أطفال سورية......"أمل الغد أم ضحاياه"

أطفال سورية……”أمل الغد أم ضحاياه”

لا يخفى على أحد المأساة التي يعيشها الأطفال السوريون منذ سنوات طويلة، فالصراع الدموي جرد ملايين الأطفال من أبسط حقوقهم في الحياة والتعليم والأمن. إذ تدخل الحرب الدائرة في سوريا عامها الثاني عشر، مخلفة وراءها الملايين من الضحايا والنازحين واللاجئين، وفي مقدمتهم الأطفال الذين دفعوا ثمناً باهظاً في هذه الحرب. فبحسب تقديرات الأمم المتحدة في تقرير “الأطفال والنزاع المسلح في سوريا” الصادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2020، يوجد اليوم أكثر من 2.5 مليون طفل سوري فرّوا من بيوتهم ومدارسهم، ما بين نازحين داخليًا أو لاجئين في الدول المجاورة، ويعيش هؤلاء الأطفال ظروفًا قاسيةً جدًا، إذ يفتقدون أبسط مقومات الحياة من مأوى وماء وغذاء ورعاية صحية. كما تفيد تقارير اليونيسيف أنّ الآلاف منهم فقدوا ذويهم أو انفصلوا عن عائلاتهم، مما عرّضهم لمخاطر الاستغلال والإيذاء، فهي مأساة إنسانية لا يمكن تصور مداها.

وقد جلبت الحرب معها مآس لا حصر لها على هؤلاء الأطفال، فبالرغم من فقدانهم للامن والاستقرار، حرم ملايين منهم من حقهم في التعليم. إذ مع تدمير المدارس والبنى التحتية، توقفت العملية التعليمية في معظم المناطق، الأمر الذي تسبب في حرمان أجيال بأكملها من فرصة التعلم، كما تعرض هؤلاء الأطفال لصدمات نفسية وجسدية فادحة نتيجة القصف والتشريد وفقدان الأهل. فالمشاهد المروعة من حولهم غرست الخوف والرعب في نفوسهم، إلى جانب الإصابات والأمراض التي انتشرت في ظل انعدام الرعاية الصحية.

لكن من أبرز المآسي التي عانى منها الأطفال، هي فقدهم لآبائهم وأمهاتهم، مما تركهم عرضة للاستغلال والإيذاء، فبحسب ما ذكرته التقاريرالصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية أن هناك أكثر من مليون طفل سوري يتيماً، فيما يواجه آلاف آخرون مصيراً مجهولاً بعد فقدهم لأسرهم أثناء النزوح واللجوء.

ولا تقتصر معاناة الأطفال السوريين على الحاضر فحسب، بل إن مستقبلهم مهدّد بالضياع أيضاً، فالآلاف منهم معرّضون لخطر التجنيد القسري في المليشيات كجنود أو دروع بشرية، كما أن انتشار ظاهرة التسول بين الأطفال اللاجئين تدفع الكثير منهم للوقوع في براثن الاستغلال والاتجار بالبشر، إذ تستدرجهم شبكات منظمة لاستخدامهم في السرقة وتجارة المخدرات.

أما الفتيات فهن أشدّ عرضة لمخاطر الزواج المبكر الذي يحرمهن من فرصة إكمال تعليمهن، إذ تضطر أسر كثيرة لتزويج بناتها القاصرات هرباً من الفقر أو خوفاً عليهن، وهكذا تتسع الهوة بين هؤلاء الأطفال وبين أقرانهم في بقية دول العالم من حيث فرص التعليم والعمل، مما يهدد مستقبلهم ومستقبل سوريا.

وأمام تفاقم هذه المخاطر أصبح من الضروري توفير الحماية والدعم للأطفال السوريين بكل السبل الممكنة، فالتعليم يُعد أحد الحلول الرئيسية لتأمين مستقبلهم وحمايتهم من الانحراف والضياع،  لذا ينبغي على المنظمات الدولية والمجتمع المدني العمل معاً لإعادة تأهيل المدارس وتوفير فرص التعليم أمام جميع الأطفال بغض النظر عن وضعهم.

كما أنَّ تقديم الدعم النفسي والاجتماعي أمرٌ حيويٌّ لمساعدتهم على تخطّي صدماتهم،  ويمكن للمنظمات الإنسانية أن تسهم في تحقيق ذلك من خلال تنظيم جلسات إرشادية وتوفير المساعدة الطبية والنفسية اللازمة.

علاوة على ذلك فإن حماية الفئات الأشد ضعفاً كالأيتام من الاستغلال يتطلب جهود المجتمع الدولي برمته، فالتبني وتوفير الرعاية البديلة قد يقي الآلاف من هؤلاء الأطفال من الضياع والوقوع في براثن الجريمة.

في الختام، لا بد من التأكيد على أن الأطفال هم مستقبل سوريا وأملها الوحيد في بناء غدٍ أفضل بعد انتهاء هذه الحرب، فقد عانى هؤلاء الأبرياء الكثير جراء الصراع، لكن ما زال بإمكاننا إنقاذ مستقبلهم إذا تكاتفت الجهود الإنسانية من أجل حمايتهم وتعليمهم وتأهيلهم.

وإن واجبنا تجاه الأطفال السوريين اليوم هو أن نمد لهم يد العون، ونوفر لهم سبل الرعاية والتعليم التي تُخرجهم من دوامة العنف وتجندهم في بناء مستقبل بلدهم، فهم ليسوا مجرد أرقام وإحصائيات، وإنما هم أمل أمة بأكملها، علينا جميعاً أن نتحمل مسؤوليتنا تجاههم، ونبذل قصارى جهدنا لإنقاذ طفولتهم ومستقبلهم.

أ. ميسون محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top