لا يخفى على أحد بَعُدَت نظرتهُ أو قَصُرت و ارتقى تفكيرهُ أو تدنّى . أن التعليم والطب مهنٌ مرتبطة ارتباطاً وثيقاً و متلائمة من حيث أداؤها و صيرورة عملها مع نُبلِ مقصدها ومع مؤدّى الفضيلة التي تنتج عنها.
إذ إن الغاية الأسمى للطب هي المحافظة على النوع الإنساني سليماً ومُعافى من الأمراض والآلام و بأفضل حالةٍ صحية ممكنة. و كذلك فإن الغاية الأسمى للتعليم هي محاولة الارتقاء بالإنسان. معرفياً وعلمياً وذلك ليصل هذا الإنسان لمرتبة المتعلم الفاعل في مجتمعه والمؤثر فيه والباني لحضارته مادياً و معنوياً .
لكن هذا الإنسانَ ذاته سواء في ميدان الطب أو ميدان التعليم قد يقعُ في فخ لا يليقُ بسمو طريقه كمنقذ لحياة البشر أحياناً ومربٍ للإنسانية وصانعٍ لقيمها أحياناً أخرى. وذلك من خلال النظر إلى الإنسان على أنه سلعة سواء كان على سرير مشفى أو مقعد دراسة.
جندياً في معركة التصدي للجهل
وهنا سأعرض في حديثي للإنسان الثاني. الإنسان الذي قرر أن يكون جندياً في معركة التصدي للجهل و بنّاءً في مشروع البناء الإنساني
فالتعليم هو ميدان صناعة الإنسان مُجتمعياً وسُلوكياً ومعرفياً وأخلاقياً , فكيف إذاً سيكون الراعي والمسؤول عن صرحٍ من صروح هذا البناء ؟
من بديهيات الأمور التي يجب أن يعرفها و يُحيطَ بها الرائد في هذا الميدان والمنشغل به. أن التركيز على الربحِ المادي أو الجشع بكافة صوره هي أمورٌ أبعد ما تكون عن طُهرِ هذه الرسالة. فهامشُ الربحِ إذا شكّل هاجساً لأصحاب المشاريع التعليمية. فإن رسالتهم لن تكون قد سلِمت من ملوثاتٍ سلبية عكّرت صفوها و طُهرها معاً . .
سعادةُ أرباب التعليم – بفرعه الخاص على نحو مقصود -. إن لم تتعلق بمستوى ارتقاء الإنسان الذي يشتغلون عليه وبسُلم تطور هذا الإنسان سواءً طفلاً كان أو يافعاً، كما إن لم تتعلق سعادتهم و نشوتهم بهذا المسار فيجب عليهم أن يُراجعوا معاييرَ قيمهم والقاعدة التي انطلقوا منها في بناء مشروعهم التعليمي .
إن تشوّق الأب أو الأم لأن يرى كل واحدٍ منهما ابنه في أعلى درجات العلم هو شوق لا حد له ولا نهاية. و لكن هذا الشوق قد يقف بطريقه حاجز ( ربط حق التعلم بالقدرة المالية لأسرة المتعلم ). فهنا تسقطُ راية القيم التي تحدثنا عنها آنفاً من يد من يضعُ هذا الحاجز في طريق المتعلم و أسرته . .
مع أننا نعلمُ أن تقديم المادة العلمية اليوم بأساليب عصرية و متطورة و نموذجية بات يحتاجُ لتكلفةٍ مادية متناسبة مع جودة هذه المادة العلمية المُقدمة. و أيضا لا ننسى المُدرّس أو المُدرّسة – الأم – التي تتغيب عن أسرتها وبيتها في سبيل تحسين الإعالة المادية لعائلتها. فهؤلاء من حقهم أن ينالوا البدل المادي الذي يستحقونه وذلك عِوضَاً عن وقتهم وجهدهم الذي ينفقونه في هذا الاتجاه. ولكن ومع كل ما ذُكر فينبغي أن لا تُتخذَ هذه العللُ سبباً لرفعِ هامشِ الربحية لسقفٍ خيالي مُبالغ فيه ولا يصل إليهِ معظم أرباب الأسر في الوسط المقترن .
المشاريع التعليمية
من وجهة نظري فإنه يجب أن يُنظرَ إلى المشاريع التعليمية الخاصة أو العامة على أنها مشاريع خدمية وتنموية بالدرجة الأولى. ثم تأتي مسألة الربحية مهما كان هامشها بالنسبة للمشاريع الخاصة في الدرجة الثانية والثالثة.
أقرأ أيضا: التعليم الأساسي في الشّمال السّوري تحدّيات ومعوّقات
وإنني أكاد أجزم بعد عدة مُشاهدات ومعاينات لواقع الحال أننا لا نستطيع تقديم خدمة علمية نابعة من ضمير حيّ. ما لم يتراجع هاجس التحصيل المادي للخلف. مع تقديم أولوية النهوض بالأدمغة والعقول التي أودعها الله أمانات بين أيدينا . .إلى أولى أولوياتنا
إن العلمَ من أسمى مقاصد البشرية. وإن رجالهُ المنشغلين به وفيه يجب أن يضبطوا أنفسهم ومقاصدهم بما يتواءم ويتلاءم مع سموّ هذا المقصد تعاطياً و عطاءً لأن العلم في جوهره هو عطاءٌ إنسانيٌّ قبلَ أن يكون عطاءً ببدلٍ مادي ، والله الموفق
محمود عمر دياب – سوريا