في الذكرى الـ13 للثورة السورية لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

في الذكرى الـ13 للثورة السورية لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

عندما اندلعت الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، وصار واضحا أن دائرة الاحتجاجات التي ميزت جميع ثورات الربيع العربي أخذت تتوسع ويزداد المحتشدون تصميماً على المواجهة بالرغم من العنف المفرط الذي تعرضت له كان أول ما خطر في ذهني وسجلته في مقالة بعنوان “المعجزة السورية” أن الثورة السورية انتصرت. ويعني الانتصار هنا أن النظام لم ينجح بالرغم من امتلاكه الةً قمع قوية وتهديده المحتجين بالرصاص في منع الجمهور من تحدي ارادته والتغلب على خوفه والنزول إلى الشوارع .

فالثورة تعد ناجحة في اللحظة التي يكسر فيها الجمهور جدار الخوف ويعلن نهاية عهد القهر والاضطهاد.

تماما كما تخسر الأنظمة رهانها منذ اللحظة التي يصبح فيها العنف غير قادر على ردع الجمهور وإجباره على الاستمرار في الخضوع والطاعة وبالتالي استحالة عودة الأمور إلى الوراء ثانية، وهذا ما حصل لجميع ثورات الربيع العربي التي شهدت رحيل الرؤساء وإسقاط النظام الفردي.

لكن اسقاط النظم لا يعني تلقائيا قيام نظام جديد ولا يوجد مثل هذا النظام جاهزا لا في عقل الجمهور ولا في شروط الواقع. هذه معركة اخرى تحتاج الى قوى سياسية وشروط اجتماعية وجيوسياسية مختلفة.

بهذا المعنى لا يختلف مآل الثورة السورية كثيرا عن مآل الثورات العربية الأخرى، مع فارق واحد، لكنه كبير، هو أن تدخل القوى الإقليمية والدولية لم يأت بعد سقوط النظام أو ترنح أركانه ليحول دون قيام النظام الجديد او يقطع الطريق عليه كما حصل مع العديد من هذه الثورات وإنما جاء مباشرة منذ بداية الأحداث لإجهاض الثورة ومنع النظام من السقوط.

هذا ما حصل جزئيا في ليبيا وبشكل كبير وشامل في سوريا، وهو الذي يفسر الطابع الاستثنائي لمسار ثورة السوريين خلال السنوات الماضية، حيث تحولت الثورة المضادة المدعومة بالقوى الخارجية، وفي مقدمها مليشيات إيران، إلى حرب إبادة جماعية حطمت المجتمع وشردت نصف الشعب ودمرت الاقتصاد والمرافق العامة تماما كما يحصل في غزة اليوم وقسمت البلاد إلى إمارات حرب تسيطر عليها المليشيات وتعمل تحت إشراف الدول الأجنبية وتحافظ على سيطرتها ومناطق نفوذها.

لا يرجع هذا الإخفاق في عملية بناء الجديد، في سوريا وبقية البلدان العربية التي شهدت ثورات شعبية عفوية مماثلة إلى ضعف القوى الثورية وضعف التنظيمات السياسية والمدنية التي هي إرث النظام الاستبدادي ونظام الحكم العرفي الدائم فحسب ولا إلى الأخطاء التي وقعت فيها الأطراف الاجتماعية المختلفة التي شاركت في إطلاق الثورة وقيادتها فقط، وإنما أيضاً إلى تدخل القوى الخارجية، العربية والدولية، كما حصل في مصر وتونس واليمن والبحرين بشكل واضح، والواقع أن هذا التدخل يكاد يكون أحد القوانين التي تحكم جميع الثورات التي حصلت في القرنين الماضيين، ذلك أن التغيير في نظم الحكم في هذا البلد أو ذاك لا يمس التوازنات الاجتماعية والسياسية الداخلية فحسب ولكنه يهدد بتغيير التوازنات الإقليمية والدولية.

يقودني هذا إلى التذكير ببعض ما يمكن أن نسميه دروس الثورات الشعبية الراهنة ومآلاتها في البلاد العربية كما هو الحال في أكثر بلدان العالم، والتي يمكن أن نستفيد منها في توجيه ثورات المرحلة التالية.

الأول هو أنه لا توجد ثورة على نظم قهرية تنعدم فيها كل أشكال الحرية الفكرية والسياسية ولا تستمر إلا بتأبيد الأحكام العرفية وهي تملك سلفا عوامل انتصارها من وعي بالمشاكل والتحديات وتنظيمات سياسية فاعلة. فهي بالتعريف انفجار عفوي ورد فعل على شروط حياة وضغوط داخلية وخارجية لم يعد من الممكن احتمالها تنطلق عندما تجد الفرصة سانحة ويختل توازن النظام القائم. وهي تجري في مجتمعات حرم عليها النقاش والحوار والنشاط السياسي وبالتالي فهي عديمة التنظيمات السياسية والنقابية والمدنية أو فقيرة جدا بها. وحتى لو نجحت في القضاء على نظام قائم فقد شرعيته وقدرته على الردع في مواجهة ملايين البشر الغاضبين، فهي غير قادرة بجرة قلم على وضع أسس نظام جديد يستجيب لتطلعاتها.

اذ ليس من السهل بل إن من المستحيل على الجمهور الثائر الذي توحده إرادة مشتركة بسيطة لتغيير النظام أن يكتشف أو يطور بسرعة عهدا اجتماعيا ورؤية مشتركة للمستقبل بل حتى خطة واستراتيجية واحدة لمواجهة القوى المضادة، فهذه الثورات العفوية لا تملك تنظيما سياسيا وعسكريا وخططا مسبقة للثورة، ولا يمكنها المراهنة على نخب منظمة ثقافية وسياسية تكاد تكون غير موجودة أو عديمة الوزن وشديدة الانقسام، بعكس ما عرفته الثورات السياسية والاجتماعية التي سادت في بدايات القرن الماضي باسم التحرر الوطني أو الوحدة القومية أو الثورة الاشتراكية والشيوعية وقادتها نخب سياسية ومثقفة تمرست بالنضال وخاضت فيما بينها معارك فكرية وبلورت وعيا مشتركا وأيديولوجيات جامعة وطورت خططا واستراتيجيات عقلانية واضحة ومسبقة لمواجهة القوى المحلية والأجنبية.

أما الدرس الثاني فهو أنه “في عالم أصبح شديد الترابط والتداخل في المصالح والمصائر من المستحيل ألا تثير ثورة أي شعب، مهما كان ضعيفا وهامشيا، شهية الدول الإقليمية الأكبر بل والقوى الكبرى ذاتها لاستغلالها، سواء بالاستثمار فيها أو بالمساهمة في تحطيمها لتحقيق مصالح خاصة بها.

والسؤال: “هل يحكم هذا الوضع على المجتمعات الثائرة بالبقاء في قبضة النظم القهرية والفاسدة والاستبدادية إلى الأبد؟

بالتأكيد لا، لكنه يدفع أو ينبغي أن يدفع إلى التفكير في الدرس الثالث المهم المرتبط بدور النخب المثقفة والسياسية في التأثير على مستقبل كفاح شعوب المنطقة ومآلات ثوراتها وانتفاضاتها التي لم تكن ثورات العقد الثاني من هذا القرن سوى الدفعة الأولى على حساب كبير وعسير، بين النظم وشعوبها .

وللأسف لعب الاعتقاد السائد عند معظم عناصر هذه النخبة المحدثة في ان فشل التغيير ناجم عن تخلف الشعب ومن ثم ان من العبث الاستثمار في مشاريع التغيير قبل ان يتطور الشعب ويتغلب على اميته وجهله وتخلفه، ولا يزال يلعب دورا مدمرا في تعميق الهوة بين الطرفين ويساهم في خلق الفراغ السياسي ودفع الجمهور الى تسليم قياده الى أناس بسطاء او اصحاب مصالح أو إلى فتوات ضيقي الأفق. وهذا ما يحرم الحركات الاجتماعية الكبرى من قيادة تعي الى حد أو آخر تعقيدات السياسة وتقلبات الاحداث ودروس التاريخ وثقل الجغرافية.

د. برهان غليون
مقال لـ العربي 21

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top