التخلف الاجتماعي وتأثيراته على الفرد والمجتمع

التخلف الاجتماعي وتأثيراته على الفرد والمجتمع

الحديث عن معنى التخلف الاجتماعي يقودنا إلى البحث في الوضع الاقتصادي للفرد والمجتمع في زمن محدّد، لهذا يعتبر مصطلح التخلف الاجتماعي (Social backwardness) مصطلحاً شائعاً، يشير إلى الفشل في إدارة موارد المجتمع في الدولة المعنية.

كما يشير مفهوم التخلف الاجتماعي إلى العجز في إنجاح التنمية الشاملة بأبعادها (الاقتصادية والاجتماعية)، وهذا ينعكس بالضرورة على مستوى العيش والعلم ودرجة التطور العام، لهذا يُعدّ التخلف الاجتماعي من القضايا الشائكة والمعقدة، التي تواجه المجتمعات النامية اليوم، فهو مشكلة متشعبة الأبعاد تمتد جذورها إلى الأنساق التي ذكرناها قبل قليل.

لقد برز هذا المفهوم بقوة في أدبيات التنمية بعد الحرب العالمية الثانية، عندما حصلت معظم المستعمرات على استقلالها، إلا أنها ظلت تراوح مكانها اقتصاديًا واجتماعيًا. ومنذ ذلك الحين، حظيت قضية التخلف باهتمام كبير من قِبل الباحثين وصناع السياسات من مختلف التخصصات، فتناولته العديد من الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والأنثروبولوجية والسياسية، بهدف تشخيص أسبابه ومظاهره وسبل مواجهته. وتنبع أهمية هذا البحث المتواصل من كون التخلف يؤثر سلبًا على مختلف جوانب حياة الفرد والمجتمع، من صحة وتعليم واستقرار اجتماعي وحقوق إنسان.

يؤثر التخلف الاجتماعي على النمو الاقتصادي بصورة عامة، ففي البيئة المتخلفة اجتماعياً تصبح مسألة جلب الاستثمارات أمراً صعباً، لأن البنية التحتية المطلوبة للاستثمار تكون غير متوفرة بالمقاييس الدولية المعروفة، سواء على مستوى القوانين والأنظمة، أو على مستوى تأمين شبكة الطرق المختلفة وجودتها، وتوفر مختلف أنواع المرافق الضرورية لعمل الاستثمارات والتجارة والتنمية الاقتصادية.

إن التخلف الاجتماعي يؤدي إلى زيادة في معدلات الفقر والبطالة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وعلى المستوى الاجتماعي، يؤدي التخلف الاجتماعي إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية الصعبة، مثل زيادة معدلات الجريمة والعنف والتمييز والتفرقة، وتراجع مستوى الثقة بين أفراد المجتمع وتفكك العلاقات الاجتماعية.

أما بما يخص الجانب السياسي، يؤدي التخلف الاجتماعي إلى تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإلى زيادة حدة التوترات الاجتماعية والسياسية، على اعتبار أن البنية السياسية هي من يسهّل إدارة التنمية أو يسبب في عجزها، لأن البنية السياسية المنغلقة على ذاتها، كالأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية لا تهمها عملية التنمية في البلاد قدر اهتمامها بالحفاظ على هيمنتها على القرار السياسي، واستخدام السلطة للنهب عبر الفساد.

هذه الحالة تمنع بنى المجتمع من تطوير نفسها نتيجة تراكم خبراتها الاقتصادية أو الخدمية أو الفكرية والثقافية، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الصراعات والحروب والتدخلات الخارجية، وتفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة.

أما بما يتعلق بالتخلف الاجتماعي على المستوى الثقافي، فإن ذلك يؤدي إلى تراجع مستوى التعليم والثقافة والفنون، وعدم المبادرة إلى تأسيس مراكز بحوث متخصصة بقضايا الاقتصاد بفروعه، والقضايا الاستراتيجية، وخصوصاً ما يتعلق منها بتحديد اتجاهات التطور ضمن هذا التخلف، وهذا يؤدي إلى منع تعميق الهوية الثقافية للمجتمع، ويزيد من التفرقة والتمييز والتفاوت الاجتماعي.

لذلك، تتطلب مواجهة مشكلة التخلف الاجتماعي تبني استراتيجيات شاملة ومتكاملة، تشمل تحسين البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية وتعزيز التعليم والصحة والثقافة، وتعزيز المشاركة السياسية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد والتمييز والتفرقة، وتوفير فرص العمل وتحسين مستوى الدخل الفردي والاقتصادي، وتعزيز العلاقات الاجتماعية وتحسين جودة الحياة. ويتطلب ذلك تعاوناً وتضافر جهود المجتمع بأكمله، بما في ذلك الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية قوية وتخطيط استراتيجي طويل الأمد، وتوفير التمويل اللازم وتعزيز الشراكات بين القطاعات المختلفة. ويجب أن يكون هناك تركيز على تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للفئات الأكثر تضرراً، مثل الفقراء والنساء، والأطفال، والشباب، والأقليات. ويجب أن يتم تشجيع المشاركة الفعالة للمجتمع المحلي وتعزيز الحوكمة المحلية وتعزيز الشفافية والمساءلة.

بشكل عام، يجب أن يتم التركيز على تحقيق التنمية المستدامة والشاملة، وتحسين جودة الحياة للجميع، وتعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ويجب أن يتم تحقيق ذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات والمعرفة والتكنولوجيا، وتعزيز الشراكات بين الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

ختامًا، تُعد ظاهرة التخلف الاجتماعي من القضايا الشائكة التي تتطلب معالجة منهجية متكاملة ترتكز على بناء الإنسان وتنمية قدراته، وقد أظهرت هذه الدراسة الآثار السلبية البالغة للتخلف على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، مما يستوجب التصدي الفاعل لهذه المعضلة.

ويجب ضرورة تبني إصلاح سياسي شامل يقوم على مبادئ الديمقراطية والشفافية، وكذلك زيادة الاستثمار في التعليم والتدريب لبناء كوادر بشرية مؤهلة، كما ينبغي سنّ سياسات اقتصادية عادلة لتقليص الفقر والفوارق الاجتماعية، وأخيرًا، لا بد من تكاتف جهود كافة مؤسسات المجتمع المدني مع الحكومة لوضع استراتيجية شاملة لمكافحة هذه الآفة والنهوض بالمجتمع.

أ. ميسون محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top