لقاء صحفي مع د. رغدان زيدان في الذكرى الثالثة عشرة للثورة السورية

لقاء صحفي مع د. رغدان زيدان في الذكرى الثالثة عشرة للثورة السورية

تحل الذكرى الثالثة عشرة لانطلاق الثورة السورية المباركة، مصحوبة بتقييم شامل لمجرياتها ونتائجها، ففي هذه السنوات، تباينت أحوال الثورة بين نجاحات حققتها وعثرات مرت بها، ما دفع السوريين للاستمرار بالبحث عن إجابات للأسئلة المستجدة. وفي هذا السياق، يوجد شخصيات مؤثرة في مسار الثورة، من نشطاء ومفكرين، يعتبرون مصادر قيمة للإجابة عن تلك الأسئلة، وقد أجرى مركز مقاربات للتنمية السياسية مقابلات مع بعض هؤلاء الأيقونات، ومن بينهم الدكتورة رغداء زيدان، حيث تم طرح العديد من الأسئلة المتعلقة بالثورة السورية عليها، فكانت إجاباتها تحمل معانٍ عميقة تلقى اهتمامًا كبيرًا من الجمهور، وكان الحوار كالتالي:

من وجهة نظري فإن الاستمرارية ليست في الثورة، بل بمطالبها، ولعل من أبرز سمات هذه الاستمرارية الإصرار الذي يبديه السوريون والسوريات المعارضون للنظام على إزاحته، وبناء سورية حرة قوية بعيدة عن الاستبداد.

ما نراه اليوم من مظاهرات وشعارات ومطالب للسوريين والسوريات في المناطق المحررة دليل على ذلك، وكذلك حراك السويداء ودرعا، ورغم ما يبدو من انسداد لأفق الحل السياسي، ومن سوء في الأحوال المعيشية للناس، إلا إنهم مازالوا مصرين على إزاحة النظام، ومحاسبته، وإنهاء حقبة الاستبداد المظلمة من تاريخ سوريا.

غيرت الثورة السورية الكثير في حياة السوريين والسوريات، بعض هذه التغيرات كانت سلبية، وبعضها كانت إيجابية. وإذا تجاوزنا السلبيات المتعلقة بالفقد والتهجير والفقر وغيرها من المآسي التي ما زال كثير منهم يعاني منها، فإن الثورة فتحت آفاقاً جديدة للسوريين والسوريات لم تكن متاحة لهم، ومكنتهم من التعرف إلى أمور لم يكونوا يعرفونها، وأشعرتهم بأهمية بلدهم وأهمية الدفاع عنها وإنقاذها من هذا النظام المجرم المستبد، كما أنها صقلت تجاربهم الحياتية، ووصلتهم مع العالم بثقافاته وحضاراته، وعلمتهم درساً مهماً في العلاقات سواء على المستوى الفردي أم الجماعي.

لا أحد يستطيع أن يقول إن الوضع الذي نعيشه اليوم في المنطقة، هو وضع جيد، فالأمور تبدو معقدة وصعبة للغاية، هناك تغيرات على مستوى العالم، وهناك مرحلة انتقالية كبيرة يعيشها العالم ككل، ترسمها منطقتنا بشكل خاص. لذلك فإن الحديث المجرد عن النصر أمر ليس واقعياً برأيي.

لكن يجب أن نتذكر أن النصر الذي ننتظره له صور عديدة، وليس صورة واحدة، قد يكون من تلك الصور وصولنا لمرحلة فهمنا فيها سوء الاستبداد وضرورة بناء دولة تحترم الإنسان وضرورة تنظيم علاقات الناس وفق قانون فاعل يسود على الجميع.

وقد يكون من هذه الصور فهمنا الأكثر وضوحاً للنظام العالمي، وكيف يجب أن نتعامل معه لنحصل على حقوقنا، ولنحافظ على بلدنا….إلخ. صور عديدة أراها وفق وجهة نظري أنها من صور النصر، وعلى النخبة اليوم واجب تجلية هذه الصور للأجيال القادمة، وتوعيتهم بها، وإعدادهم لها. ليس النصر كسب معركة فقط، ولكنه يعني أننا يجب أن تكون أفضل من قبل، ولهذا فإن تربية الإنسان، وإعداد الأجيال لبناء الحضارة هو سبيل النصر الأكيد.

وباختصار، فإن طبيعة العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع هي التي قد تعبّر عن “ميلاد مجتمع” في التاريخ، كما كان يرى مالك بن نبي رحمه الله، وكلما كانت النخب قادرة على التأثير في طبيعة هذه العلاقات عن طريق الأفكار كلما استطعنا بناء مجتمع صحيح قوي.

مشكلة الأفكار هي أحد أهم الأسباب المؤثرة على قدرتنا على النهضة والفعالية. والاهتمام بالأفكار يفتح أمامنا المجال لملاحظة الأثر النفسي الاستبدادي الاستعماري الذي جعلنا اليوم على ما نحن عليه من ضعف وتشتت.

طوفان الأقصى جاء تأكيداً على ضرورة ثورات الربيع العربي، فما نراه اليوم من فجور إسرائيلي مدعوم من قبل معظم حكومات “العالم الأول”، ومن قبل حكومات عربية تشارك علانية في حصار وتجويع الشعب الفلسطيني دليل على ضرورة ثورات الربيع العربي التي تنادي بإزاحة الاستبداد وحماية الإنسان وكرامته.

بالإضافة إلى أن طوفان الأقصى أظهر بشكل واضح كيف أن شعارات حقوق الإنسان التي ترفعها الدول العظمى هي مجرد حبر على ورق، وهو ما أدركه كثير من ناشطي المجتمع المدني في تلك الدول، والذين أدركوا أيضاً حجم الأكاذيب الصهيونية المدعومة من قبل حكوماتهم، وهو ما سيعني تغيراً كبيراً بدأت بوادره بالظهور سينعكس على وجود إسرائيل نفسها.

هذا عدا عن انكشاف الموقف الإيراني الذي لم ينخرط حتى الآن في جهود إنقاذ غزة أو الدفاع عنها، رغم تعرضه لبعض الضربات الإسرائيلية والأمريكية، وبرأيي فإن التغلغل الإيراني في سوريا لن يبقى كما هو عليه، وسيكون هناك ترتيبات جديدة في سوريا، وفي المنطقة ككل، فطوفان الأقصى سيدفع الدول كلها لإعادة حساباتها من جديد.

كان من أهم النجاحات التي حققتها الثورة هي أنها:

  • أسمعت صوت السوريين والسوريات المطالب بالحرية للعالم كله.
  • أظهرت للعالم قبح نظام الأسد وجرائمه.
  • عرّت الأنظمة والحكومات الداعمة لمصالحها الضيقة الرخيصة، على حساب حياة البشر والمجتمعات.
  • كشفت عن زيف دعاوى الدول التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وهي تدعم القتلة.
  • ولعل أهم نجاح للثورة أنها بيّنت للسوريين والسوريات أهمية بلدهم، وما فيها من ثروات، ومقدار العمل الذي عليهم بذله لأجل الحفاظ عليها وبنائها من جديد.

لا يوجد ثورة في العالم بلا أخطاء وبلا عثرات، الثورة هي تحريك عنيف، ومع التحريك العنيف هناك خسائر ولا شك، لا يوجد في العالم ثورة مرتبة ومنطقية.

لكن أظن أننا نمر اليوم بالمرحلة الثالثة من الثورة (مرحلة الأزمة، حسب كرين برينتن صاحب كتاب تشريح الثورة) إذ بلغت فيها الأمور الذروة من السوء، وبالتالي سنأتي إلى المرحلة الرابعة والأخيرة من الثورة (مرحلة الخلاص)، وفي هذه المرحلة ما يجب علينا فعله والحرص عليه هو ألا نعود مرة أخرى لما كنا عليه قبل الثورة، ولا يجب أن نكتفي ببعض الإصلاحات، بل يجب العمل على بناء بلدنا بصورة صحيحة، وأولى مراحل هذا البناء العمل على تحقيق عدالة انتقالية مناسبة لحالنا، ووضع دستور فاعل ومحمي من عبث المستبدين.

أقول لهم: إن الله يسمع ويرى، ويوم العدل على الظالم، أشد من يوم الظلم على المظلوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top