كيف أثرت الحرب على البيئة في سوريا؟

كيف أثرت الحرب على البيئة في سوريا؟

بالرغم من غياب البيانات الرسمية والدراسات العلمية التي يمكن الاستناد إليها لتقدير أثر الحرب على البيئة في سوريا، إلا بعض الخبراء يشيرون إلى أنها تركت آثاراً كارثية على النظام البيئي في مختلف أنحاء البلاد بسبب استخدام العديد من أنواع الأسلحة المدمرة والغازات السامة بما فيها الأسلحة الكيميائية، وهو ما عبر أعلنه صراحة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في تموز/يوليو 2021 بقوله إن “الجيش الروسي قام بتجربة أكثر من 320 نوع سلاح مختلف خلال عملياته في سوريا”. من ناحية أخرى عملت العديد من الجهات الغربية خلال السنوات الماضية على تتبع استخدام أنواع معينة من الأسلحة في سوريا خاصة الأسلحة الكيميائية، إلا أن اهتمام هذه الجهات كان نابعاً من ضرورة توثيق استخدام هذه الأسلحة بالدرجة الأولى دون الاهتمام بالآثار التي رتبتها على النظام البيئي وما إذا كان استخدامها يشكل جريمة ضد البيئة إلى جانب كونها جريمة حرب.

وعلى الرغم من أن الإبادة البيئية (Ecocide) لم تدرج حتى الآن كجريمة دولية من قبل الأمم المتحدة خاصة خلال الحروب إلا أن التسبب في ضرر واسع النطاق أو تدمير النظم البيئية أو إلحاق الضرر بصحة وسلامة الأنواع بما فيها البشر يعتبر انتهاكاً لمبادئ العدالة البيئية. خلال السنوات الماضية جرت العديد من المحاولات الدولية لتضمين هذه الجريمة في ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية واعتماد تعريف موحد لهذه الجريمة إلا أنه حتى الآن لا يوجد تطور ملحوظ في هذا الشأن، وورد الإضرار بالبيئة باعتباره جريمة حرب بشكل عرضي في المادة الثامنة من نظام روما الأساسي عندما يتعلق الأمر بــ” شن هجوم متعمد مع العلم أن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح ….. وإحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية”. ومن الجهود التي يمكن الإشارة إليها في هذا الصدد ما قامت به المحامية الأسكتلندية بولي هيغينز المهتمة بقضايا البيئة لتوضيح مفهوم “الإبادة البيئية” واعتبارها جريمة بموجب القانون الدولي. حيث اقترحت إلى لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة الاعتراف بالإبادة البيئية باعتبارها خامس جريمة ضد السلام، إلى جانب الإبادة الجماعية وجرائم العدوان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، إلا أن جميع المحاولات لم تفضٍ إلى نتائج ملموسة حتى الآن.

تهدف هذه المقالة إلى لفت الأنظار إلى بعض الأضرار التي تسببت بها الحرب على البيئة في سوريا خلال السنوات الماضية، وتحفيز المتخصصين والأكاديميين على إنجاز دراسات علمية استقصائية للآثار التي تركتها هذه الحرب على قطاعات معينة من البيئة مثل التربة والمياه والهواء والغابات والمحاصيل الزراعية، وتكثيف الجهود القانونية لمحاسبة الأشخاص المسؤولين عنها، وملاحظة التداعيات البيئية للحرب التي يمكن أن يكون لها آثار طويلة المدى على المنطقة وسكانها بما في ذلك التغير المناخي في سوريا.

أدت العمليات العسكرية والأمنية التي شنها النظام السوري وميليشياته إلى تدمير البنية التحتية والمباني في عدد من المدن ما دفع الملايين من السكان إلى النزوح وتجمعهم في البساتين والغابات هرباً من القصف، مما سبب ضغطاً على النظام البيئي المحيط، حيث أُزيلت الأشجار من أجل بناء مخيمات لهؤلاء النازحين الذين اضطروا إلى الاعتماد على الموارد الطبيعية وقطع الأشجار للحصول على التدفئة واستخدامها في الطبخ المنزلي بسبب فقدان الوقود، كما تسبب غياب شبكات الصرف الصحي في هذه المخيمات إلى موت آلاف الأشجار مما قد يكون له عواقب طويلة الأجل على البيئة والمجتمعات المحلية.

تراجع الإنتاج الزراعي: أثرت سياسة الأرض المحروقة والتهجير التي اتبعتها روسيا والنظام وبعض الميليشيات خلال سنوات الحرب بشكل كبير على البنية التحتية وتدمير الجسور والتربة والأشجار والمحاصيل الزراعية حيث شهدت مناطق كثيرة خاصة في الجزيرة السورية احراق مساحات واسعة من حقول القمح بشكل متعمد لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية. كما أدى استخدام الأسلحة الثقيلة والأجهزة المتفجرة والأسلحة الكيميائية إلى أضرار واسعة النطاق بالبيئة، بما في ذلك تدمير الغابات وغيرها من الموائل الطبيعية. إلى جانب انخفاض الإنتاجية الزراعية، حيث لم يتمكن العديد من المزارعين من الوصول إلى أراضيهم أو فقدوا محاصيلهم وماشيتهم.

تلوث الهواء وانتشار التلوث النفطي: بسبب التخريب والنهب الذي تعرضت له محطات الطاقة والآبار والحقول النفطية، إضافة إلى عدم استغلال هذه الحقول بشكل صحيح وفق المعايير الدولية المتبعة واستخدام المصافي البدائية لتكرير النفط الأمر الذي أدى إلى تلوث واسع في الهواء انعكس بشكل كبير في انتشار العديد من الأمراض الخطيرة مثل السرطان والأمراض التنفسية لدى سكان العديد من المناطق المحيطة، إضافة إلى التأثير على الحيوانات والزراعة فيها.

زراعة المخدرات: عمل النظام السوري والميليشيات التابعة له خاصة حزب الله على إقامة مزارع مخصصة لزراعة أنواع من المخدرات والحشيش في عدد من المناطق، إضافة إلى إقامة العديد من المعامل لتصنيع المخدرات خاصة أقراص الكبتاغون للاستفادة من عوائدها في تمويل حملاته العسكرية ومواجهة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها. من المهم ملاحظة أن العواقب البيئية لإنتاج المخدرات واستخدامها يمكن أن يكون لها تأثيرات طويلة المدى على النظم البيئية والمجتمعات، وقد يكون من الصعب معالجتها والتخفيف من حدتها.

تلوث التربة والمياه: كان للحرب أيضاً تأثير كبير على التربة وجودة المياه وتوافرها. فقد تضررت العديد من مرافق معالجة المياه أو دمرت، مما أدى إلى تلوث مصادر المياه بمياه الصرف الصحي وغيرها من الملوثات، وقد جعل ذلك من الصعب على كثير من الناس الحصول على المياه النظيفة، مما أدى إلى انتشار الكثير من الأمراض مثل الكوليرا واللشمانيا، لا سيما بين الأطفال وكبار السن، والتسبب بعواقب صحية خطيرة من الصعب على المجتمعات التعافي منها حتى بعد انتهاء الصراع.

فقدان البذور المحسنة: وانتشار الأعشاب الضارة في المحاصيل الزراعية بسبب غياب الرعاية وتوقف الخدمات الفنية التي كانت تقدم للمزارعين، وندرة المبيدات الحشرية الأمر الذي أثر بشكل كبير على فقدان سوريا للعديد من أصناف البذار التي كانت تمتاز بها خاصة القمح والقطن بسبب عمليات التدمير والنهب التي طالت المؤسسات التي كانت تطور هذه البذار، وترافق ذلك مع ترك الآلاف من المزارعين لأراضيهم بسبب ندرة الوقود وارتفاع أسعار المحروقات. وقد أدى ذلك إلى انعدام الأمن الغذائي وزيادة تكلفة الغذاء، مما قد يكون له عواقب وخيمة على صحة ورفاهية السكان المتضررين.

الصيد غير المشروع: للأسماك والحيوانات البرية بسبب انتشار الفوضى وغياب القانون وعدم وجود خطط لمكافحة الصيد الجائر، الأمر الذي أدى إلى قتل وتشريد عشرات الأنواع من الحيوانات البرية النادرة. يمكن أن يكون لهذا أيضاً عواقب طويلة الأجل على التنوع البيولوجي وعمل النظام الإيكولوجي في المناطق المتضررة.

تدمير المواقع الطبيعية والثقافية والتاريخية: حيث تضررت العديد من هذه المواقع والآثار بسبب العمليات العسكرية والنهب الذي تعرضت له وهو ما سينعكس على التراث الثقافي والسياحة وترك تأثيرات سلبية على البيئة بشكل عام، إضافة إلى العواقب الاقتصادية طويلة الأجل على المجتمعات المحلية، التي تعتمد غالباً على السياحة كمصدر للدخل.

الإضرار بالبيئة: تسبب استخدام الأسلحة الثقيلة والمتفجرات في إلحاق أضرار جسيمة بالبيئة، بما في ذلك تدمير الغابات وفقدان التنوع البيولوجي وانحسار الغطاء النباتي وزيادة التصحر والتعرض لموجات شديدة من العواصف الرملية في المناطق المتضررة، إضافة إلى انتشار النفايات الصلبة ومخلفات الأسلحة والألغام. 

من المهم أيضاً ملاحظة أن العواقب البيئية للحرب يمكن أن يكون لها آثار بعيدة المدى على المنطقة وسكانها. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي تدمير البنية التحتية والمباني إلى صعوبة حصول الناس على الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم والمياه النظيفة، مما قد يكون له عواقب وخيمة على صحتهم ورفاههم، إضافة إلى تدمير الموائل الطبيعية وفقدان التنوع البيولوجي. 

أخيراً، لا بد من وضع نهج شامل لمواجهة الآثار التي تسببت بها الحرب على البيئة، والضغط على الأطراف الفاعلة المحلية والدولية للاهتمام بالنظام البيئي في سوريا والحد من استنزاف الموارد الطبيعية والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة، وإزالة مخلفات الأسلحة والمتفجرات والألغام، ووضع خطط لحماية التنوع البيولوجي، وبرامج لمعالجة وإدارة النفايات والأنقاض شديدة الخطورة، وإصلاح شبكات الصرف الصحي ومحطات المياه، إضافة إلى اعتماد سياسات بيئية جديدة ضمن خطط ومشاريع إعادة الاعمار في المستقبل تتضمن اصلاح الأضرار التي لحقت بالبيئة ومحاسبة الأشخاص الذين تسببوا بها.
د. وسام الدين العكلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top