اللاجئون في لبنان والاغتيالات السياسية.. بين بشير الجميل وباسكال سليمان

اللاجئون في لبنان والاغتيالات السياسية

أثارت موجة الأحداث المقيتة التي تعرض لها اللاجئون في لبنان من ممارسات عدوانية وعنصرية حفيظة شريحة واسعة من الجهات. وقد شجبت وأدانت هذه الممارسات التي تعتدي على آدمية الإنسان السوري في لبنان وتهدر كرامته الإنسانية. وذلك بعد حادثة الاغتيال السياسي التي استهدفت السياسي اللبناني باسكال سليمان منسق حزب القوات اللبنانية في منطقة جبيل. بعدما كشفت قيادة الجيش اللبناني أن منفذي عملية الاغتيال هم من السوريين الذين أرادوا سرقة سيارته ثم خطفوه. وبعدها تم تصفيته ونقل جثته إلى الداخل السوري.

ما يهمنا الآن، هو تفنيد وتحليل عملية الاغتيال من زاوية سياسية من شأنها فهم طبيعة ما يجري. فلماذا تم قتل باسكال في هذا التوقيت؟ ومن الجهة التي قتلت باسكال؟ وما علاقة التحولات الإقليمية والتطورات التي شهدتها الساحة الإقليمية في الآونة الأخيرة؟ لا سيما بعد هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق؟ وما مدلولات ومؤشرات التماهي الحكومي اللبناني مع الحملة العنصرية التي تطال السوريين في هذا الصدد؟

هل سيناريو مقتل بشير الجميل 14سبتمبر 1982 يتشابه مع مقتل باسكال سليمان؟

حادثة قتل باسكال سليمان إنتاج تاريخي لسيناريو مطروق

في واقع الأمر، من خلال عملية الاغتيال السياسي التي حصلت. يمكن للمتتبع للشأن اللبناني الوقوف أمام مفارقة تاريخية من شأنها أن ترجع بذاكرته السياسية إلى 14سبتمبر 1982. حين تم اغتيال رئيس لبنان المنتخب بشير الجميل مؤسس حزب القوات اللبنانية الكتائبية المسلحة.

وقد تم في ذلك الوقت ترسيخ فكرة أن الفلسطينيين الموجودين في لبنان هم من أقدموا على قتله بسبب قربه من إسرائيل، واللافت للانتباه على إثرها بعد ثلاثة أيام أنْ سهلت إسرائيل لحزب القوات اللبنانية بمحاصرتها لمخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين وارتكاب واحدة من أكثر المجازر وحشية في تاريخنا المعاصر. فقد حاصرت القوات الإسرائيلية المخيمين وقامت بإنارة المخيمين بقنابل ضوئية ليلاً. وسهلت لحزب القوات اللبنانية دخول المخيم وارتكاب أفظع مجزرة راح ضحيتها أكثر من 3000 من اللاجئين الفلسطينيين. والحقيقة أن هذه الجريمة نتاج فتنة دبرتها إسرائيل والمخابرات السورية لاستهداف وتصفية الوجود الفلسطيني بشقيه المسلح والمدني في لبنان. لا سيما منظمة التحرير الفلسطينية التي تم اعتبارها داخل الأوساط الإسرائيلية على أنها مصدر خطر يهدد الكيان الصهيوني.

قضية مقتل باسكال سليمان

واليوم قضية مقتل باسكال سليمان تعيدنا بقوة إلى الزاوية التي شهدتها فترة اغتيال بشير جميل. فالأدوات والوسائل والأساليب واحدة. أي خيوط لعبة مقتل باسكال وجميل واحدة لكن باختلاف بسيط بالغايات الإسرائيلية والمجريات. فحادثة قتل بشير الجميل كانت ذريعة من قبل إسرائيل وحليفها حزب القوات اللبنانية، أُريد منها تصفية الوجود الفلسطيني في لبنان.

أما حادثة قتل باسكال فغايتها الأساسية تهيئة الظروف المواتية لضرب وتصفية وجود اللاجئين السوريين في لبنان وهو ما يخدم نظام بشار الأسد. أما إسرائيلياً تهيئة ظروف مواتية للقيام بضربة عسكرية إسرائيلية لأذرع إيران في لبنان. لا سيما حزب الله، وذلك من خلال تكريس حالة الفوضى الطائفية أو زرع فتيل فتن طائفية واستغلال مرحلة تصعيد أو رد إيراني مؤطر ومحتمل على الاعتداء الأخير على القنصلية الإيرانية في دمشق.

وفي هذه الحالة تكسب إسرائيل ونظام الأسد مكاسب إقليمية؛ الأولى: تعاون الأسد في تقديم خدمة لأعداء إيران والتي بدأت بتورط المخابرات السورية بتقديم معلومات استخباراتية لإسرائيل بمكان 8 إيرانيين في القنصلية الإيرانية في دمشق من بينهم محمد رضا زاده القيادي الكبير في الحرس الثوري الإيراني والمسؤول عن فيلق القدس الإيراني في سوريا. مما يعني تحقيق مكاسب تقاربية مع محور التطبيع مع إسرائيل لا سيما السعودية والإمارات وباقي الدول العربية؛ كالأردن والتي لا يزال معظمها ينتابها الشك والقلق من التعاون معه. وبالتالي، توسيع بوابة القبول العربي له كنظام متورط بشكل كبير في بعض القضايا الإقليمية. ومن أبرزها أزمة صناعة المخدرات وتصديرها إلى الدول المذكورة أعلاه.

مرض النظام السياسي بيئة مواتية لهذه الأنواع من الأزمات

على الجانب الآخر يسمح الفشل والعجز السياسي للأنظمة السياسية للاعبين الخارجيين من العبث في استقرار الحياة السياسية الداخلية للدول. على سبيل المثال. إن عجز لبنان في الوصول لصيغة سياسية توافقية، أو بالأحرى الخلافات والتناحر السياسي بين التيارات السياسية. وحكم المحاصصة الطائفية. وازدواجية السلطة السياسية، وتغليب كفة مليشيا خارجة عن الدولة على حساب الدولة. وإفلاس الحكومة وعدم كفاءتها في معالجة التقلبات والأزمات السياسية والاقتصادية يجعلها عرضة للاستجابة. والتماهي مع هذا النوع من الخطابات والممارسات العنصرية بحق اللاجئين السوريين.

فبعد إعلان مقتل باسكال سارع وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي قيادة حملة تحريض عنصرية على اللاجئين السوريين. وذلك لطمس معالم الجريمة الحقيقية وإثبات ما يمكن نفيه. وأن هذا المشهد يعطي مؤشرا واضحا على محاولة النظام السياسي التغطية على فشله في إدارة البلاد بكفاءة والنزول إلى مستوى خطاب الشارع المريض الذي يتوجب عليه إصلاحه. فهو ذهب باتجاه محاباة خطاب الشارع العنصري بدل من إصلاحه. وحابى حزب الله كسلطة أمر واقع في لبنان.

أثر مقتل باسكال سليمان

يظهر ذلك جلياً أيضا من قضية مقتل باسكال سليمان إبان اغتيال باسكال سليمان إلى تشكيل ما يشبه نظام العصابات داخل المناطق والقرى والبلدات اللبنانية لاستئصال وجود اللاجئين السوريين في لبنان. علما أن باسيل تدرج في عدة مناصب وزارية من وزير الاتصالات في حكومة سعد الحريري إلى وزير الطاقة ووزير الموارد المائية إلى وزير الشؤون الخارجية. وعلماً أن جبران باسيل تصدر واجهة الدفاع عن المسيحيين. وهو الذي أعطى الموافقة المسيحية للإبقاء على سلاح حزب الله كسلاح شرعي. ووجهت لباسيل العديد من الاتهامات بقضايا الفساد الإداري والمالي والسياسي.

على ضوء هذه المعطيات. يمكن القول إن الاعتداءات العنصرية وانتهاكات حقوق الإنسان التي طالت اللاجئين السوريين بسبب اتهامهم بقتل باسكال سليمان في 9 أبريل 2024. ماهي إلا لعبة سياسية تهدد الأمن السياسي الداخلي في لبنان، وإن أطراف هذه الفتنة هم نفسهم أطراف مدبري فتنة مقتل بشير جميل 14 سبتمبر 1982. لكن في الأولى المستهدف اللاجئون الفلسطينيون، أما في الثانية هم اللاجئون السوريون في لبنان، وأن المدبر والمخطط والسيناريو واحد. وأن هشاشة وضعف الأنظمة السياسية تشكل بيئة مواتية لمثل هذه المشاكل والأزمات.

أ. إبراهيم عدنان المحمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top