حقوق المرأة السورية في الثورة.. بين طموحاتها وحركة الواقع

حقوق المرأة السورية في الثورة.. بين طموحاتها وحركة الواقع

الحديث عن ثورة شعبية في بلدٍ ما يقتضي بالضرورة أن يشمل مكونات هذا البلد الاجتماعية وتطورات وضعها ووضع الفرد فيها، وهذا يعني انعكاس قيم هذه الثورة على وعي الناس، وكذلك، على وضع حقوقهم التي ثاروا من أجل نيلها.

والحديث عن الثورة السورية التي تفجّرت عام 2011، وكانت عبارة عن احتجاجات سلمية أخذت شكل التظاهر، يقود إلى تتبع مسارها عبر ما أنجزته في كفاحها، الذي لا يزال مستمراً ضد الاستبداد.

هذا الكفاح، يعني الإصرار على التغيير بصورة عامة، وعلى محتوى الحقوق والواجبات في النص الدستوري لاحقاً، ويظهر ذلك عبر دور المرأة في الثورة، وقدرتها على تبوّأ مراكز قيادية بما يخصّ مؤسسات الشأن العام، فهل تحقق بعد اثنتي عشر عاماً من قيام هذه الثورة؟

في الحقيقة ينبغي الاعتراف بوضوح، أن الثورة السورية بدأت بمطالب تتعلق بالحريات السياسية والعدالة الاجتماعية، وهي ذهبت إلى الإعلان عن ضرورة اجتثاث الفساد في بنية مؤسسات الدولة، وهذا لن يتحقق بدون دولة قانون ومؤسسات مستقلة عن تدخل السلطة التنفيذية فيها، والتي تتكثّف بمؤسسة الرئاسة وأجهزة الأمن.

الثورة تمّ اختطافها من قبل قوى إيديولوجية وسياسية، لا تهتم لحقوق المرأة، لأن همّ هذه القوى ينصبّ على إزاحة نظام استبداد قهري بما يخصّ السياسة والاقتصاد، والمحتوى الأيديولوجي لهذه القوى لا يزال يُشتق من مفاهيم لا تعترف بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمرأة في ظل تنمية وطنية شاملة.

فحقوق المرأة في هذه الحالة، ينبغي أن تكون محددة بنصوص، لا تقبل التسويف والتأويل والاجتهاد، بل تكون نصوصاً واضحة المعنى والمحتوى، كأن نقول: إن نسبة تمثيل المرأة في مؤسسات الحكم التشريعية والقضائية والمجالس المحلية ينبغي ألا تقلّ عن ثلاثين بالمئة من الشاغلين لمقاعد هذه المؤسسات.

هذه الخطوة لم تلق حقها في خضمّ مسار الثورة، فالمحتوى الفكري السائد نتيجة اختطاف الثورة لا يسمح بتحقيق ذلك، بسبب النظرة الدونية نسبياً إلى قدرات المرأة على لعب دور فاعل في الشأن العام، فتلك النظرة ترى في المرأة دور الزوجة والأم ومربية الأطفال فقط، ولا ترى فيها عقلاً إنسانياً مكتملاً، قادراً على فهم العملية السياسية، أو قادراً على تغيير اتجاهات هذه العملية، رغم أن نسبة الإناث بالنسبة للذكور متساوية نسبياً.

الثورة وعبر مؤسساتها، لا تزال بعيدة عن فهم حقوق المرأة السورية، وخير دليل على ذلك هو نسبة إشغال النساء في هذه المؤسسات، فهذه النسبة لا تزال متدنية جداً، وهو أمرٌ مقلق، فإبعاد المرأة عن حقها في صنع قرارات مجتمعها، يعنى في المقام الأول تمييزاً جنسياً بين الذكور والإناث البالغين، وهو بمنظور التطور الاجتماعي العام هدرٌ لطاقات وقدرات نصف المجتمع.

لقد شكّلت مجموعةٌ من النساء منظمةً ذات إطار سياسي واجتماعي، تهتم بحقوق المرأة، وتناضل في خضم الثورة من أجل الوصول لحقوق مشاركتها في صنع القرارات السياسية، والاجتماعية الوطنية. هذه المنظمة لم تكن منظمة خاصة بالنساء، بل ذهبت لتكتسب دعماً مجتمعياً بمنح نسبة انتساب للرجال في صفوفها.

هذه المنظمة مارست هي الأخرى التمييز وفق النسبة بين الأعضاء من الجنسين، فهي انحازت إلى بنات جنسها، وكأنها تريد القول إنها الممثل الحقيقي لنساء سوريا، وهو أمر خاطئ، ويمكن توضيحه. حيث المجتمع لا يستوي على مستوى الحقوق والواجبات بدون كفاحٍ جدي تقوم به قوى المجتمع ذات الوعي الإنساني العميق، الذي يشترك به الجنسان (الرجال والنساء).

لهذا لا يمكن بناء منظمات على أساس الجنس، بل على أسس اجتماعية وسياسية واقتصادية وفكرية وثقافية تخص المجتمع بأفراده جميعاً دون تمييز على أي مستوى.

إن المرأة السورية خسرت في صراع الثورة مع قوى الاستبداد كثيراً من فرص مشاركتها الحقيقية المفيدة في بناء المستقبل السوري، وهذا يتطلب من القوى المؤمنة ببناء دولة المؤسسات الديمقراطية والحريات الكفاح الجدي من أجل ترسيخ حقوق متساوية للمرأة السورية في دستور البلاد الجديد القادم.

إن التساهل حيال حقوق المرأة السورية بعد هذا الصراع المرير مع نظام الاستبداد، يعني إنكاراً فجّاً وغير مقبول، ويعني إغماض العينين عما دفعته المرأة السورية من أثمان باهظة في سبيل تحرير مجتمعها من القهر والفساد والاستبداد.

أعتقد أن خلق تنظيم فعال للدفاع عن حقوق المرأة يقتضي التركيز على مبادئ المساواة والعدالة بين الرجل والمرأة، دون أي تفرقة أو تمييز. إن الكفاح من أجل تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة كإنسانين يستوجب النظر إليهما على أساس المساواة في الكرامة والحقوق. وهذا ما سيضمن شرعية التنظيم أمام الجميع لتحقيق أهدافه.

تحرير المجتمع من التمييز الجنسي هو عمل يتشارك به الجنسان، ويمكن النهوض به من خلال أحزاب أو تيارات سياسية تضمّ في صفوفها الرجال والنساء دون تمييز، وهذه مهمة مجتمعية تخص المجتمع كله وليس جنساً محدداً لوحده.

سوريا لن تتمكن من بناء تنميتها الشاملة القادمة، دون تحرير طاقات النساء وقدراتهن في كل المستويات، وفي مقدمتها المشاركة في صنع القرارات السياسية والإدارية، والاقتصادية والتربوية وغيرها.

أ. ميسون محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top