النزوح السوري وأثره على المجتمع والمرأة

النزوح السوري وأثره على المجتمع والمرأة

منذ بداية الصراع في سورية عام 2011، اضطر السكان لمغادرة مناطقهم ومدنهم والنزوح إلى مناطق أخرى داخل سوريا أكثر أمناً، وذلك نتيجة للعمليات العسكرية واستهدافها للمدنيين بشكل منظم.

وحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد اللاجئين السوريين في عام 2022 يقدر بـ 6.8 مليون لاجئ سوري، يعيشون في بلدان عدة حول العالم، بالإضافة إلى 6 ملايين و200 ألف نازح داخل سوريا.

وشكّل سكان المخيمات نسبة 23% من عدد السكان النازحين في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوى الثورة والمعارضة، حوالي 70% منهم بمخيمات نظامية لها إدارة تشرف عليها والبقية وهم بحدود 30 % في مخيمات عشوائية.

ويقدر عدد النازحين داخلياً في شمال غرب سوريا بـ 2.8 مليون شخص، تشكل نسبة النساء والأطفال منهم الـ 80%، حسب تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2022، وتبلغ نسبة النساء البالغات بحدود 32% من عدد السكان الإجمالي حسب آخر تقرير صادر عن وحدة تنسيق الدعم في عام 2021.

هذا النزوح الجماعي الذي شهدته سوريا على مدى سنوات طويلة، لم يكن مجرد تحول جغرافي، بل كان تحوّلاً اجتماعياً، واقتصادياً، ونفسياً، أثر بشكل كبير على حياة النازحين وعائلاتهم.

فقد أدى إلى تدهور الظروف المعيشية للنازحين، وانعكس سلباً على علاقاتهم الأسرية، فحركات النزوح الداخلي تسببت في العديد من المشكلات الاجتماعية، مثل انتشار حالات التوتر وعدم الثقة وتزايد القلق الجماعي، وازدياد مشاعر الخوف وعدم الأمان لدى النازحين في بيئاتهم الجديدة، وتحولت التجارب الصعبة التي مروا بها إلى مصدر للأمراض النفسية الخطيرة كالهوس والإدمان والاكتئاب، حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية يعاني 1 من 5 أشخاص يعيشون في مناطق متأثرة بالصراع من اضطرابات عقلية، وبالتالي أحدث تمزقات طالت بنية النظام المجتمعي، وأثرت على الصحة النفسية والاجتماعية للنازحين.

والنزوح الداخلي لازال يشكل تحدياً كبيراً لسكان المخيمات بسبب الفقر والحاجة والظروف المناخية السيئة، وايجاد سبل للعيش الكريم.

 ونتيجة للنزوح الجماعي يرغب بعض النازحين الذين ينتمون لمناطق معينة ويشتركون في نفس العادات والتقاليد بالتجمع بالقرب من بعضهم البعض في المخيمات.

ونظراً للاكتظاظ في بعض المخيمات يواجه البعض صعوبة في اختيار مخيم النزوح القريب من أبناء منطقته، مما يزيد من احتمالية حدوث مشكلات اجتماعية بين النازحين، نظراً لاختلاف العادات والتقاليد.

هذا التحدي يقف عائقاً أمام تحديد كفاءات ومؤهلات النازحين بشكل متكامل، مما يؤثر سلباً على قدرة إدارات المخيمات على الاستفادة من إمكانياتهم ومساعداتهم لتأمين فرص العمل.

ومن أجل تخفيف هذه المشكلة، يتعين على الجهات المعنية تحسين ظروف المخيمات وتوفير الدعم اللازم للنازحين، بما يمكنهم من الاستقرار، وذلك من خلال توفير المساحات الكافية للسكن والخدمات الأساسية، وتوفير فرص العمل والتعليم والتدريب، وكذلك توفير الدعم النفسي والاجتماعي للنازحين.

وإلى جانب هذه المشاكل فإن النساء كان لهن النصيب الأكبر منها، فقد واجهن العديد من التحديات منها محدودية الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والأمن فضلاً عن زيادة التعرض للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، أيضاً الحرب في سورية أجبرت العديد من النساء على أن يصبحن المعيل الأساسي لأسرهن، لأن أغلب الرجال إما استشهدوا أو اعتقلوا أو غادروا البلاد.

 بسبب الحرب تغير دور المرأة حيث أصبحت المخيمات ملاذاً للنساء الأرامل والمعيلات اللاتي يتحملن مسؤولية رعاية أسرهن، وبالتالي فإن ماحدث ليس تغييراً اجتماعياً طبيعياً، وإنما نتيجة للنزوح واللجوء والعنف، فالحرب فرضت على النساء طرق حياة جديدة بالنسبة لهن.

ولعل أبرز التحديات التي تواجه النساء، هي انعدام الخصوصية سواءً داخل الخيمة أو خارجها، فنوعية الخيمة القماشية لا تكون عازلة للصوت، ولا توفر أدنى حماية للعائلة وللمرأة، أيضاً معظم النساء في المخيمات يلجأن إلى استخدام مرافق خدمية مشتركة ،لا يكون فيها مراعاة لخصوصية النساء، إضافة إلى ازدياد المظاهرالغيرأخلاقية في بعض المخيمات النظامية والعشوائية، كالتحرش بالنساء سواء اللفظي أو الجسدي أو الجنسي.

وإضافة لكل ماسبق، فإن النساء يجدن أنفسهن في صراع شاق لتوفير الحاجات الأساسية لعائلاتهن للبقاء على قيد الحياة.

فبالرغم من المساعدات الإغاثية التي تتلقاها النساء في المخيمات، إلا أن هذه المساعدات غير دائمة، ولا تتيح للنساء الاستقلالية المالية والاعتماد على أنفسهن في توفير الحاجات الأساسية لعائلاتهن،وإن تحمل المرأة المسؤولية المالية والمعنوية والعاطفية والاجتماعية لأسرتها، هو من الأمور المرهقة لها، فهي بلا شريك يتحمل معها جزء من هذه المسؤوليات ولعل أهم هذه المسؤوليات هي تربية الأطفال وتعليمهم.

فإضافة لدورها التقليدي كربة منزل وأم لأطفالها، يقع على عاتقها أيضاً مسؤولية مالية تجاه أفراد أسرتها لتأمين حاجاتهم الأساسية.

وبالتالي، ينبغي تعزيز دور المجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني في تقديم الدعم الاجتماعي والاقتصادي والنفسي للنساء المقيمات في مخيمات النزوح، والتركيز على بناء قدرات المرأة وتطوير مهاراتها المهنية والإنتاجية ليتمّكن من تحسين وضعهن المالي وعدم اعتمادهن على المساعدات الإغاثية.

ويجب على المجتمع الدولي العمل بجدية  لتأمين مشاريع إيواء تراعي كرامة النازحين، وتوفير الدعم المالي والموارد اللازمة للمنظمات الإنسانية والحكومات المحلية لتحقيق هذا الهدف.

ويجب العمل على حل المشكلات الاجتماعية الناتجة عن الحرب والنزوح  حيث كان لها أثر كبير في تفكيك المجتمع والعلاقات الأسرية، وإعادة بناء الثقة بين أفراد المجتمع وأفراد الأسرة، عن طريق ترسيخ بعض القيم الاجتماعية الإيجابية التي بدأ مجتمع النزوح واللجوء بافتقدها، وتوفير فرص للتفاعل والتعارف بين النازحين من مختلف المناطق، من خلال تنظيم أنشطة وفعاليات اجتماعية تساعد على تعزيز التواصل بينهم، وفهم الثقافات المختلفة، وتعزيز العلاقات الاجتماعية الإيجابية في المخيمات.

أ. ميسون محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top