الحل السياسي في سوريا

قطار الحل السياسي في سوريا.. خطة مسير متغيرة ومسار بلا وجهة

تدخل الثورة السورية عامها الثاني عشر، تلك الثورة التي أثبتت للعالم أنها قادرة على التحدي والصمود في وجه أحد أشرس النظم الاستبدادية التي عرفها التاريخ وبدعم من دول عديدة سياسياً وعسكرياً، بالتوازي مع صمت دولي، وتخاذل، بل وتآمر على الشعب السوري.

المسار السياسي للثورة السورية

يصادف ديوان هذا الشهر ذكرى انطلاق شرارة الثورة السورية من مدينة درعا، ونظراً إلى أنه حين قام السوريون بثورتهم لم يكونوا يعوّلون على أحد، وأنه بالفعل أن الحل السياسي الذي ينشده السوريون هو الحل الذي يصنعونه بأيديهم لا الحل الذي تصنعه الدول الأخرى ـ إذ إنها يقيناً لن تصنع حلاً يتضارب مع مصالحها ـ ارتأى مركز مقاربات للتنمية السياسة أنه من الضرورة بمكان الحديث عن موضوع مهم، علّق كثير من السوريين آمالهم ومصيرهم على نتائجه، ألا وهو المسار السياسي للثورة السورية، من أين بدأ وإلى أين وصل، وما هي وجهته.

وضمن برنامج ديوان مقاربات الثقافي السياسي، ديوان علي عزت بيجوفيتش الذي يُعقد شهرياً في مقر مقاربات، قمنا بدعوة الدكتور القدير أحمد قربي، مُعدّ كتاب “قطار الحل السياسي في سوريا.. خطة مسير متغيرة ومسار بلا وجهة” الصادر عن مركز الحوار السوري، للحديث عن هذا الموضوع المهم الذي ارتبط مصير السوريين به لأكثر من عقد من الزمن.

تاريخ الحل السياسي في سوريا

حيث إنه ومنذ بدأت الثورة السورية عام 2011 تدّعي الدول في جميع تصريحاتها، أنه ليس هناك حل للقضية السورية إلا الحل السياسي.. فما هي مفردات هذا الحل؟ كيف بدأ؟ وأين هو الآن؟ وإلى أين سيصل بنا؟  وماذا تبقى لنا نحن كسوريين نستطيع فعله على الصعيد السياسي؟ علماً أن المسار السياسي خرج من أيدي السوريين بشكل شبه كامل منذ مدة طويلة، وتم وضعه بقوالب تتوافق مع مصالح الدول المشاركة أكثر مما تتوافق مع مصالح السويين. 

بدأ الدكتور حديثه بمحاولة لفهم تاريخ الحل السياسي في سوريا والتعريف به وتحليل أبرز مفرداته، بدءاً بالحديث عن الوثائق الـ 23 ـ وهي تقريباً جميعها لم يشارك السوريون في إعداداها ـ التي تولّد عنها بيان جنيف 1 والذي تضمن عدة نقاط كان أبرزها تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات. 

هذه الرؤيا التي بقيت مستمرة حتى عام 2015 حين جاء دي مستورا بفكرة مجموعة السلال الأربعة التي بها استُبدلت فكرة “هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات”، بجملة “تشكيل حكم غير طائفي”. 

التدخل الروسي والانكفاء الأمريكي

بعدها تم الحديث عن التغّير الذي طرأ بالمسار السياسي بعد التدخل الروسي في سوريا، والانكفاء الأمريكي عن الملف السوري، وهو إهمال ثلاث سلال من سلال دي مستورا وإصرار روسيا على الإبقاء على سلة الدستور والانتخابات (عديمة الجدوى)، وبذلك صار الحديث عن تغيير بالنصوص بدلاً من تغيير بالمؤسسات.

السياسات الأمريكية في سوريا

وانتقل بعد ذلك الضيف بالحديث عن التعاطي الروسي والتعاطي الأمريكي بالملف السوري، وذَكَرَ كيف أن سياسات الولايات المتحدة منذ بداية الثورة، هي عدم الرغبة في فرض حل سياسي للقضية السورية وكانت سياستهم تتلخص بـ:
1- محاربة داعش
2- عدم الاستقرار والتردد
3- تخفيف الأعباء عن المنطقة والتوجه نحو الشرق

السياسات الروسية في سوريا

أما السياسات الروسية فذكر الدكتور، حرص روسيا على عدم السماح للغرب بتكرار ما حدث في ليبيا، وكانت السمات الأساسية للسياسة الروسية في سوريا هي:
1- التفوق الميداني
2- وضوح الرؤيا
3- مركزية القرار الروسي

الحل السياسي في سوريا والتجارب التاريخية

وبعد استعرض الدكتور أهم التجارب التاريخية التي يمكننا الاستفادة منها نحن كسوريين. وهي التجربة الفلسطينية وتجربة البوسنة والهرسك في التعاطي مع التدخل الدولي في قضاياهم. فمثلا في تجربة البوسنة والهرسك كان فرض أي حل يتطلب وجود قوة أو توازن دولي، الأمر الغير متوفر في القضية السورية. وأما عن التجربة الفلسطينية فأبرز الدروس المستفادة كانت ذريعة الإرهاب التي تستعملها الدول ودوافع الانقسام، كعواقب الانقسام في منظمة التحرير الفلسطينية.

وبعدها تحدث د. أحمد عن التغيّر الذي حصل في تصريحات الدول في السنوات الأخيرة حول الملف السوري، وبذلك تم تغييب ملف العدالة الانتقالية، وكيف أصبحت التصريحات بعد ذلك تتحدث عن تغيير سلوك النظام لا عن تغيير النظام نفسه.  وكيف أن مسار اللجنة الدستورية حالياً يمثل تقاطع مصالح دولي، وذكر الدكتور مصلحة كل دولة على حدى من السير بهذا المسار. 

تأثير الحروب والكوارث الطبيعية على الحل السياسي في سوريا

وانتقل بعد ذلك الدكتور للحديث عن مصيرنا الآن.. أين نحن؟ وماذا بقي من المسار السياسي؟ وربطه بتأثير الحرب الروسية على أوكرانيا، وتأثير الزلزال، على مسار الحل السياسي في سوريا. وتم الحديث كيف أن الحل السياسي في سوريا الذي تذكره الدول في تصريحاتها يمكن استشفافه في الورقة الأردنية التي تم تسريبها عام 2021. هذه الورقة الأردنية يمكن أن تعطينا صورة عن شكل التعاطي الدولي الجديد مع نظام الأسد، وهي يمكن تلخيصها في:
1- تغيير سلوك نظام الأسد بدلاً من تغيير النظام نفسه.
2- معالجة الآثار الأمنية والسياسية للقضية السورية ولا يوجد أي حديث عن الحل السياسي
3- تفرد نظام الأسد في التعاطي السوري، ولا ذكر للمعارضة. (ماذا نقدم لنظام الأسد حتى يقبل بهذه الخطوات)
4- العودة الطوعية لللاجئين، ولم يعد الحديث عن العودة الآمنة الطوعية.
5- تقديم الحوافز بدلاً من العقوبات لنظام الأسد

أما تأثير الحرب الأوكرانية، فهي تجميد الملف السوري، والتركيز على اللاجئين الأوكرانيين بدلاً من السوريين.
وأما تأثير الزلزال فكان تأثيره، هو إظهار رغبة من بعض الدول في تحريك الملف السوري، وخاصة العربية منها، والتي تتقاطع مع مشروع خطوة مقابل خطوة، وهو مشروط بـ:
1- إدخال قوات عربية
2- عودة اللاجئين
3- إشراك المعرضة السياسية
4- الحد من النفوذ الإيراني

ولكن كما نعلم نحن كسوريين من سلوك النظام ومن التجربة الأردنية من التطبيع مع النظام، فإن النظام لن يعطي سوى وعود كاذبة.

شروط الحل السياسي

وتطرق الدكتور بالحديث عن شروط الوصول لحل سياسي في أي نزاع وهي تتلخص بـ:
– وجود معادلة متوازنة
– الجمود الضار عند أطراف النزاع
– وجود طرف ضاغط ثالث
– التدخل الخارجي الإيجابي
– أن يكون الحاضر مقدماً على المستقبل (إجراءات بناء الثقة)
– توفر الوسيلة المناسبة للحل

وختم الضيف حديثه بالحديث عن المستقبل، وما يمكننا فعله نحن كسوريين، وهي تتلخص في أربعة محاور وهي:
1- تعزيز الثقة بين السوريين، وهذا لا يقتصر على المؤسسات السياسية، بل هي ثقة يمكننا بناءها بدءاً من العائلة وصلولاً للمؤسسات التي نبنيها نحن السوريون.
2- إيجاد مرجعية موضوعية سياسية للشعب السوري.
3- تدعيم البناء الهيكلي للثورة، وإيجاد قيادة.
4- توظيف مسار اللجنة الدستورية، كوننا نستطيع التواصل الخارجي من خلالها.

وبعدها تم فتح الباب لأسئلة الحضور ومداخلاتهم في النصف الثاني من اللقاء، حيث أغنت تلك المداخلات والتعليقات الجلسة، وأثرتها، إذ حضر الدوان العديد من المهتمين بالشأن العام، والشباب المثقف، وقد امتد اللقاء قرابة الساعتين.

إن فتح أبواب الحوار المجتمعي وتبادل الآراء بين الشباب والعاملين بالشأن السياسي والاجتماعي من أهم ما ينقص الشباب السوري اليوم، وهو جانب لا يغفله مركز مقاربات للتنمية السياسية، وديوان علي عزت بيجوفيتش هو أحد تلك الوسائل المهمة التي يحقق المركز من خلالها هكذا أهداف.

مقاربات للتنمية السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top