تثير قضية مشاركة المرأة المسلمة المحجبة في سوق العمل جدلاً واسعاً. لماذا يركز البعض على منع النساء من العمل بدلاً من البحث عن حلول عملية تناسب الجميع؟ أليس من الأجدى أن نعمل على توفير بيئات عمل تحترم خصوصية النساء وتلبي احتياجاتهن؟ هذا ليس مجرد مطلب فردي؛ بل هو خطوة نحو مجتمع أكثر توازناً وعدلاً.
التناقضات في الخطاب الديني والاجتماعي
يقف اليوم الكثير من الفقهاء ضد نزول المرأة للعمل بحجة الاختلاط بالرجال والخلوات المتوقعة و”المريبة” في أماكن العمل أو في الطريق إليه. شخصيا كنت سأكون أول المؤيدين لهذا الرأي لو أنهم وقفوا بذات المسافة من عمل الرجل أيضا. فهل حرام على المرأة العمل بأماكن مختلطة وحلال على الرجل ذلك؟
على حد علمي ما حُرّم على المرأة حُرّم على الرجل أيضا. أم” ناس بسمنة وناس بزيت”؟
وقد يأتي الآن من يقول إن المرأة غير مكلفة شرعاً بالإنفاق، لذا ليس عليها الخروج للعمل. لكن هل تعمل النساء في زمننا هذا حباً بالخروج أو المخالطة؟ كثير منهن يُجبَرن على العمل بسبب الحاجة المادية. ولو كانت الظروف المعيشية أفضل، ربما كان الجميع، رجالاً ونساءً، يتمنون البقاء في بيوتهم بعيداً عن ضغوط العمل.
لماذا نحتاج إلى بيئات عمل تراعي خصوصية المرأة؟
الجواب بسيط: إذا أردت أن تُطاع، فاطلب المستطاع. في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، عمل المرأة لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة. بعض الوظائف، مثل الطب والتعليم والخياطة، تتطلب وجود نساء. كيف نطالب بطبيبات يعالجن النساء ثم نمنع النساء من دراسة الطب بحجة الاختلاط؟ أليس هذا تناقضاً واضحاً؟
ثم إنه في عهد النبي ﷺ لم يكن في الأمر تشدد وتضييق مثل أحكام يومنا، فلا يخفى على أحد قصة الصحابية الجليلة رفيدة الأسلمية رضي الله عنها وعملها بالتمريض والتطبيب مع صحابيات أخريات وإذن النبي ﷺ لهن بذلك. فهل ستكون أحرص من النبي والصحابة على نساء المسلمين؟
فعمل المرأة اليوم صار ضرورةً لكثير من العائلات بعد أن غدا عمل الرجل غير كاف لأساسيات الحياة بسبب سياسات الحكومات الفاشلة في الكثير من الأقطار التي أدت إلى مستويات قياسية من التضخم وغلاء المعيشة، بالإضافة إلى تأثير الأزمات الدولية في ذلك وتشابكها وتعقيدها.
فإما، يا محرّم ويا مانع، أن تحل كل تلك المشاكل التي أدت لهذه الأزمة، والتي أرى حلها على المدى المنظور مستحيلا، أو أن تدعو لحل أراه ممكنا ألا وهو توفير بيئات عمل غير مختلطة تحفظ دين الرجال والنساء على حد سواء وتكفيهم قُوتَهم وتسد احتياجاتهم.
التوفيق بين العمل والحياة الأسرية
واحدة من أكبر العقبات التي تواجه المرأة العاملة هي التوفيق بين العمل والحياة الأسرية. لهذا، من الضروري أن تُراعى أوقات العمل احتياجات المرأة، خاصة الأمهات. لماذا لا يكون هناك دوام مرن يتناسب مع أوقات وجود الأطفال في المدارس مثلا؟ هذا التعديل البسيط يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً، إذ يسمح للأم بالعمل دون أن تُقصّر في واجباتها الأسرية.
أو مثلا دعم تقديم خيارات فرص أكثر للعمل عن بعد من المنزل بالإضافة إلى تنظيم ورش عمل توعوية للتعريف بأهمية بيئات العمل المتوافقة مع القيم الدينية ودورها في تعزيز الإنتاجية.
الخاتمة
العمل ضرورة وليس رفاهية. بدلاً من محاولة منع النساء من العمل، علينا خلق بيئات تُمكنهن من تحقيق التوازن بين أدوارهن المختلفة. بهذه الطريقة، سنحقق استقراراً اجتماعياً واقتصادياً حقيقياً.
عبد الرحمن الناصر
ABDURRAHMAN ANNASER