11 سبتمبر 2001 “اليوم الذي غير وجه العالم والشرق الأوسط”
تعود ذكرى 11 سبتمبر 2001، لتثير في الأذهان تساؤلات حول هذه الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ وفتحت الباب أمام تدخلات سياسية وأمنية عميقة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. هذه الهجمات التي استهدفت برجي التجارة العالمي والبنتاغون لم تكن مجرد أحداث تفجير وحسب، بل كانت مقدمة لتحولات جوهرية في العلاقة بين الغرب والإسلام، ودفع ثمنها في النهاية العالم الإسلامي بأسره، سواء من ناحية السياسات الدولية أو من ناحية ما رافق ذلك من استهداف مباشر للإسلام كدين وتوظيفه كأداة لصراع طويل الأمد.
الهجمات وتأثيرها:
لم يكن الهجوم الذي نفذه تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر مجرد ضربة لأهداف اقتصادية وعسكرية أمريكية، بل كان بمثابة شرارة أشعلت سلسلة من الأحداث أدت إلى غزو دولتين مسلمتين: أفغانستان والعراق. هذا التحرك العسكري الأمريكي والغربي كان في جوهره حملة عالمية على ما سمّته الولايات المتحدة ” الحرب على الإرهاب”، ولكنه في الواقع أضر بشكل أساسي المجتمعات الإسلامية، حيث أصبحت دول إسلامية هي ميدان المعركة الأول.
وبعد الهجوم مباشرةً، غزت الولايات المتحدة أفغانستان في أكتوبر 2001، بدعوى الإطاحة بتنظيم طالبان الذي كان يحمي تنظيم القاعدة. بينما كانت الولايات المتحدة تدعي أنها تحارب الإرهاب، فإن الواقع هو أن هذه الحروب دمرت دولاً إسلامية، وخلقت فراغات أمنية وسياسية استغلتها قوى أخرى لزيادة نفوذها. ثمَّ ما لبثت أن هاجمت الولايات المتحدة العراق عام 2003، حيث استندت إلى مزاعم امتلاك أسلحة دمار شامل، وكان مثالاً آخر على استهداف الولايات المتحدة لدولة إسلامية بدون أدلة ملموسة. العراق لم يكن له علاقة مباشرة بهجمات 11 سبتمبر، لكن الحرب عليه دمرت بنيته التحتية وأسهمت في صعود “تنظيم القاعدة” ثم “داعش”.
أثر هجمات 11 سبتمبر على الحركات الإسلامية:
من المفارقات إن أحد أكبر ضحايا الهجمات كانت الحركات الإسلامية نفسها. فمنذ 11 سبتمبر، تم تصنيف العديد من الحركات الإسلامية التي كانت تعمل ضمن الإطار السياسي السلمي أو الدعوي بأنها “إرهابية” مثل: “جماعة الإخوان المسلمين”. حتى الحركات المعتدلة وجدت نفسها تحت ضغوط دولية ومحلية، بسبب التحول في النظرة الغربية إلى الإسلام ككل بعد الهجمات.
وفي هذا السياق، فإن حركات الجهاد، مثل القاعدة، جنّدت مزيداً من الشباب المسلم الذي رأى في الهجمات الأمريكية والغربية على بلدانهم الإسلامية دافعًا للانضمام إلى الجهاد ضد العدو الغربي “الصليبي”. بينما أسامة بن لادن وتنظيمه استفادا على المدى القصير من الدعاية التي خلقتها الهجمات، فإن ذلك فتح المجال لظهور حركات متطرفة مثل تنظيم “داعش”.
أما الحركات الإسلامية المعتدلة، مثل جماعة الإخوان المسلمين، فقد وجدت نفسها في موقف صعب. فبعد الربيع العربي، استطاعت هذه الحركة الوصول إلى السلطة في بعض الدول -كما في مصر وتونس- إلا أن الانقلابات العسكرية والتدخلات الغربية والإقليمية سعت إلى إضعافها وإفشالها. إن الربط بين الإسلام السياسي والإرهاب أصبح أداة في يد العديد من الأنظمة لقمع تلك الحركات، على الرغم من أنها لم تتبنّ العنف أبداً.
وبعد الهجمات، سارعت الكثير من الأنظمة العربية والإسلامية إلى التضييق على الحركات الإسلامية، وسجن الدعاة ومنظري الجهاد، وفرض تغيير لهجة الخطاب الديني على المؤسسات الدينية، لكي تتجاوز العقوبات الغربية، وألا تصنف كدول داعمة للإرهاب، بعد أن كانت تسمح بخطب التشجيع على الجهاد في البلدان الإسلامية المحتلة، وبالأخص “الشيشان” و”البوسنة”.
إن شن هجمات 11 سبتمبر وتداعياتها، وتصعيد لهجة خطاب الكراهية تجاه الغرب. أدت بشكل أو بآخر أدى إلى خسارة كبيرة للتنظيمات الإسلامية، فبعد أن كانت كثير منها على علاقات جيدة مع الأنظمة الحكومية ومسموح القيام بنشاطاتها بكثير من البلدان، أصبحت محظورة وعلى قائمة الإرهاب، وهو الأمر الذي أدى إلى خسارة استراتيجية لهذه التنظيمات، وانحسار نفوذها.
الحرب على الإرهاب وتأثيره على الشرق الأوسط:
الحروب التي أطلقتها الولايات المتحدة تحت شعار “الحرب على الإرهاب” أدت إلى تدمير العراق وأفغانستان، وإلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل أوسع. ففي العراق، ساعد الغزو الأمريكي في تفكيك الدولة ومؤسساتها، وأدى ذلك إلى صعود الحركات الطائفية واشتعال نار الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة. إن هذا الفراغ الأمني والسياسي ساهم في تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث استغلت إيران انهيار نظام صدام حسين في العراق لتوسيع نفوذها العسكري والسياسي، وهو ما أدى إلى تصاعد الصراعات الطائفية. وفي أفغانستان، وعلى الرغم من سقوط طالبان في بداية الحرب، فإن الحركة استطاعت إعادة تنظيم صفوفها، واستمرت في شن حرب عصابات على القوات الأمريكية والحكومة الأفغانية المدعومة غربيًا. ومع انسحاب القوات الأمريكية في 2021، عادت طالبان للسيطرة على كابول، وهذا يمثل انتصارًا رمزيًا لقوى الجهاد التي بدأت نشاطها في هذا البلد.
تصاعد الإسلام فوبيا بعد الهجمات:
إحدى أكبر النتائج التي ترتبت على هجمات 11 سبتمبر كانت تصاعد الإسلاموفوبيا في الغرب. بعد الهجمات، تم تصوير الإسلام على نطاق واسع في الإعلام الغربي باعتباره “دين الإرهاب”، وتعرض المسلمين في العديد من الدول الغربية للتمييز والاضطهاد. ففي الولايات المتحدة، تم تمرير قانون “باتريوت”، الذي سمح بتوسيع صلاحيات الحكومة في مراقبة المسلمين والمجتمعات الإسلامية. إن هذا الخوف من الإسلام أدى إلى زيادة في جرائم الكراهية ضد المسلمين في الغرب، كما أن الجماعات اليمينية المتطرفة استغلت هذه الأجواء لتعزيز خطابها المناهض للهجرة كما أثرت السياسات الأمنية المشددة على المجتمعات المسلمة في الدول الغربية، حيث أصبحت هذه المجتمعات تعيش في حالة من المراقبة المستمرة والشك.
بعد مرور أكثر من عقدين على الهجمات:
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر، لم يتوقف تأثير الهجمات على العالم الإسلامي. إن الحروب التي نتجت عن تلك الهجمات لم تحقق السلام أو الاستقرار، بل زادت من معاناة الشعوب الإسلامية. في سوريا، اليمن، ليبيا، والعراق، لا تزال الحروب مشتعلة، فيما يعاني ملايين اللاجئين من التشرد والاضطهاد.
لقد أدت تلك الحروب إلى استغلال جماعات متشددة الفراغ السياسي لفرض أيديولوجياتها مثل “تنظيم داعش”، وعلى الرغم من أن تنظيم “داعش” قد خسر معظم أراضيه، إلا أنه لا يزال حيًا في العديد من المناطق، سواء على شكل خلايا نائمة أو هجمات فردية. ومن جهة أخرى، من تداعيات شن الولايات المتحدة “الحرب على الإرهاب” أدت هذه إلى أزمة لجوء عالمية، حيث اضطر ملايين المسلمين إلى الخروج من بلادهم بحثًا عن الأمان، وأيضًا آثار الحرب التي لا زالت قائمة من فشل سياسي واقتصادي. حيث أن الهجرة في بعض البلدان لا زالت قائمة، بسبب الفشل الاقتصادي والسياسي وتداعيات الحرب التي لا زالت موجودة كما في “العراق”. إن هذه الأزمة ألقت بظلالها على الدول الغربية، حيث صعدت الحركات القومية واليمينية التي تستخدم قضية اللاجئين لتعزيز سياساتها المناهضة للهجرة والإسلام.
ختامًا:
في الذكرى الـ 23 لأحداث 11 سبتمبر، يبقى تأثير هذا الحدث حاضرًا بقوة في العالم الإسلامي. لقد كانت تلك الهجمات نقطة تحول في العلاقة بين الغرب والإسلام، حيث إن المسلمين دفعوا أثمان باهظة لتلك السياسات التي قادت العالم إلى مزيد من الحروب والفوضى.
عبد الرحمن النجار