الهجوم الإيراني على إسرائيل

الهجوم الإيراني على إسرائيل.. الأسباب والنتائج والمصالح

في تطور غير مسبوق منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979. تصدر خبر الهجوم الإيراني بالصواريخ والمسيرات على “إسرائيل” الكثير من وسائل الإعلام العالمية والإقليمية، بل إن هذا الحدث أصبح الشغل الشاغل والحديث المتداول بشدة في مراكز التحليل السياسي والإعلامي. وإن الليلة الماضية شهدت ترقب غير مسبوق لما ستؤول إليه الأمور في منطقة الشرق الأوسط والتي تعتبر حالياً أكثر بُؤرة إقليمية سخونة بالصراع الإقليمي والعالمي. لاسيما بعنوانها العريض “حرب إسرائيل” على إيران ووكلائها حسب مفهوم العقيدة الإسرائيلية.

فما هي الدوافع الحقيقية التي تقف وراء الهجوم الإيراني على “إسرائيل”؟ وما هي انعكاسات هذا التحول على كل من إيران و”إسرائيل” في المنطقة؟ وهل ما عاشه الشرق الأوسط فعلاً هو حالة حرب حقيقية أم عبارة عن حدث خلبي وهمي؟ وهل كان الهجوم الأمريكي استكمال حقيقي للبروبوغندا الإيرانية من أجل استمالة العرب المحتقنين أساساً من همجية “إسرائيل” وبربرتيها في غزة؟

الهجوم الإيراني على إسرائيل ..دوافع إقليمية

في حقيقة الأمر. ظاهرياً كان الاستهداف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق واحداً من أكثر الأسباب التي أعطت إيران الحق في الرد على “إسرائيل”. لأن أماكن تواجد البعثات الدبلوماسية والقنصلية يعود أُصولاً إلى الدول الوافدة. فهي بهذا المعنى، بشكل أو بآخر تعتبر القنصلية الإيرانية في دمشق أرضاً تتبع لإيران وجزءاً من أراضيها وجزءاً من سيادتها أيضاً. وهذا المبدأ الذي أقرت به مواثيق ومعاهدات القنصلية لاسيما اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية 1963. لذلك اعتبرت إيران أن استهداف القنصلية الإيرانية في الثاني من ابريل 2024 ما هو إلا اعتداء وخرق للسيادة الإيرانية. وهو ما استدعى إيران للاستجابة والرد على هذا الاستهداف بغض النظر عن جديته وفعاليته.

من زاوية أعمق. يمكن ملاحظة أن الرد الإيراني تقف وراءه عدة دوافع إقليمية يمكن رصدها على ضوء التحولات الإقليمية وخاصة الأخيرة منها.

فكانت مسألة انغماس الغرب و”إسرائيل” في مستنقع الحرب مع الفلسطينيين والفاتورة الاقتصادية والسياسية والمعنوية التي تم دفعها في غزة محرضاً قوياً لإعادة تشكيل الحسابات الإيرانية الجيواستراتيجية في المنطقة العربية.

وذلك من خلال إجبار جميع الفواعل والأطراف الإقليمية على تشكيل حساباتهم الجيوسياسية. انطلاقاً من عدم استثناء الفاعل الإيراني الذي أراد بإلحاح إعادة ترسيخ الصورة النمطية بقوة على أنه القوة الاقليمية الأكثر نفوذاً وتأثيراً في حلبة الصراع الاقليمية بشكل مطلق. بالاستفادة من كسر النمطية الإسرائيلية التقليدية القائمة على أساس أنها القوة العظمى في منطقة الشرق الأوسط.

المعيارية الأمريكية القائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتي تآكلت أكثر بعد حرب غزة. بسبب تماهي إدارة بايدن في توفير دعم مالي ولوجستي غير محدود لـ”إسرائيل”. التي ارتكبت أبشع جرائم الحرب ومارست أبشع شكل من أشكال إرهاب الدولة في غزة والذي يعتبر انتهاكاً صارخاً للمواثيق العالمية لحقوق الإنسان لاسيما ميثاق الأمم المتحدة. والميثاق العالمي لحقوق الإنسان والذي تبنته الامم المتحدة رسمياً 10 ديسمبر 1948.

إيران تروج لنفسها كمحور أساسي في معركة طوفان الأقصى

من ناحية أخرى. توسع إيران الطريق لنفسها كمصدر لاستمالة الشارع العربي والإسلامي وتنفيس حالة الاحتقان التي سادته بسبب التماهي والسكوت عن المجازر التي ارتكبتها “إسرائيل” في غزة.

والحقيقة أن الأنشطة العسكرية التي سلكها وكلاء إيران في المنطقة. مثل تهديد واستهداف الحوثي للسفن والناقلات الغربية في خليج عدن المتجهة لـ”إسرائيل” والمناوشات التي حدثت بين حزب الله و”إسرائيل” في شمالها. ما هي إلا حلقات لسلسلة إيرانية طويلة. هدفها ترويج نفسها على أنها محور أساسي مباشر إلى جانب حماس في معركة طوفان الأقصى.

بالإضافة لاستمالة الأوساط الشعبية المحتقنة إزاء الصمت العربي في العالمين العربي والإسلامي. وكانت الحلقة الآخرة وليست الأخيرة هي الهجوم الإيراني على “إسرائيل” ليلة الأمس. بالمسيرات والصواريخ التي تم اعتراضها أغلبها إن لم يكن جميعها.

أثر الهجوم الإيراني على إسرائيل

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا هل حالة الهجوم الإيراني على إسرائيل التي حدثت ليلة الأمس في ظل حالة الضخ الإعلامي وكثرة الصد والرد والتحليلات هي عبثية بدون إيجاد نمط تنسيقي من شأنه إدارة الهجوم من الطرفين. أو بالأحرى من جميع الأطراف المعنية؟

  • أولاً، حالة الاعتداء على القنصلية الإيرانية من وجهة نظر متواضعة هي ذات تأثير محدود جداً على إيران. وهي ليست بالخسارة الكبيرة من ناحية قتل الأشخاص الثمانية الإيرانيين. على رأسهم محمد رضا زاده كبير مسؤولي الحرس الثوري الإيراني ومسؤول عن فيلق القدس في سوريا. وذلك لأن إيران متفوقة بشكل كبير باستخلاف الأشخاص الاعتباريين من أزلامها بسرعة وديناميكية وحرفية عالية أيضاً.
  • والأمر الآخر تستفيد منه إيران في استهداف قنصليتها وقتل أزلامها وهو ترسيخ مظلوميتها لدولة تبحث عن زيادة مظلوميتها بالأساس. ولتعزيز وتحسين خطابها السياسي والإعلامي داخل أوساط الشارع العربي. والذي نشأت عنده صورة عن إيران بانها الخصم الأبرز. لاسيما بعد اندلاع ثورات الربيع العربي وضلوع إيران بجرائم بحق الشعوب العربية. تتمثل في إجهاض التحولات الديمقراطية العربية وإجراء تحالفات ميليشاوية مع الثورات المضادة. والتي أدت الى إراقة الكثير والكثير من الدماء التي طالب أصحابها بالحرية واحترام حقوق الإنسان والانعتاق من الاستبداد لاسيما في سوريا والعراق واليمن.

واللافت للانتباه أن إيران من خلال هجومها تريد تسويق نفسها كشريك أساسي باعتلاء موجه انتصار وصمود الفلسطينيين في قطاع غزة.

بكلمات أخرى، تريد أن تستثمر بصمود الغزاويين في وجه واحدة من أعتى قوى الاحتلال بربرية وعدوانا. من أجل مشاريعها الإقليمية، وبالتالي. إيران تبحث أكثر من السابق عن دور اقليمي كقوة عظمى وحيدة على الاطلاق في الساحة الإقليمية إلى جانب ذلك الوصول إلى الشارع العربي المحتقن اساسا. فهي تريد استمالته على أنها الخصم الوحيد لـ”إسرائيل” في ظل جمود أنظمته العربية التي تسعى للانخراط بنوادي التطبيع واتفاقيات ابراهيم مع “إسرائيل” تارة وتبدي صمتاً مهيناً عن الجرائم الإسرائيلية في فلسطين تارة أخرى.

فكلما زادت حالة التماهي العربي مع “إسرائيل”. كلما حصلت إيران على مكاسب في تغذية دعايتها في المنطقة العربية القائمة على معادات الغرب و”إسرائيل”. والاستفراد في خصومتهم لوحدها في ظل انشغال الفاعل التركي في المشاكل الداخلية المتمثلة في الخروج من صدمة الانتخابات البلدية. التي سببت تراجع شعبية الحزب الحاكم وخسارته أكبر البلديات في اسطنبول وأنقرة ومعالجة التقلبات والتضخم الذي يضرب عصب الاقتصاد التركي.

إسرائيل ودورها في البحث عن خصوم وهميين لجبر هزيمتها في غزة

لاشك أن عملية الهجوم الإيراني بدأت بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة الأمريكية. وحتى “إسرائيل” فإيران تجنبت الهجوم المباغت وسمحت لـ”إسرائيل” عبر الولايات المتحدة الأمريكية بتعزيز تدبيراتها الاحترازية من خلال تعزيز منظومة القبة الحديدية لاعتراض جميع مقذوفاتها.

وبنفس الوقت كان التهديد الإيراني بمثابة رسائل مبطنة لـ”إسرائيل” من أجل احتواء الهجوم بالطريقة التي لا تضر بالمنشآت الإسرائيلية. وعلى موازاة ذلك كانت الولايات المتحدة تجري التنسيقات الاستخباراتية مع إيران بشأن الهجوم. وهيئت ومازالت تهيئ بيئة ضخ إعلامية إقليمية ودولية قوية جداً، وهذا يصب في المصلحة الإسرائيلية.

فـ”إسرائيل” لا تريد أن تُثلم شوكتها في غزة بسبب خصم واحد وهو الفلسطينيين لوحدهم بل تريد أن تُشكل رأياً عالمياً عاماً على أنها دولة تخوض حرب متعددة الخصوم في هذه المعركة. ففي الحسابات الإسرائيلية والأمريكية حماس والفصائل الفلسطينية ما هي إلا عصابات صغيرة لا ترقى أن تصمد بوجه دولة عسكرية مثل “إسرائيل”. ففي وقت مبكر من الهجوم حاول الجناح الصهيوني المتطرف الضغط على حكومة نتنياهو المتمثل بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي. وايتمار بن غفير وزير الامن القومي ”الإسرائيلي”. من أجل توجيه ضربة مؤلمة لإيران، فمن هنا لابد من إشراك إيران من أجل استجرارها كحليف مباشر وعسكري للفصائل الفلسطينية.

بكلمات أخرى “إسرائيل” لا تستوعب أن تُهزم على يد حماس لوحدها فصدمة هزيمتها يكون أقل ألماً أمام الرأي العالمي. إذا تم الاعتقاد بأن إيران والفصائل الفلسطينية كانوا في خندق واحد ضد “إسرائيل”.

اختبار ولاء الحلفاء العرب

زيادة على ذلك أرادت “إسرائيل”. أن تختبر ولاء حلفائها العرب المجاورين وهذا ما بدا واضحاً وجلياً عندما أقدمت الدفاعات والطائرات الأردنية في اعتراض الصواريخ والمسيرات المتجهة للأراضي الفلسطينية المحتلة.

. إضافة إلى ذلك ممكن أن يعطي هذا الهجوم ذريعة إسرائيلية للقيام بأعمال عسكرية ضد البلدان المجاورة. كلبنان مثلاً ولـ”إسرائيل” نية عميقة في تدمير لبنان وتهجير سكانه المسيحيين والمسلمين تحت ذريعة ضرب حزب الله إما بالطريقة التي انتهجتها في حرب تموز 2006. وهي الطريقة الغير فعالة إذا ما تم مقارنتها بطريقة زرع الفتن في لبنان واستجراره لحرب أهلية طائفية طاحنة. وهذا ما يصب في المصالح الإيرانية والإسرائيلية معاً.

أ. إبراهيم عدنان المحمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top