تشتّت جهود العاملين للإسلام (دُعاة وعلماء وتنظيمات)

محمد أحمد سعيد أبو هربيد – غزة

إنّ اجتماع المسلمين وتعاونهم فيما بينهم، بل وتعاونهم مع غيرهم على كلّ ما من شأنه إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه، مقصد عظيم من مقاصد الشّريعة الذي تقتضيه أصولها وتدعو إليه.

وقد أمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم بالتّعاون وحذّر من التّقاتل والتّنازع؛ لما في التّعاون من تحقّق القوّة والحماية، ولما في التّنازع من ضياع الجهد، وتمزّق الصّف. وقد دلّ على هذا العديد من الأدلّة منها: 

  1. قال الله تعالى: ” وتعاونوا على البِرِّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعُدوان واتّقوا الله إنّ الله شديد العقاب”.
  2. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النّبي صلّى الله عليه وسلم قال: “إنّ المؤمن للمؤمن كالبُنيان، يشدّ بعضه بعضاً، وشبّك أصابعه”.

وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على توحيد جهود العاملين للإسلام، وعلى وحدة القيادة، ووحدة المرجعيّة، وعلّم أصحابه رضي الله عنهم أُسُس الفهم؛ ليصدروا عن أساس واحد، وإن تنوّعت آراؤهم فقلوبهم متّحدة، وغايتهم واحدة في إحقاق الحقّ، وإقامة شرع الله تعالى في الأرض، والقضاء على كل عقبة تقف في هذا الطّريق.

وقد حرص الصّحابة رضوان الله عليهم على وحدة الصّف، حتى ضحّوا في سبيل ذلك ببعض السّنن، ومن ذلك أنّ عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كان يخالف عثمان بن عفّان رضي الله عنه في مسألة إتمام الصّلاة في الحجّ، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يُتمّها، لكنّ ابن مسعود رضي الله عنه ترك اتّباع هذه السّنة؛ لتحقيق مقصد الوحدة ، ونبذ الفرقة، مجيباً من قال له: عِبت على عثمان ثم صلّيت أربعاً! ، بقوله :” الخلاف شرّ”.

يعدّ تشتّت جهود العاملين للإسلام من المعوّقات الدّاخلية لتطبيق الشّريعة الإسلامية والتي يجب العمل على علاجها. وفيما يلي أذكر بعضاً من مخاطر تشتّت جهود العاملين للإسلام الكثيرة:

  1. إهمال تطبيق الشّريعة على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، بل وإعاقة ذلك قصداً أو جهلاً.
  2. الوقوع في التعصّب المذموم، وانشغال العاملين للإسلام بنصرة آرائهم وأفكارهم.
  3. إشغال المسلمين عن بناء الأمّة، والارتقاء في سلّم الحضارة.
  4. تمزّق صفّ المسلمين، وجعل بأسهم بينهم شديداً، ووقوعهم في المراء والجدل المذمومَين، وفقدهم الثقة ببعضهم.
  5. ظهور المسلمين أمام غير المسلمين بمظهر يزهدهم فيهم وفي دينهم.
  6. ترك السّاحة لأعداء الأمّة، يُعمِلون فيها أسلحتهم المادّية والمعنوية.

ولعلّ من أهمّ أسباب هذا التشتّت هو سوء الفهم، والتطبيق، والعرض للإسلام.

وفي اعتقادي أنّ توحيد العمل لدى العاملين للإسلام هو أمر واجب، ويزداد الوجوب فيه في زماننا مع الهجمة الشّرسة التي لم تُسبق بهذه الكيفية على مدى التّاريخ الإسلامي.

وإنّ من أهمّ القضايا التي تُعين على توحيد جهود العاملين للإسلام ما يأتي: 

  1. وضوح الرّؤية، ووحدة الهدف، مع إخلاص النّية لله تعالى.
  2. نبذ التّعصب العنصريّ.
  3. إدراك حجم المسؤوليّة والذي يوجب على العاملين للإسلام أن يعملوا على: 
  1. تأصيل أُسُس الدّين في نفوس الناس، وهي التي قرّر الله أحكامها ولم يقع فيها خلاف بين العلماء.
  2. عدم الإغراق في الفرعيّات والجزئيّات التي لم يحسم الله أمرها، وترك باب تنوّع الآراء فيها مفتوحاً؛ حتى يأخذ كلٌّ بما يتناسب مع ظرفه أو زمنه، فالفتوى تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان والأحوال والأشخاص والعادات والنيات، وهو ما يتوافق مع القاعدة القائلة: ” نتعاون فيما اتّفقنا عليه، ويعذر بعضُنا بعضاً فيما اختلفنا فيه”.
  1. إيجاد غرف مشتركة للعاملين للنّقاش والحوار؛ لإظهار الإسلام بصورة حضارية تليق به؛ كونه دين الله تعالى، ويتمّ التّنازل عن بعض الاجتهادات الشّخصية التي لا تعود على الأمّة بالخير، ويُعمل برأي الأغلبية من أهل العلم حال عدم وجود دليل في المسألة.
  2. التوافق على من يحقّ له إفتاء الناس، والتّصدر لتعليمهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، ” فإنّه لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا رفيقٌ فيما يأمر به، رفيقٌ فيما ينهى عنه، حليمٌ فيما يأمر به، حليمٌ فيما ينهى عنه، فقيهٌ فيما يأمر به، فقيهٌ فيما ينهى عنه”.

هنالك أسباب ثلاثة بقدر توافرها في العاملين للإسلام وقوّتها يكون الاتّفاق والتعاون، وبقدر ضعفها يكون الاختلاف والتّنافر: 

  1. ائتلاف القلوب، الذي سيشكّل رابطة قلبيّة تُوجد الثقة والتعاون بين العاملين.
  2. العلم بتفاصيل الأعمال الصّالحة، التي هي تعبير عن تلك الأخوّة ودعم لها.
  3. التّنظيم الاجتماعي الذي تقتضيه تلك الأخوّة الإيمانيّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top