نظرياً، تقوم السلطة التنفيذية بتنفيذ سياساتها وفق القوانين التي يصدرها مجلس الشعب. ولكن قد يشوب هذا التنفيذ تجاوز فيقوم القضاء بتقويمه وردّه إلى حدّه القانوني. ولكن في الواقع العملي كان الأمر مختلفاً، فلم يمتلك القضاء تلك القوة. ولم يستطع لعب الدور المنتظَر منه، بل كان تحت هيمنة السّلطة التنفيذية، وقد مرّت هذه الهيمنة بمرحلتين:
المرحلة الأولى السلطة القضائية
من 1963-2000: ككلّ الأنظمة الشمولية سعى النظام السوري لإحكام قبضته على سورية ومؤسساتها منذ تولّيه الحكم. ولم يكن مناسباً له بقاء المؤسسة القضائية حرّة ومستقلة، فسعى لإخراج الأدوار التي تعنيه من رقابة القضاء إلى مساحات أخرى. فصدرت القوانين بتشكيل عدد كبير من اللجان المختلطة التي تتكون من أغلبية من موظّفي السلطة التنفيذية وأقلّية من القضاة. منها على سبيل المثال: اللجان التي تتشكّل بموجب قانون الاستملاك. واللجان التي نصّ على تشكيلها قانون تنظيم وعمران المدن. وأيضاً لجنة إزالة الشيوع. ولجنة تحكيم العمل الزراعي، وهي لجان، وهذه اللجان جميعها ذات ولاية قضائية كاملة للفصل في المنازعات ضمن اختصاصها.
وما يميّز هذه المرحلة هو أن السلطة القضائية بقيت لحدٍّ ما بعيدة عن التأثير المباشر للسلطة التنفيذية. بل كان يتمّ السيطرة عليها من خلال قوانين صادرة عن مجلس الشعب. ومن الغنيّ عن الذكر أن مشروعية هذه القوانين موضع نقاش كون المجلس غير منتخب أصلاً.
أقرأ أيضا: إيران ضد سوريا ودول عربية أخرى – التوسع الإيراني في الوطن العربي
المرحلة الثانية السلطة التنفيذية
من عام 2000 وحتى تاريخه: بعد عام 2000 بدأت السلطة التنفيذية بتوسيع صلاحياتها بشكل غير مسبوق. فلم تكتفي بما تمّ في المرحلة الأولى من سحب بعض المسائل من ولاية القضاء. بل أخذت توجه القضاء في المسائل التي هي ضمن ولايته القانونية.
فمثلاً أظهرت الموجة العالمية لمكافحة المساكن العشوائية حول المدن فرصاً استثمارية ضخمة. فتمّ تفصيل القوانين على مقاس أذرع النظام الاقتصادية للسيطرة على هذه المناطق، فمن ناحيةٍ تمّ إصدار قوانين التطوير العقاري وإعمار مناطق السّكن العشوائي. ومن ناحيةٍ أخرى تمّ التضيق على مناطق السّكن العشوائي ومكافحة مخالفات البناء. لدرجة أنه أصبح يحقّ للسلطة الإدارية هدم البناء المخالف فوراً وبدون حكم قضائي، وفي بعض الأحيان كان يتمّ هدم البناء على رؤوس ساكنيه. ومن الممارسات التي قامت بها السّلطة التنفيذية في هذا السياق هي الضغط على القضاء لاحترام نظام ضابطة البناء الذي تضعه السلطة التنفيذية
ونجحت تلك الضغوط حتى استقرّ اجتهاد محكمة النقض على أن “نظام ضابطة البناء من النظام العام لأنه يتعلق بتجميل المدينة”، وبالتأكيد فهذا الكلام في غير محلّه، فالنظام العام هو المسائل التي تتعلق بنظام المجتمع الأعلى، سواء كانت هذه المسائل سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وغنيّ عن الذكر أن تجميل المدن في بلد يعاني من أزمة سكن خانقة ليس من ضمن هذه المسائل.
تكرّر مثل هذا النمط من السيطرة على القضاء في عدة مسائل، منها تعاملات شركات التأمين الخاصة، والمصارف الخاصة، وشركات التطوير العقاري الخاصة، وفي هذا النمط كان القضاء خاضعاً بشكل مباشر للسلطة التنفيذية بدل من أن يكون رقيباً عليها.
لولا أن المقام لا يتّسع لسردت الكثير عن انتهاكات السلطة التنفيذية لاستقلال القضاء، لكن لا بدّ قبل الختام من الإشارة إلى أن أيّ حل سياسي في سورية لا يراعي تمكين السلطة القضائية من القيام بدورها في حماية الحقوق والحريات هو حلّ محكوم عليه بالفشل، لأن عجز القضاء عن أداء دوره كان أحد أسباب اندلاع الثورة السورية.
الأستاذ حازم زهور عدي
مقال رائع في تسليط الضوء على انتهاكات السلطة التنفيذية وتعديها على اختصاص السلطة القضائية