من هم “عجيان البانهوف”
قبل سنوات أطلق عليهم السوريون “عجيان البانهوف” وفي الآونة الأخيرة، برز مصطلح “Talahon” في الأوساط الألمانية للإشارة إلى فئة من الشباب المهاجرين الذين يتسكعون حول محطات القطار. هذا المصطلح اكتسب شهرة واسعة بعد انتشار أغنية راب لمغن سوري اسمها “تعالهون”، بُعيدها زادت وتيرة حملات مناهضة اللاجئين التي يقودها حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، مما يثير مخاوف حول تأثير هذه الحملات على اللاجئين والمهاجرين في المستقبل.
الحملة ضد اللاجئين وتداعياتها
أثارت أغنية “تعالهون” نقاشات واسعة حول ظاهرة تجمع الشباب المهاجرين في محطات القطار. في هذا السياق، استغل حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) هذه الفرصة لتشويه صورة اللاجئين، وإطلاق حملات تحريضية ضدهم. هذه الحملات ليست مجرد انتقادات عابرة، بل تتضمن جوانب خطيرة تهدف إلى تجريد اللاجئين من إنسانيتهم وتصويرهم كعبء على المجتمع الألماني.
في علم النفس الاجتماعي، يُعرف هذا النوع من الحملات بعملية “نزع الإنسانية”، حيث يتم تصوير فئة معينة من الناس كأقل قيمة، أو كأشخاص غير مرغوب فيهم. هذه العملية تُسهِّل تبرير أي إجراءات قاسية تُتخذ ضدهم في المستقبل، سواء كانت قانونية أو غير قانونية. يشير هذا إلى إمكانية أكبر لحدوث “جرائم منظمة” ضد اللاجئين أو “تجاوزات بحقهم” تحت غطاء قانوني، مما يثير قلقاً كبيراً حول مستقبلهم في ألمانيا.
تأثير الحملات على الرأي العام
تعتمد هذه الحملات على توجيه الرأي العام الألماني ضد الأجانب، مستفيدة من حالات فردية لسلوكيات سلبية لبعض اللاجئين، لتعميم صورة سلبية على الجميع. هذا النوع من التعميم يُستخدم لتبرير أي إجراءات قمعية تُتخذ ضد اللاجئين في المستقبل.
فيكاد لا يخلو يوم بلا مشاركة حسابات “حزب البديل” أخبارا عن “جرائم” يرتكبها مهاجرون، مما يعزز الصورة السلبية للمهاجرين عند من يتابع معرفاته. فالدعاية السلبية التي يقومون بها تؤثر على العقل الباطن عند كثير من الناس ما يؤدي لخلق انطباع مسبق غير محبب.
الأخلاق والإنسانية يمكن تجزئتها بطريقة تُسهِّل على الناس قبول الظلم ضد الآخرين، فالجمال والقبح لهما تأثير لا يستهان به في بعض القضايا فعلى سبيل المثال، قتل صرصور يُعتبر عند البعض عملاً حسناً، بينما قتل فراشة يُعتبر عملاً شريراً. بنفس الطريقة، يُستخدم هذا المبدأ لتوجيه الرأي العام الألماني ضد اللاجئين، عبر تشويه صورتهم وتغذية انطباع مسبق سلبي ضدهم مما يخلق بيئة عدائية تجاههم.
التحديات النفسية والاجتماعية
الشباب المهاجرون الذين يُشار إليهم بـ”عجيان البانهوف” لا شك بأنهم يعيشون حالة رفض اللجوء وصراعات الذاتية بين المهجر والوطن، ويعانون من مشكلات نفسية وتربوية واجتماعية عديدة. فالوصول إلى بلد جديد والاندماج في مجتمع مختلف ليس بالأمر السهل وخاصة أن العديد من هؤلاء الشباب قدموا بمفردهم بلا ذويهم، ما يحرمهم من دور الموجه والمربي على سلوكياتهم، ويجعلهم يواجهون تحديات تتعلق بالبطالة، وصعوبة تعلم اللغة، والاندماج الاجتماعي بمفردهم. هذه التحديات تؤثر بشكل كبير على حالتهم النفسية والسلوكية.
المسؤولية المشتركة
ليس من العدل تحميل المجتمع السوري أو المهاجر بشكل عام كله مسؤولية تصرفات بعض الأفراد. ففي كل مجتمع يوجد الجيد والسيء، واللاجئون السوريون ليسوا استثناءً. المسارعة لتبرئة النفس من تصرفات البعض يعكس، وجود اتهام مسبق من قبل جزء من الشعب الألماني تجاه السوريين، وهذا الاتهام يجب أن يتغير. فالأصل هو أن يكون الفرد بريئاً حتى تثبت إدانته، وليس العكس.
يحتاج الشباب الذين يُعرفون بـ”عجيان البانهوف” إلى قدر اكبر من الدعم نفسي واجتماعي لمعالجة مشكلاتهم ويجب توفير برامج تأهيلية وتدريبية تساعدهم على الاندماج في المجتمع الألماني وتطوير مهاراتهم ليكونوا أفراداً منتجين.
دور الحكومة الألمانية
تقع على عاتق الحكومة الألمانية مسؤولية كبيرة في محاربة حملات تشويه صورة اللاجئين والمهاجرين، إذ يجب أن تتبنى الحكومة سياسات واضحة لدعم الاندماج، ومحاربة العنصرية والكراهية. إذا لم تُتخذ إجراءات حازمة في هذا الصدد، فإن الأمور قد تتجه نحو مسار خطير.
الحكومة الألمانية يجب أن تعمل على تعزيز التفاهم والتعايش بين جميع مكونات المجتمع. يتطلب ذلك توفير فرص تعليمية ومهنية للاجئين، ودعمهم نفسيًا واجتماعيًا، ومكافحة الحملات التحريضية التي تستهدفهم، ومنها نشر الأخبار السلبية عن المهاجرين، وعلى الحكومة أيضًا تعزيز ثقافة التسامح والتعايش بين الألمان واللاجئين من خلال حملات توعية وبرامج اجتماعية وثقافية.
كما يتوجب توفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للشباب المهاجرين لمساعدتهم على تجاوز الصعوبات النفسية والاجتماعية.
ومن الضروري إطلاق حملات توعية تستهدف المجتمع الألماني، لتوضيح الحقائق حول اللاجئين والمهاجرين والتركيز على دورهم الإيجابي في المجتمع.
ختاما:
ظاهرة “عجيان البانهوف” أو “Talahon” تعكس تحديات حقيقية تواجه الشباب المهاجرين في ألمانيا. استغلال هذه الظاهرة من قبل بعض الجهات السياسية لتشويه صورة اللاجئين، يُعتبر خطراً يجب مواجهته بحزم. المسؤولية تقع على عاتق الجميع، بدءاً من الحكومة الألمانية وصولاً إلى المجتمع ككل، فدعم اللاجئين ومساعدتهم على الاندماج بسلام واحترام وإشعارهم بالاستقرار النفسي واحتوائهم اجتماعيا حق لهم يضمن زيادة إنتاجيتهم ودورهم الإيجابي في الدول المضيفة، فبدون تعاون وجهود مشتركة، قد يتدهور الوضع بشكل يُهدد استقرار الجميع.
عبد الرحمن الناصر
ABDURRAHMAN ANNASER