواب: فعلاً هناك تغييرات جذريّة قامت بها هيئة تحرير الشام في السلوك والمنهج، من خلال الظهور ّ للجولاني  والتبدّلات بالأزياء المختلفة التي توحي بالتعبير عن الرّغبة في التغيير عنده، فمرّة يظهر مع العشائر ومرّة يظهر في الأسواق ومرّة يظهر في المخيّمات، وآخر ظهور له كان مع الأقليّات، فظهر على سبيل المثال مع الدروز في بعض القرى، فكان يوجّه رسالة للعالم بأنّ مشروعه ليس مشروعاً إرهابيّاً، وأنّه يسعى حثيثاً ليرتفع اسم هيئة تحرير الشام من التّصنيفات الإرهابيّة، لذلك نستطيع القول بأنه هناك تغيير. ولكن تبقى هنالك المشكلة في التصرفات الأمنيّة الموجودة، فلا تزال بعض عمليات الخطف وبعض عمليات الاغتيال الموجودة في إدلب، وهذا الموضوع لا بدّ بأن يتمّ العمل عليه للانتهاء منه من خلال محاكم عادلة، وأن يتمّ فتح المحاكم والسّجون، فلا تزال هناك أناس مغيّبة في السّجون بدون حكم قضائيّ، فلا بدّ أن يتمّ فتح السّجون لمنظّمات حقوق الإنسان والانتهاء من العمليّات الأمنيّة والاعتقالات التعسّفية وحرية الصحافة والإعلام في المنطقة.
إذن فواضح أن الجولاني يريد أن يتمّ اعتماده بشكل رسميّ، وأن يتفرّد بحكم المنطقة المحرّرة، وأن يكون المتصرّف فيها.
وواضح في هيئة تحرير الشام وجود تيّارَين،

التّيار الأوّل وهو المتغلّب على الثاني وهو الذي يريد التغييرات، ويتزعمه أبو محمد الجولاني، والتّيار الثاني هو التيار التكفيريّ (تيار الغلوّ)، وهو موجود في الدّاخل السّوري، ولكن هذا التيار أصبح ضعيفاً جداً مقارنةً بالتيار الأوّل. 

السؤال الخامس: 

 هل جاءت التغيرات الأخيرة في صالح السّاحة السّورية حيث أنّ العديد من المنتمين لهذه السّاحة يرون ذلك؟؟

الجواب: التغييرات الأخيرة هذه، -كما ذكرت- منذ سنة يتمّ الحديث عنها، وكأنّ الظروف جاءت لهذه التغييرات، فقد تمّ استغلال فرصة استشهاد الصحفي محمد أبو غنّوم وزوجته من أجل إحداث هذه التغييرات. طبعاً البعض ينظر لموضوع التغييرات أنها لصالح المدنيّين في السّاحة السّورية، وخاصّة مع وجود فساد كبير في الفصائل العسكريّة، الفساد الذي كان سبباً لنفور النّاس من عدد من الفصائل وتطالب بإصلاحات، وتقوم بالمقارنة بين المناطق الموجودة في إدلب والمناطق الموجودة في درع الفرات وغصن الزيتون وتجد أن الأمن موجود نسبيّاً في تلك المناطق أكثر. لذلك كان هناك بين المدنيين مطالبات بالتّغيير.  

هذا على المنظور القريب، ولكن على المنظور البعيد أكيد لا تزال هيئة تحرير الشام مصنّفة على قوائم الإرهاب، وتمدّدها في مناطق غصن الزّيتون ودرع الفرات سيسبّب إرباكاً لتركيا وللثورة السّورية؛ فبالنسبة لتركيا تقول بأن هناك منطقة آمنة وتريد أن تعيد اللاجئين، ولكن مع وجود هيئة تحرير الشام المصنّفة مع قوائم الإرهاب تحوّلت المناطق التي سمّيت مناطق آمنة إلى مناطق خفض التّصعيد، وأصبحت اليوم هذه المناطق معرّضة للاستهداف الدّوليّ بأي لحظة، حتى الرّوس يمكنهم قصف هذه المناطق بحجّة وجود هيئة تحرير الشام. لذلك على المستوى البعيد هذا الموضوع ليس لصالح الثورة السّورية، خاصّة أن هناك أيضاً اختلاف بين المشروعَين، مشروع هيئة تحرير الشام وهو مشروع إسلاميّ بمفاهيم محدّدة عندهم، لكن مشروع الثّورة السّورية هو مشروع وطنيّ، وطبعاً الإسلاميّون الموجودون بالثّورة السّورية، هم يطالبون بمشروع وطنيّ بمرجعيّة إسلاميّة على اعتبار أغلبيّة الشّعب مسلمون، فهناك اختلاف واضح بين المشروعَين، مشروع الهيئة ومشروع الثّورة السّورية. فعلى المستوى البعيد، الموضوع ليس لمصلحة الثورة السورية، وخاصّة أننا لم نشاهد تمدّداً لحركة هيئة تحرير الشام لمناطق النظام، بالعكس كان هناك تسليم لعدد من المناطق في ريف إدلب. فهذا الموضوع يتخوّف منه الكثير من أن تكون هناك صفقة تسويّة أو مصالحة مع النظام برعاية دوليّة، بغضّ النّظر عن كيفيّة المصالحة، لكن الثّوار السّورييّن يخافون من هذه التّسوية.

السؤال السادس: 

 بعد أن وصلت الهيئة إلى عفرين وبسطت سيطرتها في عمق النفوذ التركي في المنطقة فهل ستكون الحكومة التركية أمام استحقاقات دوليّة قد تكون نتائجها سلبيّة على تركيا عموماً؟؟؟

الجواب: بالنسبة لتركيا كما ذكرت، الهيئة ما زالت مصنّفة تحت قوائم الإرهاب، فهذا الموضوع قد يسبّب إرباكاً لتركيا خاصّة في غصن الزيتون ذات الأغلبيّة الكرديّة والذي تتوجّه الأنظار الدّوليّة عليها دائماً، لكن الآن وجدنا أنه هناك انسحاب للهيئة من منطقة غصن الزيتون، وطبعاً واضح من هذا الانسحاب أنّ هناك توجهاً بأن لا تصبغ المنطقة بهيئة تحرير الشام، لكن مع بقاء بعض الملفات بيد الهيئة وأيضاً أحرار الشام -والذي يعتبر موّال لهيئة تحرير الشام- الذي استلم هذه المقرّات. ولذلك فعلياً الآن هيئة تحرير الشام هي موجودة في كل المناطق المحرّرة كنفوذ وأمن، أما كوجود فعليّ باسم هيئة تحرير الشام فليست موجودة. 

اليوم لا بدّ للتّشكيلات الثّورية والتّشكيلات المدنيّة أن تلعب دوراً على الأرض ويظهر صوتها ويكون صوتها هو المرجِّح، وطبعاً نحن مع عدم الدّعوة لحمل السّلاح والاقتتال، لأنّ الاقتتال هو شرّ دائم ولا يوجد حلّ بالتغلّب وسفك الدّماء، وإنّه لا بدّ اليوم بأن تكون مطالب الثّوار والساحات واضحة وأن يكون لهم دور، وأن يعلوَ صوتهم على صوت السّلاح والرّصاص. فسفك الدّماء هو شرّ محض ولا يوجد فيه نفع للطّرفين والرّابح الأكبر من هذه القضيّة هو النّظام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top