في ذكرى الثورة السورية مقابلة مع د. حسام حافظ

في ذكرى الثورة السورية مقابلة مع الدكتور حسام حافظ

في ذكرى الثورة السورية وبعدما مرَّ على انطلاق الثورة السورية المباركة اثنا عشرة سنة، حققت بها الثورة نجاحات، ومُنيت بإخفاقات عديدة. ومازال هناك الكثير من الأسئلة تدور في أذهان السوريين الذين لا ييأسون بحثاً عن أجوبة شافية لتلك الأسئلة. وبَيد أنه يوجد الكثير من أيقونات الثورة، من ناشطين ومفكرين. يستطيع السوريون من خلالهم إيجاد أجوبة لأسئلتهم. قام مركز مقاربات للتنمية السياسية بإجراء مقابلات صحفية، مرئية وسمعية. مع بعض تلك الأيقونات، وكان من بينهم د. حسام حافظ، قمنا بطرح عليه بعض الأسئلة المتعلقة بالثورة السورية، فكان جوابه كالتالي: 

في ذكرى الثورة السورية ماذا تعني لك الثورة السورية د. حسام؟

الثورة السورية تعني لي إرادة التغيير، التغيير السياسي والاجتماعي. الرغبة في الوصول لحياة أفضل، حياة أكرم، فيها احترام للإنسان ولكرامته. وفيها مستقبل أفضل للأجيال القادمة بعيداً عن حياة القهر والزيف السياسي التي أُجبرت الأجيال الحالية والسابقة على تحملها.

وإرادة التغيير تعني أننا لا نريد لأبنائنا. ولا حتى لأبناء غيرنا من السوريين (أبناء السوريين اينما كانوا ومهما كلنت انتماءاتهم) أن يعيشوا في نفس الظروف التي عاشها من قبلهم من السوريين. ظروف ظالمة وقهرية، ذات نمط بدائي في الحوكمة، وذات نمط بدائي في التعاطي مع الآخر. وبعيدة عن روح العصر. وبعيدة عن الاستجابة للحاجات الإنسانية الأساسية في هذا الجزء من العالم حتى بالمعايير البسيطة والشرق أوسطية.
إذن، الثورة السورية هي إرادة، هي قرار من السوريين لتغيير حياتهم وحياة أبنائهم، وحياة الأجيال القادمة نحو الأفضل.

كيف غيرت الثورة في حياة السوريين كما ترى؟

غيرت الثورة السورية حياة الناس من حيث التفكير وممارسة القناعات. أخرجتها من القوقعة والقوالب التي كانوا يعيشون فيها لأربعين سنة نحو فضاء أوسع بكثير. فضاء فيه الكثير من الحريات، وفيه الكثير من الاهتمام بالكرامة، في الفضاء الجديد لم يعد الإنسان يخاف التحدث عن حقوق الإنسان وعن الحقوق العامة. وأصبح التعبير السياسي، والتعبير عن الرأي، والمشاركة السياسية والممارسة واسعةً ومقبولة في مجتمع السوريين الأحرار. ولم يعد ثمة رقيب إلا ضوابط المجتمع، وهي ضوابط طبيعية أوسع بكثير من القوالب التي تفرضها الانظمة المستبدة كالنظام السوري.

غيرت الثورة السورية حياة السوريين أيضاً بأنها عرفتهم على بعضهم البعض. فطيلة العقود الماضية لم يكون يعيش السوريين إلا ضمن دوائر ضيقة إلى حد كبير. لأن الشأن العام في سوريا لم يكن متاحاً للجميع.
ولم يكن متاحاً التعاطي مع الآخر إلا ضمن هواجس قلقة. إلا ضمن أفكار مسبقة وتخوفات، لم يكن مسموحاً للسوريين أن يجتمعوا في مناسبات – غير الدينية أو الاجتماعية – أن يجتمعوا على قواعد جديدة. على تبادل أفكار، على قاعد التلاقي والاختلاف ضمن ضوابط قانونية محددة، لكنها واسعة وتسمح للجمعي بتبادل الرأي. لم يكن مسموح للسوريين أن يشكلوا أحزاباً أو يشكلوا فضاءات ضمن منظمات المجتمع المدني، إلا في أَضيق الاحتمالات والظروف.

هل تندم لأنك في صفوف الثورة بعد ما أصابها من نكبات على المستوى الداخلي والخارجي

لا أظن أن أي سوري ينضم للثورة يندم على ذلك، لأن الثورة هي تعبير عن الذات الجمعي. أعني أن السوريين في مجموعهم رفضوا أن يستمروا في الحياة تحت نيران الحكم الدكتاتوري، وبالذات بعد فترة الربيع العربي. ومنذ بدايات الثورة كان لدى معظم السوريين رغبة جامحة في الانضمام لأي حركة اجتماعية تخترق صفوف وضفاف وحواجز الطوائف والإثنيات. رغبة بأن تكون الحركة جامعة وأن تبنى على أساس المواطنة فقط، وعلى أساس حب في التغيير. وعلى أساس الحب في الوصول نحو سوريا أفضل.

هذه الرغبة الجامحة جعلت الثورة السورية بمثابة قدر ومصير لهذا الشعب، فلا أحد انضم للثورة السورية يندم على هذا القرار. حتى لو دفع أثمناناً كبيرة، حتى لو كان جزءاً من النجاحات ومن الفشل ربما. لكن هذه الجماهير الواسعة لا يمكن إلا أن تكون على حق وهي تستعيد ذكرى الثورة حتى هذه اللحظة بحب وشغف كبيرين…

ما هي أهم الأخطاء التي حصلت بالثورة؟ وكيف يمكن تجاوزها؟

حصلت في الثورة السورية أخطاء كثيرة جداً. أهمها هو عدم التعاطي بالحرفية المناسبة، عدم وجود قيادة موحدة. يعني ديمناميكية اختيار القيادة السورية لم تكن موجودة. لذلك كان البديل عن ذلك تصدر بعض متصدري المشهد من خلال آليات بهلوانية لعبت فيها الانتهازية حيزاً كبيراً. واستمروا بتصدر المشهد بدفع دولة هنا ودولة هناك. وكان تمثيلهم للثورة السورية على المستوى الدولي تمثيلاً كارثياً، في كثير من الأحيان.

ومن الأخطاء أيضاً عدم ربط السياسي بالمجتمعي بشكل مباشر، وأيضا الجانب العسكري كان له أخطاؤه. بداية عندما بدأ التحرك لحماية الثوار كان هذا الأمر مفهوماً. لكن في مسارات عسكرية كثيرة لم يعد الأمر مرتبطاً بالمجتمع والدفاع عنه وعن الثورة بروحها الوطنية الجامعة… هذا ما أدى الى نتائج سلبية لجمهور الثورة في الداخل، وللمراقبين في الخارج.

برأيك ما هي سناريوهات الحل السياسي في سوريا؟

السيناريوهات الباقية للحل السياسي في سوريا، هي سيناريوهات ضعيفة. أصبح الحل المرئي حلاً بعيداً عن الحل السياسي التقليدي الذي كان سائداً في جنيف. بل أصبح يرتبط بعودة السوريين إلى الداخل، وإحداث موجات من التغيير الداخلي. وفي نفس الوقت الاستفادة من مكتسبات الثورة على مستوى القرارات الدولية وعلى مستوى تنظيم الصفوف في المناطق المحررة وفي الداخل وفي المغتربات وفي أماكن تواجد اللاجئين والمهجرين في الخارج، لإنتاج قيادات جديدة تستطيع الاستمرار في رغبة في التغيير. إذ إن الارادة الصلبة المستمرة سوف تنتج سورية جديدة كما انتجت انساناً سورياً جديداً. ويبقى أن ينعكس ذلك بانتقال سياسي ناجز. الانتقال السياسي هي آخر ما يمكن التوصل إليه كنتيجة لأي تسوية سياسية، حتى لو لم يكن هناك حل سياسي شامل.

ما هي أهم النجاحات التي حققتها الثورة السورية بعد ١٢ سنة من الثورة برأيك؟

نجاحات الثورة السورية كما قلت. هي إخراج الإنسان السوري من الصندوق المغلق ….من الحيز الضيق جداً الذي فرضته عليه منظومة الحكم والسلطة الاستبدادية في سوريا لفترة طويلة….

من النجاحات أيضاً، أن هذا الخروج لم يكن خروجاً سياسياً، وإنما نجاحات السوريين حول العالم بالجانب الاجتماعي والجانب العلمي. خرج السوريين للعديد من الدول، لديهم منظماتهم ولديهم نجاحات في جميع أنحاء العالم

هل تعتقد أن مكتسبات الثورة السورية مستقبلا ستغطي خسائرها (ما دفع الشعب السوري من خسائر بالأموال والأرواح)

هذا سؤال جدلي، إذ إنه لا يمكن حساب مكتسبات وخسائر الثورة عبر جيل واحد. فالثورة السورية هي ثورة سورية مصيرية قدرية، لم يكن بالإمكان إلا الخروج لإرادة الجماهير بالتغيير. لكن هل هذا يعني أنه بالضرورة أن نشهد مكتسبات ونجاحات للثورة بمنطلق الأبيض والأسود الآن؟ لا أتصور ذلك، يعني، إذا أردنا أن نحسب نجاحات الثورة وتغطية الثورة، فيجب أن تكون على المستوى البعيد. ربما هناك خيبة أمل كبيرة وشعور بالمرارة والفشل. لكن أتصور أن هذا قد يكون مرحلي، فلا بد من الانتظار، ولا بد من المتابعة. لا يشترط المتابعة بنفس النمط ونفس الأفكار، ونفس الأهداف. لكن المتابعة يعني أن السوريين يُعادوا إلى نفس الطريقة القديمة بالتعامل، هذا يعني أن الأجيال القادمة سوف تعيش حياة أفضل

كيف نربي أبناءنا على التمسك بمبادئ الثورة

يجب علينا أن نربي أبناءنا على التمسك بمبادئ الثورة. فالنهوض ومحاربة الاستبداد هو أمر طبيعي فطري بالإنسان، لا يمكن للإنسان أن يستمر في ذلك.. أن يستمر بالحياة الذليلة، والحياة دون حريات، فهذا الأمر محسوم. إذن، نربي أبنائنا أولاً على سرديتنا للثورة، ماذا حصل ولماذا. ونربيهم أيضا على ضرورة وجود مبدئ للمراجعة دائماً، فلا بد للمراجعة الدائمة.

كيف يستطيع الشباب في الخارج دعم الثورة من الداخل؟

معروفة هي طرق دعم الثورة السورية بشكل عام، الدعم المالي، والتقني. ومنح مساحات كبيرة للنجاحات خارج سوريا وداخلها، ودعم التحركات السياسية، وتنظيم الصفوف سواء بالداخل أو بالخارج.

ماذا تقول لأمهات الشهداء والمعتقلين في ذكرى الثورة السورية؟

أخيراً أقول لأمهات الشهداء والمعتقلين في ذكرى الثورة السورية، أنكم أيقونة ورمز هذا التحرك الشعبي الجماهيري التاريخي الذي سيذكره التاريخ. أبناؤكم دفعوا ثمن حرية هذا الشعب، لذلك سوف تظل تضحياتكم في صدر التاريخ مذكورة بالكثير من الإجلال والفَخَار. لن ينسى الشعب السوري الذين دفعوا هذه الأثمان لتخرج أجيال قادمة نحو حياة أفضل، ونحو حريات أكبر.

المعتقلين أيضا هم في قلب وفي صدر وفي عيون الجماهير السورية، على مسار التاريخ. المعتقلين كانوا الذين يدفعون من حياتهم وحرياتهم، ويدفعون الآلام والتعذيب ثمن حرية الآخرين وثمناً لمبادئهم. فلا يوجد أنبل وأطهر من الشهداء والمعتقلين في الثورة السورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top