الغياب عن الزمن لقاء مع د.  محمد الأحمري

إننا كشعوب عربية يجب علينا مراجعة بعض الأفكار والممارسات التي أضرّت بنا وغيّبتنا عن الزمان ومشاركة العالم لزمن طويل، فالإنسان ما لم يُنبّأ بأيِّ قضية فإنه لا يمكنه أن يتنبّه لها بنفسه، بل هو بحاجة لمن ينبهه بها دائماً، كالفقير الذي عاش في بيئة فقيرة لا يعرف أنه فقير إلا إذا نبهه أحد إما بالمقارنة أو بشرح حالة، والغافل أيضاً لا يشعر أنه غافل إلا إذا نُبّأ لغفلته، فالتنبيه هي مرحلة أخرى ناقلة للشخص من حالة الركود إلى حالة أخرى، وكلما اتّسعت نظرة الإنسان لما حوله استطاع أن يتنبأ لما يهمه أو لما يهم مجتمعه، فإذا بقي راضياً ففي الغالب تسيطر عليه الغفلة والعادة، ويخرج من الزمن ويخرج من التأثير المهم في عصره وفي زمنه. 

الوقت له حضور دائماً عند الإنسان، ولكنه يتعود فيتلبد، وما خروج الشمس كل يوم ثم غيابها إلا منبهات للإنسان تقول له ماذا فعلت في هذا الزمن الذي مضى؟ ثم يأتي بعد ذلك فصول السنة هي أيضا من وسائل التنبيه الكبيرة، ولذلك الذين يعيشون في مناطق يقل التغيير المناخي الموسمي فيها هم في الغالب من أكثر الناس غفلة عن الزمن، لأن التغيير في الحياة مرتبط في الغالب عند الذين يعيشون في مناخ متغير. 


ولذلك قال بعضهم إن الحضارة نمت بعد اختراع الساعة، إذ أصبح الإنسان يحسب الوقت ويتطور وينجز، فهو ما لم يشعر بالزمن فإنه لن يتطور ولن ينجز. والشعوب التي تسيطر عليها اللامبالاة هي الشعوب التي لا قيمة لها في مجرى التاريخ، بيمنا شعوب صغيرة متأثرة بالزمن ومنجزة فيه نجد تأثيرها كبيراً.

وعدم الاهتمام بالزمن أمر ملحوظ عند أغلب شعوبنا العربية، بينما نجد أن المجتمعات الغربية تولي للوقت أهمية كبيرة، ويربطون الزمن بالإنتاج، فيقول الأمريكي “الوقت مالٌ” (Time is Money). 

تلك كانت فقرات واقتباسات من لقاء عُقد في مركز مُقاربات للتنمية السياسية في مقرّه في اسطنبول في ديوانه الشهري، ديوان علي عزت بيجوفيتش، وهو ديوان ثقافيٌّ ذو بُعد سياسي يُعقد بين النُّخب السياسية للمفكرين والشباب المهتمّين، للحديث عن أهمية الزمن وعن غياب شعوبنا عن تقدم الحضارات. وذلك باستضافة الدكتور القدير محمد الأحمري، الكاتب والمفكر، الذي حصل على الماجستير والدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر لشمال أفريقيا والذي شغل منصب الرئيس السابق للتجمع الإسلامي لأمريكا الشمالية. 

بلقاء تحت عنوان “الغياب عن الزمن” وذلك في تاريخ 15/2/2023

وقد بدأ الضيف اللقاء بالحديث عن التفريق بين مفهومي الزمن والزمان، وكيف يكون الإنسان غافلاً ما لم يقم أحد بتنبيهه، وهكذا يقع على عاتق النخب السياسية تنبيه الإنسان لقضاياه المصيرية كي يستطيع بعد ذلك التنبؤ بنفسه. 

ومن ثَم تمّ التطرق لموضوع تطور الحضارات وغياب شعوبنا عنها، إذ إن هنالك مفكرين يرون أن الحضارات أحدثت طفرة بعد اختراع الساعة، حيث أنها بدأت تشعر بالوقت وتنجز أضعاف ما كانت تنجزه قبل اختراع الساعة، واليوم كيف تقوم الدول التي تولي أهمية للوقت بتصدّر الحضارة والمنتجات الثقافية لغيرها.  

وبعدها تعمّق الضيف بالحديث عمّا يتبع مفهوم الزمن والزمان وهو موضوع القطيعة والتواصل مع التراث، وأيضاً موضوع الهرب من الواقع بالغرق في الماضي في محاولة للهروب من الزمان. وختم الضيف حديثه بتناوله أسباب الانكماش الذي نقع فيه نتيجة غيابنا عن الزمان.

وفي القسم الثاني من اللقاء تمّ فتح الباب لمداخلات كوكبة من الحضور الناشط والمثقف الذي أغنى اللقاء بأسئلته ومداخلاته وتعقيباته، إذ امتدّ اللقاء قرابة الساعة والنصف. 

يولي مركز مُقاربات للتنمية السياسية جُلّ اهتمامه بفتح ساحات النقاش النخبوي، والحوار الوطني والمجتمعي، كون الحوار وتبادل الآراء هو منطلق الحضارة الواعية والرشيدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top