العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية في سورية

العلاقة بين السّلطة التّشريعيّة والتّنفيذيّة في سورية

لا بُدّ لنا لفهم سبب الثّورة السّورية عام 2011 من إلقاء الضّوء على البُنية القانونيّة للدّولة، وفهم كيف نظّم الدّستور العلاقة بين السّلطات الثّلاث وكيف كانت فعلاً، حيثُ أنّ عدم سيادة القانون في سورية كان ولا شكّ أحد أسباب انطلاق الثّورة.

أناطَ الدّستور السّوري بمجلس الشّعب سلطة التّشريع، ويُعتبر هو صاحب الاختصاص حسب نصّ المادّة /55/ من دستور 2012، ولمواجهة حالات الضّرورة وعند الحاجة للتّشريع خارج دورات المجلس -حيث أنّه ينعقد بثلاث دوراتٍ سنوياً، مدّة كلّ دورة شهران- فقد أجاز الدّستور لرئيس الجمهوريّة الذي يمثّل رأس السّلطة التّنفيذية التّشريع، وتُسمّى التّشريعات التي يُصدرها مجلس الشّعب قوانين، وتشريعات رئيس الجمهوريّة مراسيم تشريعيّة، وتُعرض المراسيم التّشريعية التي يُصدرها الرّئيس على مجلس الشّعب عند انعقاده ليُقرّها أو يُعدّلها أو يُلغيها.

لكنّ الواقع العمليّ يُظهر أنّ رئيس الجمهوريّة يمارس سلطته في التّشريع بإفراطٍ دون أيّ اعتبارٍ للضّوابط الدّستورية، لدرجة أنّ المجلس بات مهمّشاً، ففي عام 2011 مثلاً أصدر رئيس الجمهوريّة 128 مرسوماً تشريعيّاً، مقابل 36 قانوناً أصدره مجلس الشّعب (78% مراسيم – 22% قوانين)، وللمفارقة فإنّ معظم هذه المراسيم تضمّنت تشريعات يمكن لها انتظار انعقاد المجلس، مثل قانون الشّركات وتعديل قانون التملّك في المناطق الحدوديّة، ومنها ما تمّ إصداره أثناء انعقاد المجلس ولكن لم يكن إصداره يستدعي أيّ ضرورة قصوى تتعلّق بمصالح البلاد العليا، مثل قانون إحداث المركز الوطنيّ للفنون البصريّة، مما ينفي أيّ مسوّغ مقبول لتجاوز دور مجلس الشّعب صاحب السّلطة الأصليّ في التّشريع وفق الدّستور.

وحتى لا َ أحدٌ أن هذه السّياسة كانت خاصّة بعام 2011 الذي قامت فيه الثّورة السّورية، فإنّ الإحصائيات تشير إلى أنّه بين عامي 2003 و 2010 تمّ إصدار 373 قانوناً من مجلس الشّعب، مقابل 539 مرسوماً تشريعياً من رئيس الجمهورية (59% مراسيم – 41% قوانين)، ومن الجدير ذكره بأنّ وظيفة مجلس الشّعب في إصدار القوانين لا تتعدّى الموافقة على المشاريع المُحالة له من قِبل مجلس الوزراء، بدون مناقشة مضمونها.

إضافةً لذلك يظهر الاستقراء أنّ الرّئيس يحتكر سلطة إصدار العفو العامّ، فلم يحدث منذ عام 1973 وحتى تاريخه أن أصدر مجلس الشّعب عفواً عاماً، سوى مرتين عام 2000 وعام 2002، على الرّغم من أنّ هذا الاختصاص منصوصٌ عليه صراحةً لمجلس الشّعب.

إنّ أسباب التّعدي على وظيفة مجلس الشّعب وتهميش دوره غير مفهومة خاصّة وأنّ المجلس يتمّ تعيينه من خلال انتخابات شكليّة، لكن الملاحظة التي لا يُمكن تجاهلها هي أنّه رغم أن النّظام وضع الدّستور السّوريّ الحاليّ على مقاسه تماماً إلا أنّه لم يحترم نصوصه، وإذا كان هذا مصير الدّستور الذي وضعه النّظام بشكل منفرد وعلى مزاجه، فكيف لو كان هذا الدّستور نتاج عمليّة سياسيّة مع المعارضة؟ وهنا نشير إلى أنّ الحلّ ليس بالاتّفاق على دستور جديد فقط، وإنما باحترام الدّستور، وإعلاء مبدأ سيادة القانون.
الأستاذ حازم زهور عدي.
مركز مقاربات للتنمية السياسية

1 فكرة عن “<strong>العلاقة بين السّلطة التّشريعيّة والتّنفيذيّة في سورية</strong>”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top