الليرة التركية بين تَحَسُّن مُتذبذب ومُستقبَل غَامِض

الليرة التركية بين تَحَسُّن مُتذبذب ومُستقبَل غَامِض

سجَّلت الليرة التركية أداءً هو الأفضل في العام الحالي، وذلك بعد رَفْع سِعْر الفَائِدَة من 17,5% إلى 25%، وارتفعت قيمة الليرة بنسبة 5,7%، فبعدما بلغت قيمتها قُبَيْل قرار الرَّفْع 27,2 للدُّولار الواحد تحسَّنت لتبلغ 25,6.

تحسُّن الليرة التركية بعد قرار رَفْع سِعْر الفَائِدَة يعود لسببين رئيسين؛ الأوَّل أنَّه وبطبيعة الحال يترافَق رَفْع سِعْر الفَائِدَة بتحسُّن قيمة العُملات المحلِّيَّة، نتيجة تراجُع عَرْض اللِّيرَة وارتفاع الطَّلب عليها في ظلّ ثبات الطَّلب على الدُّولار.

السَّبب الثَّاني أنَّ رفع سِعْر الفَائِدَة كان بمُعَدَّل يَفُوق التَّوقُّعات؛ فغالبيَّة التَّوقُّعات كانت تُشِير إلى رفع سِعْر الفَائِدَة إلى 20%، لكنَّ المركزيّ التُّركيّ رفَعها إلى 25%، وهذا ما شكَّل مفاجأةً للأسواق النَّقديَّة وعزَّز من الطَّلب على اللِّيرَة.

الأسواق النَّقْديَّة كانت مهيَّأة لسعر فائدة 20%، وتجاوز هذا المُعدَّل إلى 25% أعطى اللِّيرَة دَفْعةً قويَّة، وهو ما يتقاطع مع الحالة التي أعقبت رَفْع سِعْر الفَائِدَة في مايو الفائت عندما تمَّ رَفْعه إلى 15% بأقلّ من التَّوقُّعَات ممَّا أدَّى لتَراجُع قيمة اللِّيرَة آنذاك.

بعد أقلّ من 24 ساعة على قرار رفع سِعْر الفَائِدَة خسرت اللِّيرَة التُّركيَّة جزءًا كبيرًا من مَكاسبها، لتسجّل 26,54 ليرة للدّولار الواحد؛ وهذا الأمر يعود لارتفاع مُعدَّل المُضارَبَة على اللِّيرَة، كما يُمثِّل حالةً من القلق في السُّوق النَّقْديَّة، قد يكون ناتجًا عن المُبالَغة في رَفْع سِعْر الفَائِدَة فَوْق المُعدَّل المُتوقَّع.

يلعب الموقف العامّ لا سيَّما لدى رجال الأعمال دَورًا مُهمًّا في تحديد مُستقبَل المُؤشِّرَات الاقتصاديَّة، فقَبْل أيام قليلة نظَّم البنك المركزيّ استبيانًا حول تَوقُّعَات المُحلِّلين الماليين والمستثمرين لمُستقبَل المُؤشِّرَات الاقتصاديَّة، وشارك في الاستبيان 40 مُمَثِّلًا عن أسواق المال الرَّئيسَة في البلاد.

أشارت نتائج الاستبيان إلى أنَّ التَّضَخُّم المُتوقَّع في نهاية العام الجاري سيبلغ 59,46%، مع توقُّع وصول سِعْر الفَائِدَة إلى نسبة 19,17%. أمَّا بخصوص اللِّيرَة التُّركيَّة فقد توقَّع المشاركون في الاستبيان أن تبلغ قيمة اللِّيرَة مع نهاية العام 29,82 ليرة مقابل الدُّولار.

هذه التَّوقُّعَات السَّلبيَّة للِّيرة مِن قِبَل المُحلِّلين والمستثمرين أضْعَفَت من الثِّقَة العامَّة باللِّيرَة التُّركيَّة، وهو ما حفَّز الدَّوْلَرَة، فعلى الرَّغْم من تَحسُّن قيمة اللِّيرَة عَقِب قرار رَفْع سِعْر الفَائِدَة، إلَّا أنَّ غالبيَّة المستثمرين فضَّلوا الاحتفاظ بالدُّولار، وهو ما أثَّر سلبًا على فاعليَّة القرار.

عمومًا تهدف سياسة البنك المركزيّ التركيّ إلى مُعالَجة التَّضَخُّم، وتعتقد أنَّه بعد تَخفيض مُعدَّل التَّضَخُّم إلى المستويات المطلوبة يمكن حينها مُعالَجة قضيَّة اللِّيرَة، فالأخطر الآن التَّضَخُّم الذي يُؤثِّر على مختلف المُؤشِّرَات الاقتصاديَّة الكُلِّيَّة والجُزئيَّة.

تتحكَّم بقيمة اللِّيرَة التُّركيَّة جملةٌ من المُتغَيِّرات؛ منها مُعدَّل التَّضَخُّم، والذي يشهد ارتفاعًا مستمرًّا وإن كان بشكلٍ مُتوازن، ففي يوليو الفائت بلغ 47,83%، وهو ما يُشكِّل ضَغْطًا على اللِّيرَة، وحتى الآن لم تَتمكَّن سياسة رَفْع سِعْر الفَائِدَة من الحَدّ من ارتفاعه.

أمَّا على مستوى عَجْز الميزان التّجاريّ فقد سجَّل ارتفاعًا أيضًا، فبلغ في يوليو الفائت 12,38 مليار دولار، مُسجِّلًا ارتفاعًا بنسبة 15,7% على أساس سنويّ.

ارتفاع عجز الميزان التّجاريّ يعني أنَّ الواردات تفوق الصَّادرات، ما يعني أنَّ كمِّيَّة الدُّولار المفقود بالاستيراد يَفُوق كميَّة الدُّولار المُكتَسَب بالتَّصدير، فالطَّلَب على الدُّولار مرتفع، ورَفْع سِعْر الفَائِدَة لا يَتمكَّن من مُواكَبته.

التَّغيُّر الحادّ والمستمِرّ في سياسة المركزيّ التُّركيّ تُضْعِف الثِّقة باللِّيرَة التُّركيَّة، لا سيَّما بالنِّسبة للمستثمرين الأجانب، ومن الواضح أنَّ السياسة النَّقْديَّة الجديدة والقائمة على رَفْع سِعْر الفَائِدَة لم تُحقِّق نتائج إيجابيَّة حتى الآن.

بعد اعتماد سياسة رفع سِعْر الفَائِدَة استمر التَّضَخُّم بالارتفاع واللِّيرَة بالتَّراجُع، وهذا الواقع في حال استمرَّ سيُشَكِّل ضَغْطًا على الإدارة الجديدة للبنك المركزيّ التُّركيّ، باعتبار أنَّ سياستها الجديدة لم تَنْجَح بتحقيق نتائج لا سيَّما على مستوى التَّضَخُّم.

د. يحيى السيد عمر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top