العودة الطوعية ومشروع إعادة مليون لاجئ سوري

العودة الطوعية ومشروع إعادة مليون لاجئ سوري

مقابلة صحفية مع الأستاذ طه الغازي

انتهت الانتخابات التركية بفوز الطرف الذي طالما ما دعم السوريين خلال السنوات السابقة. ولكن، يظل حديث الحكومة التركية المستمر عن مشروع العودة الطوعية لمليون سوري شاغلًا أذهان الكثيرين من السوريين، ومثيرا العديد من التساؤلات فيما بينهم. ومن هذا المنطلق، أقام مركز مقاربات للتنمية السياسية مقابلة صحفية مع الناشط في الدفاع عن حقوق السوريين الأستاذ طه الغازي، فقام المركز بطرح الأسئلة التالية عليه:

كان الوجود السوري في تركيا حاضرا في حملات المرشحين الانتخابية للرئاسة التركية، فما دلالة ذلك؟ وهل من خطط حكومية جديدة للتعامل مع ملف اللاجئين السوريين في تركيا؟

طبعا، للأسف الشديد كان ملف اللاجئين السوريين كان في السنوات الماضية وما زال أداة في ميدان السياسة التركية. هناك تيارات وأحزاب في المعارضة السياسية استخدمت هذا الملف كأداة سياسية ضد الحكومة في ميدان السياسة الداخلية التركية. كذلك الأمر، الحكومة التركية استخدمت ملف اللاجئين السوريين في ميدان السياسة الإقليمية والخارجية، وتحديدا فيما يتعلق في خلافها وشقاقها مع الإتحاد الأوربي.

في فترة الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية، لاحظنا بأن ملف اللاجئين السوريين أصبح يتم استغلاله بشكل يتوازى ـ للأسف الشديد ـ مع العنصرية المقيتة، وتحديدا مع الشعارات والوعود التي أطلقها مرشح تحالف الأمة المعارض كمال كلتشدار أوغلو، والذي وصل به المطاف إلى أن يعلق لافتات على الطرقات العامة تدعو لإعادة اللاجئين السوريين كوعود انتخابية. طبعاً هذا إن دل على شيء فهو يدل على مدى الإفلاس السياسي لدى هذه الأحزاب المعارضة. حيث إن هذه الأحزاب والتيارات السياسية لو كانت تمتلك برامج لتركيا وللشعب التركي لما لجأت لأن تضع الملف السوري وملف اللاجئين السوريين في المقام الأول كأداة أو كدعاية انتخابية. لذلك بالتأكيد هذا يدل على مرحلة الإفلاس السياسي لدى تيارات وأحزاب المعارضة.

يعاني السوريون من فوضى قانونية داخل تركيا.. فإن كانت فوضى مقصودة من الحكومة التركية فما مبرراتها، أم هي سياسية الأمم المتحدة للتعامل مع الملف السورية؟

طبعا هذه الفوضى القانونية تتحمل الحكومة التركية جزءا أساسيا منها. وكذلك تتحمل منظومة وهيئات الأمم المتحدة جزءا آخر. ولكن للأمانة، هذه الفوضى القانونية التي يعاني منها اللاجئون السوريون هي قائمة بكل جوانبها على عدم منح اللاجئ أو الإنسان السوري المتواجد في تركيا صفة اللجوء. 

تركيا في اتفاقية عام 1951 في جنيف، وفي بروتوكول نيويورك عام 1967 – طبعا هاتين الاتفاقيتين خاصتين بقضايا اللجوء – وقعت تركيا على هاتين الاتفاقيتين لكنها أضافت شرطا جغرافياً، هذا الشرط سمح لتركيا، أو بالأحرى ربط موافقة تركيا بمنح اللجوء فقط للقادمين من دول أوروبا. يعني اليوم ليس فقط السوريون الموجودين في تركيا، كذلك الأمر الأفغان، كذلك الأمر الباكستانيون، والإيرانيون، أي لاجئ ـ لاجئ هنا كلمة مجازية – قادم إلى تركيا من دول خارج الجغرافيا الأوربية، تركيا لا تمنحه صفة اللجوء بشكل قطعي. لذلك أساس الفوضى القانونية التي يعاني منها اللاجئ السوري اليوم في تركيا لأنه لا يحمل صفة اللجوء. ما زلنا والآن دخلنا في العام العاشر ضمن شيء يسمى نظام الحماية المؤقتة، نظام الحماية المؤقتة بات التعقيد الأكثر بروزًا بعد انتهاء العقد الأول من بدء اللجوء السوري في تركيا. لذلك لابد من إعادة صياغة المنظومة التي تحدد وتؤطر الوجود السوري في تركيا بناء على تعديلات وتغييرات قائمة ما بين الجانب التركي من جهة، وهيئات الأمم المتحدة من جهة أخرى، والتي لابد أن تنتهي في نهاية الأمر بمنح الحالة السورية صفة اللجوء.

هل هناك ربط بين مشروع إعادة المليون سوري والتقارب التركي مع نظام الأسد؟

طبعا هذا الأمر واضح، أساسا مشروع إعادة مليون لاجئ سوري ليس بالأمر الجديد. في عام 2021 وتحديدا في شهر أيلول / سبتمبر وزير الخارجية السابق مولود تشاووش أوغلو كان قد ذكر بأن دول الجوار الأربعة لسوريا، يعني تركيا والعرق والأردن ولبنان، اتفقت آنذاك على صيغة وبرامج من إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. هذا الأمر كان قبل عاميين من الانتخابات. اليوم خلال الفترة الماضية شهدنا زيادة في وعود إعادة اللاجئين السوريين سواء كان من قبل الحكومة أو من قبل المعارضة، وشهدنا أيضا عمليات ترحيل قسرية، بعض الجهات الإعلامية ربطت هذه التصريحات وعمليات الترحيل القسرية بالانتخابات. أنا أرى بأن الانتخابات لها تأثير جزئي على ما يتعلق بوجود المجتمع السوري في تركيا، لكن للأمانة إعادة اللاجئين السوريين كان متفقاً عليه وفق جدولة زمنية خلال الأعوام الماضية. 

كذلك الأمر في العام الماضي عام 2022 ذكرت وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية ديريا يانيك في إحدى تصريحاتها، قالت آنذاك بأن الحكومة التركية “لن تستقبل اللاجئين السوريين من باب الإنسانية والرحمة فقط”، وأضافت في جملة أخرى “حتى نهاية عام 2023 لن يبقى أي لاجئ سوري في تركيا”، لذلك كل هذه المقدمات لو ربطناها بإعادة العلاقات ما بين أنقرة ونظام الأسد، فنلاحظ بأن العملية متوازية ومرتبطة بشكل أو بآخر، فيما يتعلق بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.

هيئة التحقيق الخاصة في سوريا التابعة للأمم المتحدة أصدرت تقريرها المتعلق بسوريا،

وذكرت بالتحديد هذه الجملة قالت: “إن الجغرافيا السورية بأكملها غير مناسبة وملائمة لعودة اللاجئين السوريين إليها في الفترة الحالية”

كيف ستتم آلية إعادة هذه المليون من اللاجئين السوريين؟ وفي حال رفض السوريين العودة طواعية فهل سيتم إعادتهم كراهية؟ وكيف سيتم اختيار مليون سوري من بين 4 مليون سوري آخرين متواجدين في تركيا؟

للأسف الشديد، لا يوجد معايير محددة بيّنتها أو طرحتها أو أعلنت عنها الحكومة التركية أو رئاسة الهجرة تحديداً، بمن هم الذين ستستهدفهم بالمرحلة الأولى من مراحل مشروع إعادة مليون لاجئ سوري. كذلك الأمر، حتى لو رفض السوريون، خلال السنوات الماضية شهدنا عمليات ترحيل قسرية. وهذا ما وثقته منظمات حقوقية تركية ومنظمات حقوقية دولية مثل منظمة هيومن رايتس ووتش، والتي أوردت في تقاريرها الموثّقة بأن اللاجئين السوريين يتعرضون لاعتداءات جسدية في مراكز الترحيل، ويتم إلزامهم وإجبارهم بالقوة على التوقيع على أوراق العودة الطوعية. لذلك اليوم لابد من تحديد من هم المستهدفون بالترحيل في المرحلة القادمة، إن كانت طوعية أو ما شابه ذلك. علما أنه لابد للإشارة إلى هذه النقطة بأن مناطق الشمال السوري والتي تدعي الحكومة التركية بأنها آمنة، هي في الأساس ليست آمنة، وذلك لعدة أسباب، السبب الأول، مازالت هذه المناطق تتعرض للقصف من قبل قوات الأسد ومن قبل سلاح الطيران الروسي. يوم أمس شهدنا كيف كان هناك علمية قصف من قبل الطيران الروسي لأحد أسواق مدينة جسر الشغور، حيث استشهد على إثرها قرابة 11 شخصا من القانطين في تلك المنطقة. إذًا المنطقة الجغرافية تلك مازالت تحت نيران مليشيات الأسد الطيران الروسي. كذلك في 14 أيلول / سبتمبر 2022 هيئة التحقيق الخاصة في سوريا التابعة للأمم المتحدة أصدرت تقريرها المتعلق بسوريا، وذكرت بالتحديد هذه الجملة قالت: “إن الجغرافيا السورية بأكملها غير مناسبة وملائمة لعودة اللاجئين السوريين إليها في الفترة الحالية”. كذلك هناك تقارير عديدة لمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس واتش توثقان كيف أن اللاجئين الذين تمت إعادتهم قسرا من لبنان إلى مناطق الأسد تم اعتقال قسم منهم وزجّهم في سجون نظام الأسد. لذلك هذه المشاريع فيما يتعلق بإعادة مليون لاجئ سوري أرى بأنها لا تتوافق مع المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين، ولاسيما بأنها تتناقض مع أهم مبدأ من هذه المبادئ من عدم الإعادة القسرية.

هل ستتم عملية الاعادة للسوريين بشكل أحادي الجانب من قبل تركيا؟ أم بالتفاهم مع النظام؟ وهل سيتم توفير بيئة اجتماعية واقتصادية وأمنية متكاملة لاستيعاب المليون سوري؟ أم فقط المشروع عبارة عن إنشاء مباني إسكانية؟

هذا الأمر أشار إليه وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاووش أوغلو قُبيل الانتخابات، قال بأن “اللاجئين السوريين لن يعودوا فقط إلى مناطق الشمال السوري، وإنما ستكون المرحلة القادمة هي عودتهم إلى مناطق نظام الأسد”.. إذًا، هناك تنسيق قائم في المرحلة القادمة ما بين الجانب التركية ونظام الأسد، لكن من هي الأطراف التي سوف تفرض وجود بيئة ضامنة لعودة اللاجئين السوريين إلى مناطق الأسد؟ لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال ضمان عهد ذمةٍ لنظام الأسد فيما يتعلق بالوعود التي سوف يلتزم بها في المرحلة القادمة. لذلك، لا أرى بأن هنالك إمكانية لتوفير أي بيئة اجتماعية واقتصادية وأمنية في مناطق نظام الأسد ولا بأي شكل من الأشكال. 

كذلك في مناطق الشمال السوري، لا يمكن اليوم لمنطقة الشمال السوري أن تستوعب كل هذا العدد من اللاجئين السوريين. مناطق الشمال السوري وشمال غرب سوريا هي مناطق بالأساس مكتظة بالنازحين داخليا، أضف إلى ذلك، هناك نسب عالية من البطالة، وهناك عجز تام فيما يتعلق بالمرافق العامة وبالمرافق التعليمية والصحية وغيرها. لذلك، اليوم ترحيل المليون لاجئ سوف يتسبب بأزمة سكانية في المنطقة، وسوف يحوّل المنطقة إلى ما يشبه قطاع غزة في نموذجها، بحيث يكون كونتينر يتم فيه تجميع اللاجئين السوريين دون النظر إلى احتياجاتهم الإنسانية والاقتصادية أو الاجتماعية أو التعليمية.

ما هو دور تركيا فيما يحصل للسوريين المهاجرين نحو أوربا مرورا في الأراضي التركية، وهل تسهل لهم العبور غير الشرعي عبر اراضيها باعتبارهم ورقة ضغط على أوربا؟

تركيا هي أحد أطراف الاتفاقيات التي وقعت مع الإتحاد الأوروبي بما يتعلق بمنع الهجرة غير الشرعية، لذلك اليوم تركيا تسعى من خلال هذه الاتفاقية إلى منع عبور اللاجئين السوريين أو غيرهم عبر حدودها الغربية إلى دول الاتحاد الأوروبي، سواء كان إلى بلغاريا أو كان عن طريق البحر إلى اليونان، لذلك النقطة الأساسية أن تركيا باتت ملزمة بهذه الاتفاقيات بكل بنودها، وأهمها مكافحة ومناهضة الهجرة غير الشرعية. لذلك في بعض الأحيان نرى بأن الجانب التركي قد يستغل ورقة اللاجئين السوريين للضغط على الإتحاد الأوروبي، كما حدث قبل عاميين عندما قامت بعض الجهات بتجميع اللاجئين السوريين المتواجدين في ميادين وساحات مدينة إسطنبول وإيصالهم للحدود اليونانية.

مركز مقاربات للتنمية السياسية

مقابلة صحفية مع الأستاذ طه الغازي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top