المشاكل البنيوية التي يثيرها الدستور في النظام القضائي السوري

المشاكل البنيوية التي يثيرها الدستور في النظام القضائي السوري

مقاصد التشريع القانوني

تعتبر الحالة السورية حالة متطرفة جداً من حيث تغول السلطة التنفيذية وسيطرتها على كل السلطات الأخرى، لكن في ظل هذه الحالة برزت عيوب بنيوية وثغرات ما كان يمكن لها أن تظهر في الحالات العادية، ومن هذه العيوب هي أن خضوع القضاة للقانون في حالة ضعف السلطة التشريعية قد يجعلهم يطبقون قوانين تجافي العدالة أحياناً.

نصت المادة 134 فقرة 1 من الدستور السوري “القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون” وهذا يعني أن القضاة ملزمون بتطبيق القانون، ومع أن تطبيق هذه المادة هو مطلب رجال القانون في الدول الحديثة، إلا أنه عندما توجد سلطة تشريعية تسن القوانين دون اعتبار مصالح المحكومين، بل وتسنها حتى لو كانت تضر بمصالحهم، تصبح مصالح المجتمع بيد سلطة رعناء، وهذا لا يجوز السكوت عنه باسم الحفاظ على الاختصاصات الدستورية.

نستطيع أن نضرب أمثلة على القوانين التي تم سنها لخدمة السلطة الحاكمة من قانون العقوبات، أو القوانين الاقتصادية، أو قانون أمن الدولة، لكن قد يقال بأن كل تلك القوانين مرتبطة بالحالة السياسية التي أوجدها النظام وبتغير النظام تتغير تلك القوانين، لذلك من الأفضل لإيصال الفكرة شرحها من خلال إلقاء الضوء على قانون العلاقات الإيجارية الذي وضع عام 1952 أي قبل مجيء البعث للحكم، ويقال بأنه تم سنه لحماية مصالح السياسيين الذين انتقلوا للسكن في دمشق في فترة ما بعد الاستقلال.

أدى هذا القانون إلى أنه ساد في سورية قوانين تحمي المستأجر من الإخلاء، وتمدد عقود الإيجار رغم إرادة المالك، وبذلك قسمت هذه القوانين حق الملكية بين المالك الذي يمارس ملكيته من خلال دعوى التخمين الهزيلة المردود، والمستأجر الذي أصبح له الحق في البقاء في العقار بل وبيعه إن كان تجارياً، كما أحدثت هذه القوانين أثاراً اجتماعياً كبيرة، وأدت لأزمة سكن إثر عزوف الملاك عن التأجير، وكان من الواضح تماماً أن هذه القوانين تخل بالتوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، كونها تؤدي لحرمان فعلي للمالكين من ملكياتهم، ولم يكن أمام القضاء إلا تطبيق هذه القوانين، وبذلك تحولت وظيفته من تحقيق العدل إلى نقيضه، من خلال القوانين التي تكرس حالة اختلال العدالة.

ربما لو كان هناك نص دستوري يجعل من وظيفة القضاة تطبيق القانون في ظل مقاصد التشريع، لأمكن للمحاكم التخفيف من إجحاف هذه القوانين، ومن البديهي أن أهم مقصد للتشريع هو تحقيق العدل، فإن ورد نص لا يحقق العدل فيصبح مناقضاً للمقاصد العامة للتشريع التي تصبح بنص الدستور أعلى درجة من القانون، فيصبح بمقدور القاضي الامتناع عن تطبيق القانون كونه يؤدي لمخالفة الدستور، ويمكن صياغة هذا النص الدستوري في أي دستور قادم كالتالي:

“في غير المسائل الجزائية تراقب محكمة النقض تحقيق الأحكام القضائية لمقاصد التشريع”

ومؤدى هذا النص –إن تم إقراره- هو أنه إذا أدى تطبيق نص القانون لصدور حكم مجاف للعدالة، فيتعين على القاضي الامتناع عن تطبيق النص، والحكم بما يحقق مقاصد التشريع التي تتغيا تحقيق العدالة، وهذا الحل لا يمس مبدأ فصل السلطات، بل هو حل له أصل في الاجتهاد القضائي السوري، الذي يلزم القاضي بالامتناع عن تطبيق النص القانوني المخالف للدستور، وعندما يصبح من وظائف القضاء مراعاة تحقيق مقاصد التشريع أثناء الحكم، فيتوجب على القاضي الامتناع عن تطبيق النص القانوني الذي يعيق تنفيذ هذه الوظيفة، ويبحث في المصادر الأخرى عن حل للقضية يحقق مقاصد التشريع.

ويمكن إناطة استخراج مقاصد التشريع بالهيئة العامة لمحكمة النقض من خلال استقراء الغايات التي بنى عليها التشريع، فمثلاً نستطيع القول بأن مقاصد التشريع المدني هي تحقيق التوازن في العلاقات التعاقدية وجبر الضرر، ومقاصده في مسائل الأحوال الشخصية الحفاظ على الأسرة وفي التشريع الجزائي معاقبة المجرم وردع المجتمع.

رغم أن هذا الحل يتطلب أيضاً وجود سلطة قضائية واعية وغير مسيسة، إلا أن ذلك أقل كلفة وأكثر واقعية من فكرة إصلاح السلطة التشريعية، الذي يحتاج لبناء طبقة سياسية وهذا يستغرق فترات طويلة وقد لا يأتي بنتيجة رغم ذلك.
أ. حازم زهور عدي

1 فكرة عن “<strong>المشاكل البنيوية التي يثيرها الدستور في النظام القضائي السوري</strong>”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top