واقع الخطاب الديني

واقع الخطاب الديني في الشمال السوري

الخطاب الديني: دوره وأهميته في المجتمع

يعتبر الخطاب الديني أحد الأدوات الهامة التي يمكن استخدامها في توجيه المجتمع وتأثيره على سلوكيات أفراده. وقد لعب الخطاب الديني دورًا حيويًا في تاريخ البشرية، فقد كان أحد الوسائل الرئيسية التي استخدمها الأنبياء والرسل ومن آمن بهم  لنشر رسالتهم وتحويل الناس إلى السبيل القويم . وفي هذا المقال سنتحدث عن الخطاب الديني في الشمال السوري  ودوره وأهميته في المجتمع، والأخطاء التي يقع فيها الأئمة والخطباء وسبل تجاوز هذه الأخطاء .

مفهوم الخطاب الديني

الخطاب الديني هو الخطاب الذي يهتم بالأمور الدينية والمعتقدات والقيم الروحية والأخلاقية. يعتبر الخطاب الديني من أهم أشكال الخطابات الإنسانية لأنه يتحدث عن مسائل تهم الإنسان في حياته الدنيوية والآخرة.
يتميز الخطاب الديني بأنه يستخدم لغة سهلة ومفهومة للناس بشكل عام، كما أنه يستخدم القصص والأمثلة التي تدل على معاني عميقة ومهمة في الحياة. وبالإضافة إلى ذلك، يهدف الخطاب الديني إلى توجيه الإنسان نحو الخير والصواب، وإلى إرشاده للسلوك الصحيح .

دور الخطاب الديني في المجتمع

يعتبر الخطاب الديني أداة قوية لتوجيه المجتمع وتأثيره على سلوكيات أفراده. فهو يتيح للدعاة والمشايخ والأئمة فرصة لنقل رسالة دينية مفيدة إلى الناس وتوجيههم إلى السلوكيات الصالحة.
للخطاب الديني دورًا هامًا في المجتمع، حيث يساعد على تحسين الحياة الاجتماعية والروحية للأفراد والمجتمعات.

وفيما يلي سنستعرض بعض أهم أدوار الخطاب الديني في المجتمع:

1-تحقيق الروابط الاجتماعية وتعميقها:

وذلك من خلال الإرشاد والتوجيه حيث يمكن للخطاب الديني أن يلعب دوراً مهماً في تحقيق الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع والتشجيع على العدل والتسامح والتواصل الإيجابي بين الناس .

2-البناء الأخلاقي والروحي:

للأفراد والمجتمعات وبناء شخصياتهم الأخلاقية والروحية، ويعزز لديهم المفاهيم الدينية المهمة مثل الرحمة والعدل والتسامح، الخ.

3-تعزيز الوعي والانتماء الديني:

لدى الأفراد والمجتمعات، وتعزيز الاهتمام بالقيم والمعتقدات الدينية، ويحفزهم على العمل الخيري والطوعي، ويساعدهم بالشعور بالانتماء إلى مجتمعهم والفخر بقيمهم والعمل على نشرها.

4-تعزيز السلم الاجتماعي:

والتآخي بين أفراد المجتمع، وحث الناس على التضامن فيما بينهم ، ونبذ العنصرية والعصبية ،والعمل على حل الخلافات بطرق سلمية.
إذن؛ يعتبر الخطاب الديني من أهم الخطابات التي يمكن أن يتلقاها الإنسان. وعلى الرغم من هذه الأهمية، إلا أنه يجب الانتباه إلى أنه قد يتعرض للتحريف والاستغلال في بعض الأحيان، ولذلك ينبغي الانتباه إلى المصادر الموثوقة والعلماء الربانيين الذين يستندون في خطاباتهم على النصوص الدينية الصحيحة.

ومما يميز الخطاب الديني بأنه يتوجه إلى العقل والقلب في آن واحد، ويساهم بشكل كبير في تعزيز صفاء القلوب ويعمل على تحقيق السلام الداخلي والاستقرار النفسي للمؤمنين .

أخطاء الخطاب الديني

قد يقع المتصدرون للخطاب الديني في أخطاء عدة، ومن بين الأخطاء الشائعة التي يمكن أن يرتكبها المتحدثون في الخطاب الديني:
1- الإفراط في التشدد: والتطرف في تفسير النصوص الدينية، وحملها على ظاهرها، أو التمسك بأشد وجه من وجوه تفسيرها وإهمال وجوه التفسير الأخرى ، مما يؤدي إلى تشويه صورة الدين وتحريف معانيه وتحويله إلى دين ينشر العنف والعصبية والكراهية. وقد وقع هذا في بعض مناطق الشمال بسبب اختلاف المنابت والمشارب للخطباء من سلفية وصوفية ؛فزهد الناس في الاستماع إلى الاثنين .
2- إغفال المنطق: وقلة العقلانية في بعض الحجج والمناقشات الدينية وخاصة بين المدارس المختلفة، بحجة أن المجتمع يجب أن يعرف كل شيء. أو أنه ذو مستوى ثقافي وعلمي متدني. مما يؤدي إلى فقدان مصداقية الخطاب الديني.
3- الانحراف عن الموضوع: والتركيزعلى أمور ثانوية، مثل المسائل الخلافية وجعلها هي الأساس، كموضع اليدين في تكبيرة الإحرام ،والخلاف في إخراج زكاة الفطر مالًا أو عينًا،أو رفع السبابة بالتشهد، وما هنالك من المسائل الفرعية .مما يؤدي إلى حيرة وفقدان الجمهور للاهتمام بالموضوع الرئيسي للرسالة .
4- الاستخدام الخاطئ للنصوص الدينية: والاستدلال بها بشكل خاطئ أو غير دقيق، مما يؤدي إلى تشويه معانيها وتحويلها إلى معانٍ مغايرة عما قصدته النصوص.
5- تجاهل الواقعية: وفي هذا يقع الكثير من الخطباء وعدم مواكبة التطورات الحديثة في المجتمع والعالم،
فتجدهم مشرّقين عند تغريب الناس ، ومغرّبين عن تشريق الناس ؛مما يؤدي إلى فقدان الجمهورللاهتمام بما يقولون.
لذا، يجب على المتحدثين في الخطاب الديني الحرص على تجنب هذه الأخطاء والعمل على تصحيحها.

أسباب أخطاء الخطاب الديني :

1-عدم وجود المؤهلات العلمية والمعرفية الكافية للأئمة والخطباء .
2-قد يكون الخطيب متعلمًا لكنه لم يتكوّن منهجيًا في مراعاة أحوال المصلين؛ فتجد خطبه عاطفية تتميز بالكثير من جلد الذات؛ فيخرج المصلين أفواجًا متدافعين وكأنهم مكبوتين في المسجد.
3-استمهال الأئمة ظهور نتائج خطبهم ،وقلة العمل بها ،مما يؤدي بهم إلى الإحباط ،والرجوع إلى الأسلوب العاطفي في الخطب .
4-تنافس بعض التيارات الإصلاحية فيما بينهم ، وخروج صدى هذا التنافس بشكل غير لائق ؛مما يؤدي إلى زهد الناس في الاستماع إليهم ،فضلًا عن تطبيق ما يقولون.

نتائج أخطاء الخطاب الديني:

لكل خطأ من الأخطاء الآنفة الذكر نتائج تترتب عليه فتجاهل الواقعية في الخطاب الديني يمكن أن يؤدي إلى عدة نتائج سلبية، من بينها:

1-فقدان المصداقية:

وذلك بتجاهل المتحدث المشاكل والتحديات التي يواجهها المجتمع ،ويعطي انطباعًا بأن الدين غير قادر على مواجهة هذه المشكلات.

2-فقدان الجمهور:

وعدم اهتمامه بالخطاب الديني من الأساس، حيث يشعر المستمعون بأن الخطاب لا يتعلق بمشاكلهم الحقيقية.

3-عدم تحقيق التأثير المطلوب:

يتوقع من الخطاب الديني أن يحقق تأثيرًا إيجابيًا على المجتمع، إلا أن تجاهل الواقعية يمكن أن يحول دون تحقيق هذا الهدف

4-تركيز الجمهور على التفاصيل الصغيرة:

وهذه كنتيجة لاستخدام الأئمة والخطباء النصوص بصورة خاطئة،والانحراف عن الموضوع الأساسي ، والاقتصار على الوعظ الجاف المتمثل في جلد الذات، واختيار المواضيع السطحية ، حيث يمكن أن يركز الجمهور على هذه التفاصيل ، مثل الفروع الفقهية والتفسيرية، ويتجاهلون الرسالة العامة للإسلام التي يجب أن تكون الأولوية لها في الخطاب.

أما إغفال المنطق في الخطاب الديني يمكن أن يؤدي إلى عدة نتائج سلبية، من بينها:

1-الوقوع في التناقضات:

والتضارب في الرأي، مما يؤدي إلى عدم فهم الجمهور الرسالة المراد إيصالها، ويصبح الخطاب غير مقنع ويفتقد للمنطقية اللازمة.

2-فشل إقناع الجمهور:

بالرسالة التي يحاول إيصالها، مما يعيق تحقيق الهدف من الخطاب الديني.

3-قراءة الأحداث بصورة خاطئة:

ففي كارثة الزلزال الذي حدث في شباط 2023 بدلًا من حض الناس على المساعدة ،تركز الخطاب على أن هذا عقاب إلهي بسبب أعمال الناس .

لذا، يجب على المتحدثين في الخطاب الديني أن يأخذوا بعين الاعتبار المنطق والعقل في تقديم الرسالة الدينية، والتطورات الحديثة في المجتمع والعالم،وتجنب الوقوع في التناقضات والتطرف، مع الحفاظ على القيم الأساسية للدين ، وأن يجدوا حلولًا على الأقل لا تخالف الشريعة للمشاكل التي يواجهها المجتمع…

سبل تطوير الخطاب الديني :

لتفعيل وتحسين دور الخطاب الديني واقعيًا؛
قيام المؤسسات والهيئات المسؤولة عن المساجد وخطباؤها بتقديم برامج لتأهيل الأئمة علميًا ومعرفيًا.
ثم برامج لتكوينهم تكوينًا منهجيًا، بحيث يكون لهم أكبر تأثير في قلوب وعقول المؤمنين .
وعدم استعجال نتائج خطابهم والحفاظ على مستوى حيوي ومشجع في أداء الخطاب.

محمد هلال الصغير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top