القيود الاجتماعية والقانونية وتأثيرها على الطاقة الإنتاجية للمرأة في المجتمع

القيود الاجتماعية والقانونية وتأثيرها على الطاقة الإنتاجية للمرأة في المجتمع

لعبت المرأة دوراً هاماً ومحورياً في تنمية المجتمعات قديماً وحديثاً، وأثبتت من خلال هذا، أنها قادرة على التغيير الجذري والفعّال بما يخدم تلك المجتمعات.

فوجود المرأة في كافة جوانب الحياة، دليل على أنها عنصر أساسي في عملية التغيير الإيجابي الذي تسعى المجتمعات لتحقيقه. 

المرأة أصبح لها دورٌ اجتماعيٌ كبير

هذا التغيير مرتبط بشكل أساسي بالواقع الذي تعيشه المرأة، ومدى تمكنها من القيام بدورها في المجتمع، ولكن، ومع تطور المجتمعات، نرى أن المرأة أصبح لها دورٌ اجتماعيٌ كبير، وذلك بناءً على مؤهلاتها العلمية، والاجتماعية، والثقافية، ولم تبق مجرد مدبرة لمنزلها وحاضنة لأطفالها.

وباعتبار أن المرأة عضوٌ في المجتمع، فيجب أن تكون شريكة في إدارته، ولعب دور في شؤونه، فدورها في أسرتها يجب ألا يلغي دورها في الشأن العام وعلى اعتبار أن المرأة تشكل نصف المجتمع، فإذا قمنا بتجميد دورها في الشأن العام  نكون بذلك قد خسرنا طاقة كبيرة من المجتمع وبالتالي، يتوجب علينا أن نساندها  في القيام بدورها في الشأن العام ونذلّل الصعوبات التي يمكن أن تحول دون قيامها بهذا الدور، فالإحصاءات تشير، أن تعليم المرأة وتمكينها من ممارسة دورها في الشأن العام، ينعكس إيجاباً على الأسرة، سواءً في تربية أولادها أو الأمور الاقتصادية أو الصحية.

المرأة في مجتمعاتنا العربية

فالمرأة في كل دول العالم تشكل قوة ديناميكية تدعم التطور والتحوّل في المجتمعات، إلا أن الأمر مختلف تماماً في مجتمعاتنا العربية، فالمشكلة الجوهرية في قضية المرأة تكمن في أنه تم استبعادها عن أي نشاط له علاقة بالشأن العام، وهذا أفقدها حقها في صنع الكثير من القرارات المصيرية التي تهم المجتمع. 

وفي اعتقادنا، المرأة العربية لعبت دوراً كبيراً في تكريس هذه النمطية، والمنظومة الفكرية السائدة، وتوريثها. فكانت حاضنة للأفكار التسلطية، وحاملة لها، وناقلة عنها، دون محاولة لمراجعتها، أو نقدها، مما ساهم بترسيخها.

قد نجد أن هناك حالات تحارب المرأة فيها تلك الأفكار، وتنتقدها، لكن غالباً، يكون الأمر بشكل سطحي، فهي تقف عند المحاولة دون أن تنتقل إلى التغيير الفعلي للأفكار والسلوكيات، وإن أردنا بحث تلك المشكلة نجد أن جذرها يتمثل في مورثات ثقافية، وعادات وتقاليد تكوّنت مع مرور الأيام، وأصبحت جزءً لا يتجزأ من هذه المجتمعات، ومع تكرارها أصبحت عادة أساسية راسخة تثبط دورها الاجتماعي.

وكمثال: فالفتاة بمجرد أن تبلغ سن الشباب، تبدأ أحاديث الزواج بالطنين فوق رأسها، فكل من حولها من النساء المقربات لها، يرونها فتاة فاشلة، إن لم تتمكن من الزواج في أقرب وقت، وإذا حاولت مناقشة أهلها بموضوع إكمال تعليمها ونجاحها يكون الرد بالرفض، فالنجاح بالنسبة لهم يكون في الزواج والإعتناء بالزوج والأولاد، وكلامي هذا، لايعني أن الزواج هو العائق الأساسي أمام المرأة، فالزواج في الحياة هو وسيلة وليس غاية، فهناك كثير من النساء اللائي تزوجن ونجحن في حياتهن كإنسان له كيان خاص،

ما هو العائق الأساسي أمام تمكين المرأة

فالعائق الأساسي أمام المرأة ليس بالضرورة أن يكون الأب، أو الأخ، أو الأم، أو الزوج، بل العائق الحقيقي لها هو المجتمع  فهو يعمل على إلغاء كثير من مساحة الحرية لديها، ويتحكم بالعلاقات، ويقيدها بقيود مجحفة. 

الأسرة في مجتمعاتنا إذا كانت تعاني من فقر، أو غير قادرة على تحمّل أعباء تعليم أطفالها، فالأفضلية في التعليم تكون للولد، وأيضاً، لا يمكننا تجاهل المنهج والأسلوب، الذي تتبعه أغلب الأسر في مجتمعاتنا، حيث ينشأ خوف تلقائي داخل كل فتاة، فتخشى من قيامها بأي فعلٍ يجعلها موضعاً للوم والتأنيب. فكل ما يحيط بالمرأة في مجتمعاتنا يقلل من قدرتها، ويجعلها دوماً خائفة، فتفقد بذلك الثقة في قدرتها على إنجاز أي عمل. 

أما في حال تحدّي المرأة مختلف العوائق التي تمر بها، فهي تبدأ باتخاذ خطوات جادة في ممارسة حقها في العمل والسعي لتطوير ذاتها، نجد أنه يتم التعامل مع إنجازاتها بكثير من التجاهل، بينما يكون الرجل محطاً للأنظار، والإشادة بإنجازاته، فالمرأة حتى على مستوى الأسرة إنجازاتها لايتم الاعتداد بها.

ولا ننسى دائماً أن المرأة عدو نفسها، فنجد أن الأم هي أول من يرفض عمل ابنتها.

ومن ضمن القيود التي تعيق المرأة من ممارسة دورها في المجتمع، هي قيود شخصية خاصة بالمرأة نفسها، فهناك العديد من النساء اللواتي لديهن أولويات، ومن أهم هذه الأولويات بنظر النساء هي العناية بالأطفال ومساعدتهم على التطور اجتماعياً، وأيضاً عدم ثقتها بنفسها، فشعورها بالفشل يعمل على خوفها من عدم تمكنها من أداء أي عمل بشكل جيد، وهذا كله يؤثر بشكل سلبي على ثقة المرأة بنفسها، وأيضاً عدم قدرتها على التخطيط، فالكثير من النساء لا يجدن القدرة على التخطيط بطريقة صحيحة لضبط التوافق بين الوظيفة والأسرة، فالتخطيط له أهمية كبيرة في مساعدة النساء على تحقيق أهدافهن.

غياب التشريعات والقوانين

كل هذه العوائق والتحديات تفاقمت في ظل غياب التشريعات والقوانين، التي تلزم الدولة بإزالتها، حتى تتمكن المرأة من ممارسة دورها في تطوير مجتمعها. فوضع المرأة في القوانين العربية معقدٌ ومتشعبٌ، فكلما ابتعدنا عن المدن الكبيرة، واقتربنا من الأرياف، نجد أن المراة محرومةٌ من حقوقها الإنسانية والقانونية، وغائبةٌ عن صنع القرارات، فهي بشكل عام فاقدة للأهلية في التصرف بملكيتها وأموالها، وهي في غالب الأوقات، لا تملك حتى حق اختيار الزوج أو حق الطلاق. 

إلا أن وعي الحقوق القانونية يحتاج لمواطن يدرك مكانته وحقوقه في المجتمع، والمرأة بعيدة عن معرفة حقوقها، فهي عملياً لا تدرك أن لها  حقوقاً قانونية، وعدم إدراكها هذا يرجع إلى الضغوط الاجتماعية، كالأعراف، والتقاليد البالية، التي تكون المرجع الأساسي للمرأة في حياتها، والتي تغرقها بكم هائل من الواجبات القاسية، من دون أن يكون لها أيُ حقوقً، مما يجعلها أكثر عرضة للإضطهاد، لأنها لا تعرف كيف تحمي نفسها، ولا إلى أي مؤسسة تلجأ في حال وجود هذه المؤسسات، فمؤسسات المجتمع المدني عملت على تمكين المرأة اقتصادياً وسياسياً، لكنها غفلت عن الجانب القانوني، فتمكين المرأة قانونياً سيكون له الأثر الكبيرعلى جوانب حياتها كافة.

والمشكلة تتفاقم أكثر عندما تعرف المرأة هذه الحقوق إلا أنها لا تستطيع الإستفادة منها، لأن العادات الإجتماعية تمنعها من ذلك، وفي حال إقدامها على ممارسة حقوقها فإن هذا الحق سيتحول إلى عقاب لها.

إلا أن هذا كله لا يعني أن القوانين التي تتعلق بالمرأة عادلة ومثالية، فالمرأة لا تستطيع استثمار وتوظيف ما منحته لها القوانين من هذه الحقوق، فعلى سبيل المثال، الضرب، فالقوانين تمنع الضرب وتتعامل معه كجريمة، إلا أن النساء يتعرضن يومياً للضرب المبرّح على أيدي أزواجهن أو آبائهن، وكل ذلك يندرج تحت مفاهيم تقليدية. 

وأخيراً، نرى أن للمرأة طاقات كبيرة وعظيمة في تطوير مجتمعها في كل مناحيه، إلا أن العادات والتقاليد الإجتماعية والقوانين غير المنصفة لها تمنعها في ممارسة حقها في تطوير مجتمعها.

فالمرأة لا تزال بمنأى عن نيل حقوقها كاملة، لذلك يجب اعتماد اّليات قانونية ومؤسسية لمكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة، وتعديل القوانين بما يتناسب مع العصر الراهن. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top