Search

 مقارنة بين نهجي بايدن وترامب هل يعيد ترامب الملف السوري إلى الواجهة؟

بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في انتخابات 2024

يطرح هذا السؤال نفسه بقوة: هل سيعيد الرئيس ترامب الملف السوري إلى طاولة أولويات الإدارة الأمريكية أم سيظل هذا الملف مهمشاً كما كان الحال في فترات سابقة؟

 للإجابة على هذا التساؤل، من المهم مقارنة النهج الذي اتبعه ترامب مع الملف السوري خلال فترتي رئاسته (2017-2021) وكذلك النهج الذي تبناه الرئيس جو بايدن منذ توليه السلطة في 2021.

سيتضح من خلال هذه المقارنة هل سيكون للملف السوري دور محوري في السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات القادمة أم لا.

التعامل الأمريكي مع الملف السوري في عهد الرئيس ترامب

تباينت سياسة ترامب تجاه الملف السوري بشكل واضح عن سابقيه، حيث تبنى نهجاً أكثر انعزاليًا في معظم القضايا الخارجية. ففي بداية فترة رئاسته، كان ترامب قد أبدى رغبة في تقليص التدخل العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، بما في ذلك سوريا. وكان يشدد على ضرورة “إعادة الجنود الأمريكيين إلى وطنهم”، مما انعكس على قراراته بشأن سوريا.

الانسحاب المفاجئ من شمال شرق سوريا (2019)

واحدة من أبرز القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها ترامب خلال رئاسته كانت قراره بسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا في 2019. هذه الخطوة تركت الأكراد السوريين، الذين كانوا حلفاء للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم داعش، في مواجهة مباشرة مع القوات التركية. هذا القرار، الذي وصفه الكثيرون بالقرار “غير المدروس”، لاقى انتقادات واسعة من داخل الولايات المتحدة ومن حلفاء واشنطن في المنطقة. فقد تم تفسير هذا الانسحاب على أنه تخلي عن حلفاء الولايات المتحدة الأكراد، وتعزيزاً للنفوذ التركي والإيراني في المنطقة.

الهجوم الكيميائي في دوما (2018) والضربة الجوية

رغم ميل ترامب نحو الانعزالية، إلا أنه لم يتوانَ عن اتخاذ مواقف حاسمة في بعض الأحيان. فبعد الهجوم الكيميائي في مدينة دوما 2018، شنت الولايات المتحدة ضربات جوية مشتركة مع بريطانيا وفرنسا ضد مواقع تابعة للنظام السوري.

 كان هذا الهجوم بمثابة رد على استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري، وهو ما لقي تأييداً دولياً من بعض الأطراف، لكنه في الوقت نفسه لم يُفضِ إلى أي تغيير استراتيجي كبير في مصير الأسد.

سياسة “مكافحة الإرهاب” والتركيز على داعش 

فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ظلّ ترامب ملتزماً باستراتيجية محاربة تنظيم داعش، التي كانت جزءًا أساسيًا من أولويات سياسته تجاه سوريا. حيث نجح في تقليص وجود داعش بشكل كبير، من خلال دعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في معركة تحرير الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم. لكن لم تكن هناك رغبة قوية لدى ترامب في الانخراط بشكل أكبر في حل النزاع السوري أو دعم المعارضة المعتدلة ضد نظام الأسد.

التعامل الأمريكي مع الملف السوري في عهد الرئيس بايدن

منذ تولي جو بايدن منصب الرئاسة في يناير 2021، اختلفت السياسة الأمريكية في سوريا بشكل ملحوظ عن سياسة ترامب، فعلى الرغم من استمرار بعض الثوابت في السياسة الخارجية الأمريكية، مثل مكافحة الإرهاب وتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة، فإن النهج الذي اعتمده بايدن كان أكثر حرصاً على التعددية الدبلوماسية والتنسيق مع الحلفاء.

السياسة متعددة الأطراف والموقف من الأسد

أوضح الرئيس بايدن منذ البداية موقفه من الرئيس السوري بشار الأسد، حيث كان موقفه مناهضًا لنظام الأسد، داعيًا إلى محاسبته على الجرائم المرتكبة ضد المدنيين. كما أن الإدارة الأمريكية تحت قيادة بايدن التزمت بدعم المعارضة، لكنها كانت أكثر اهتمامًا بإيجاد حل سياسي شامل، من خلال دعم محادثات جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254.

التواجد العسكري الأمريكي

فيما يتعلق بالتواجد العسكري الأمريكي في سوريا، حافظ بايدن على وجود قوات محدودة في شمال شرق سوريا، وذلك في إطار محاربة بقايا تنظيم داعش، على الرغم من أن سياسة الانسحاب التي تبناها ترامب لم تتغير بشكل كامل. كما أن بايدن تعامل مع ملف الوجود العسكري الأمريكي في سوريا بحذر، مع تركيز أكبر على التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين والدوليين.

الأزمة الإنسانية والدبلوماسية

دأب بايدن على تكثيف الجهود الإنسانية في سوريا، عبر زيادة الدعم للمساعدات الإنسانية، مع التركيز على تخفيف معاناة المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها النظام والمعارضة. وقد تبنّت إدارته سياسة أكثر توافقًا مع الحلفاء في الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، بينما شددت على ضرورة تحفيز المفاوضات السياسية.

هل سيعيد ترامب الملف السوري إلى الأولويات؟

من غير المحتمل أن يعود الملف السوري إلى أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بشكل كبير. سياسة ترامب خلال فترة رئاسته كانت تركز بشكل أساسي على الحد من التدخل الأمريكي في النزاعات، وعلى تعزيز الأولويات الداخلية للولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يواصل ترامب هذه السياسة، لكن ربما مع بعض التحولات الطفيفة التي تركز على التهديدات الأمنية المباشرة، مثل التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة.

من جهة أخرى، قد يشهد الملف السوري تغييرات في سياق العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خصوصاً مع الدول العربية، التي قد تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة في سوريا مع استمرار التأثير الإيراني.

الختام: مواقف متباينة في مسار واحد

باختصار، يمكن القول إن كل من ترامب وبايدن قد تبنيا مقاربات مختلفة تجاه الملف السوري: ترامب اتخذ نهجاً أكثر انعزالياً وأقل تدخلاً عسكريًا، بينما سعى بايدن للحفاظ على التوازن بين الدعم الإنساني والمشاركة الدبلوماسية، دون العودة إلى الانخراط العسكري الكبير. عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 2024، من المحتمل أن يستمر في سياسة التركيز على الداخل الأمريكي، مع تقليص التدخل في الصراعات الخارجية، مما يعني أن الملف السوري لن يكون من أولوياته بشكل كبير.

وفي نهاية المطاف، يبقى السؤال الأهم: هل ستستطيع الإدارة الأمريكية الجديدة، تغيير الديناميكيات في سوريا، أم أن هذا النزاع سيستمر في كونه ساحة للمصالح الإقليمية والدولية بعيدًا عن التدخلات الحاسمة من واشنطن؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top