العصبية القبلية أسبابها وآثارها وعلاجها

العصبية القبلية أسبابها وآثارها وعلاجها

إن الله سبحانه قسّم الأنساب والمراتب بين الناس، كما قسم أرزاقهم وأخلاقهم، ولا حرج على المسلم أن يعتني بنسبه، ويعرف مكانة عائلته وعشيرته في حدود الشرع ولم يترتب على ذلك مفسدة أو ظلم، أو تعدي على أحد.

لكن التعدي على المسلمين وازدرائهم وبغضهم بوجه من الوجوه هو الرزية في ذلك.

وقد ذم الإسلام التعصب ونهى عنه؛ سواء كان التعصب لشخص أو قبيلة أو مال أو جاه، بل ونسب الإسلام العصبية إلى الجاهلية، ووصفها بالنتنة تقبيحاً لها وتنفيراً منها.

والتعصّب قد يكون محموداً إذا كان الاجتماع على الخير والبرّ، وقد يكون مذموماً إذا كان على الإثم والشرّ وغمط الناس حقوقهم.

ومن باب التعصب أيضاً الحميّة: وهي إما أن تكون؛ حميّة لنصرة الحق ودفع الباطل، وإما أن تكون لغير ذلك؛ فتكون من الحمية الجاهلية.

العصبية في اللغة مشتقة من العصب، يعصبه عصباً: أي طواه ولواه.

والتعصب: المحاماة والمدافعة.

والعصبية هي النُعرة على ذوي القربى أن ينالهم ضيم.

وقالوا بأنها رابطة الدم أو تكاتف اجتماعي أو تضامن قَبَلي، وكل تلك المعاني تدور حول معنيين (الاجتماع والنصرة).

وكل تعاريفها لا تخرج عن كونها بهذين المعنيين.

القبلية: هي نسبة إلى القبيلة والقبيلة هي ناس من أب واحد.

للتعصب عدة أشكال منها:

أ-التعصب العنصري: 

هو عبارة عن معتقدات تؤكد على تفوق عنصر معين على عناصر أخرى -بغض النظر عن صحة هذه المعتقدات- وينتج عنها مشاعر الكراهية ضد الآخرين؛ وكان هذا حال النازية والفاشية

ب-التمركز العرقي: 

إن مفهوم التمركز العرقي هو ذلك الحكم والسلوك الذي على أساسه ينظر الفرد أو الجماعة إلى ثقافته أو قومه على أنّهم أفضل الثقافات والقوميات الأخرى؛ وهو يرى ثقافته المعيار الأنسب لتقييم الثقافات الأخرى.

ومن عجائب العصبية: أنّ أسباب حروبها وبواعثها قد تكون تافهة للغاية، فإن بعضها يحدث نتيجة لعلّة تكمن خلفها القبائل والعشائر بسبب التركيبة الاجتماعية الخاصة لديها، وهي تلك الروح التي تلازم القبيلة وتشد رباطها من أجل مقاومة الغير، والعصبية القبلية انتشرت بسببها البغضاء ومنها انبعثت الأحقاد، ولأجلها رفعت شعارات واستغلها الأعداء أبشع استغلال.

ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذرنا منها، إلا أننا نجدها مترسّخة في المجتمعات الإسلامية.

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منّا من قاتل على عصبية، وليس منّا من مات على عصبية”.

ولعل من أسباب انهيار الدولة الأموية التعصب بين القيسية واليمانية والتنافس بينهما؛ مما أدى إلى التنافس بين أجنحتها وانهيارها في نهاية الأمر.

العصبية والإسلام:

انطلاقاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنّما بعثت لأتمم صالح الأخلاق”.

ومنها-أي الأخلاق- ما كان مذموماً فأبطله الإسلام أو صحح فهمه فأصبح بعدها محموداً.

وبما أن العصبية الجاهلية كانت بمثابة الأساس للأعراف القبلية السائدة آنذاك وكانت في الوقت نفسه من أسباب الفرقة والتقاتل بين الناس؛ لذا فقد ركز الرسول صلى الله عليه وسلم عليها وحاربها بكل قوة ودون هوادة وحذر منها وسدّ منافذها؛ لأنّه لا بقاء للدين العالمي ولا بقاء للأمة الواحدة مع هذه العصبيات، ومصادر الشريعة الإسلامية ذاخرة بإنكارها وتشنيعها وما أكثر النصوص في ذلك.

وقد قررت الشريعة أنّه لا عصبية في الإسلام؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم “إنّ الله أذهب عنكم عُبِّيّة الجاهلية وفخرها بالآباء إنّما هو مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ، الناس كلهم بنوا آدم وآدم خلق من تراب”.

كما قررت الشريعة المساواة بين الناس فأساس التفاضل التقوى والعمل الصالح قال تعالى (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم).

وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم “لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلّا بالتقوى”.

ويبدو أننا كمجتمع سوري يتعصب بعضنا على بعض من أكبر تقسيم جغرافي إلى أن نصل إلى الحيّ والحارة، فكلٌ من ابن المدينة والريف وابن حلب وابن دمشق وابن المنطقة الشرقية يظنّ كلُّ منهم أنّه أفضل من الآخر، الأمر الذي يشكل أمراضاً اجتماعية تفتك بالمجتمع.

وزادت هذه الظاهرة مع الثورة السورية واشتداد أوزار الحرب بين الثوار والنظام فنشأت صورة جديدة من صور التعصب؛ هذا ابن المنطقة وهذا لاجئ، تماماً كما حدث عندما احتل الكيان الصهيوني الجولان والقنيطرة، فكل من قدِم من تلك المناطق أطلقوا عليه في الشام اسم نازح، وكأنه وصمة عار.

يعني حقيقة إذا غصنا داخل المجتمع سنجد أمراضاً مزمنة تحتاج إلى عقود طويلة من العمل الجاد والمهني حتى يستوي هذا المجتمع على عروشه.

أسباب العصبية القبلية:

هناك الكثير من الأسباب التي يمكننا ذكرها في أسباب العصبية لكن بعضها قد يكون خاصّاً بفئة معينة أو شريحة خاصة.

1-التصورات النمطية ونقصد بها:

التصورات والأحكام المسبقة والمقَولبة لفئة معينة باتجاه فئة أخرى، وممكن أن تكون هذه التصورات عرقية أو دينية أو مذهبية يتغذى منها الفرد المتعصِب من خلال تنشئته عليها.

2-العامل الثقافي: وأقصد به تلك التربية التي ساهمت في تنشئة المتعصبين على مفاهيم محددة لكي يتصفوا بها من خلال إكسابهم المعلومات والحقائق من والديهم أو أسرهم أو محيطهم الاجتماعي؛ فتتعزز لديهم العصبية وتصبح عندهم من المسلمات التي لا تقبل النقاش كقيمة يتغذى منها المجتمع ويستمدّ منها وجوده وجذوره.

3-المحيط الاجتماعي: وأقصد به الحاضنة الاجتماعية والمنتِجة للتعصب والتي تساعد في دوام الظاهرة واستمراريتها؛ فالعصبية بدون حاضنة اجتماعية لا تدوم.

4-طبيعة النفس البشرية الميل للعصبية:

وعندما نقول أنها طبيعة في النفس البشرية لا نقرر أنها صفة حسنة إنما يجب تهذيبها وكسر جماحها والحدّ من آثارها على الفرد والمجتمع.

5-الجهل: 

وهو من أسباب العصبية القبلية وهو أساس الانحرافات والمعاصي؛ ولذلك فإن اقتران العصبية القبلية بالجهل كافٍ لنبذها وكره الناس لها، ولكنها لا تزال فيهم، وإنّ من أهم أسباب تفرق الأمة وانتشار التعصب فيها هو جهلها وبُعدها عن منبعها الصافي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

6-التقليد الأعمى:

ومن أهمّ الأسباب التي دعت للوقوع في العصبية القبلية؛ الاحتجاج بما يفعله الآباء والأجداد، قال تعالى (بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مهتدون)

نتائج العصبية القبلية والآثار المترتبة عليها:

هناك الكثير من الآثار التي تحدث نتيجة التعصب القبلي والمناطقي سواء على الفرد أو على المجتمع، ومن هذه الآثار:

التناحر والفرقة بين أفراد المجتمع الأمر الذي يصل إلى سفك الدماء وتفرقة القلوب.

وكذلك يترتب على انتشارها انتشار الفتنة والنعرات بين أفراد المجتمع ووقوع الكثير من المشاكل والمشاحنات التي يستجيب لها ضعاف العقول والبصائر.

انتشار التعصب يضعف الأمة الإسلامية بالرغم من ضعفها؛ كما يجعل الأفراد يبتعدون عن القضايا الكبرى للأمة ويهتمون بسفاسف الأمور وينشغلون عن الأخطار الحقيقية المحدقة بالأمة الإسلامية.

علاج العصبية القبلية والمناطقية:

إنّ علاج العصبية القبلية ليس بالأمر السهل؛ فلا يمكن علاجها في يوم وليلة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مع ملازمته لذمّها والتحذير منها فترة نبوته ووجوده بين أصحابه كانت العصبية تجد طريقها إلى النفوس.

فعِلاج العصبية صعب ويحتاج إلى مدّة طويلة وجهود كبيرة والتزام في تطبيق بنود العلاج حتى نصل إلى نتيجة ملموسة … وهناك خطوات لتقليل سطوة العصبية في نفوس أصحابها.

هذه الخطوات هي:

1-التذكير بأصل الإنسان وأنّ الكل متساوون عند الله، وميزان التفاضل هو التقوى “كلكم لآدم وآدم من تراب”.

2-فإذا عرف الإنسان أن ميزان التفاضل هو التقوى كان حريّاً به أن يترك التعصب بكل أشكاله، ومن بطُأ به عمله لم يسرع به نسبه.

3-الاستمرار في ذم العصبية والتحذير منها وبيان عَوَارِها ونتائجها الكارثية على الأمم والشعوب.

4-التحاكم إلى شرع الله بكل حياتنا وشؤوننا والرضا والتسليم المطلق لشرع الله ورفض كل أشكال الأعراف والتقاليد التي تخالف الشريعة حتى نسدّ الباب على كل دعاوى العصبية والتعصب.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به” وكفى بهذا الحديث ذمّاً للتعصب والعصبية.

إن التآخي في الإسلام يفوق جميع الروابط الإنسانية الأخرى، وبالرغم من وجود بعض مظاهر التعصب القبلي في المجتمع الإسلامي، إلا أنّ ذلك لا يعني أن التعصب هو أمر مقبول أو مرحّب به.

واذا استطعنا استثمار تجارب الماضي، وفهم الحاضر بكل معطياته؛ فإن هذا  سيكون عوناً لنا لننفتح على آفاق المستقبل.
أ. محمد هلال الصغير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top