ما دلالات ونتائج رفع الدعم وزيادة الأجور والرواتب في سوريا؟

ما دلالات ونتائج رفع الدعم وزيادة الأجور والرواتب في سوريا؟

 

دأبت حكومة النظام خلال السنوات القليلة الماضية على زيادات متواترة على أجور ورواتب العاملين في القطاع العام السوري. وغالباً ما تترافق هذه الزيادة مع رفع جزئي عن الدعم على المواد الرئيسة كالخبز والسكر والمحروقات. ومؤخراً كرّر النظام ذات الأمر. فما دلالات ونتائج رفع الدعم وزيادة الأجور والرواتب في سوريا؟ وما أثره على مستوى دخل السوريين؟

 

ما آثار التضخم النقدي للأجور في سوريا؟

سببت الحرب السورية وما تبعها من أزمات اقتصادية خانقة تآكلاً حاداً في القوة الشرائية لأجور العاملين في مؤسسات النظام. فمن حيث القيمة خسرت الأجور والرواتب 90% من قيمتها الشرائية. فبعدما كان متوسط قيمتها 300 دولار عام 2010م لم يعد يتجاوز 30 دولار شهرياً في أفضل الأحوال.

 

في الواقع ترافق التدني الحاد في قيمة الأجور والرواتب بتضخم نقدي واضح. فبات متوسط الأجر الشهري للموظف يقارب 100 ألف ليرة سورية. وهذا التضخم النقدي سببه تآكل قيمة الليرة. فبعدما كان الدولار يساوي 48 ليرة عام 2010م تجاوز 3,200 ليرة. وأحد أسباب هذا التدهور الاعتماد المفرط على التمويل بالعجز.

 

ما أسباب ونتائج زيادة الأجور؟

تعتبر زيادة مستوى الأجور أمراً طبيعياً تسعى إليه مختلف الحكومات في العالم. وذلك كمسعى لتحسين مستوى المعيشة وتحفيز الطلب الكلي بما يعود بالنفع على مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية. إلا أن الوضع في سوريا يخالف هذه القاعدة من حيث السبب ومن حيث النتيجة.

 

فيما يتعلق بسبب زيادة الأجور في سوريا فهي لا تتعلق بزيادة مستوى المعيشة. بل تهدف في أفضل الأحوال إلى وقف التدهور ليس إلا. وهذا الهدف نادراً ما تنجح هذه الزيادات في تحقيقه. فجوهر زيادات الأجور يعتمد على التمويل بالعجز وهو ما يفاقم معاناة السوريين. ولذلك يلاحظ أن غالبية السوريين يتوقعون تدهوراً في قيمة دخولهم عقب كل زيادة للأجور.

 

تهدف الزيادات المتكررة على الأجور في سوريا إلى امتصاص الغضب الشعبي جرّاء تدهور المستوى المعيشي. والذي بلغ مرحلة خطيرة بات معها تأمين مستلزمات الحياة الأساسية أمراً بالغ الصعوبة على مستوى غالبية الأسر السورية لا سيما العاملين في مؤسسات النظام.

 

هذا فيما يتعلق بأسباب زيادة الرواتب والأجور. من جهة أخرى يمكن القول بأن النتائج المترتبة على هذه الزيادات سلبية بالمطلق. فلم تنجح في تحسين الواقع المعيشي. ولم تفلح أيضاً في امتصاص الغضب الشعبي ضمن حاضنة النظام الشعبية. فعقب كل زيادة في الأجور يتراجع مستوى المعيشة ويزداد معدل الفقر.

 

كيف يتم تمويل زيادات الأجور؟

بصفة عامة تعاني موازنة حكومة النظام من عجز متزايد نتيجة قلة الإيرادات وزيادة النفقات. لا سيما في ظل الحصار الاقتصادي وتداعيات قانون قيصر. لذلك يتم تمويل الزيادات من خلال وسيلتين رئيستين. الأولى الوفورات المالية من تخفيض مستوى الدعم على السلع الأساسية. والثانية عن طريق التمويل بالعجز.

 

الطريقتان المتبعتان في تأمين تكلفة زيادة الأجور خاطئتان. وتقودان إلى نتائج سلبية للغاية على مستوى الشعب السوري. فعند تخفيض الدعم عن السلع الرئيسة تزداد نفقات الأسر. وبالكاد تغطي الزيادة النفقات الجديدة.

 

وفيما يتعلق بالتمويل بالعجز من خلال ضخ المزيد من الليرات السورية في السوق بدون غطاء إنتاجي. فهذا الأمر سيزيد من نسبة التضخم ويفاقم أزمة الليرة. وبالتالي تتدهور القدرة الشرائية للأجور. فالضرر اللاحق بالموظفين يفوق النفع المكتسب نتيجة الزيادة. فآلية تمويل الزيادة تفاقم من الوضع السيئ للسوريين.

 

كيف تقاس الزيادة الأخيرة في ميزان الكسب والخسارة؟

أقرت حكومة النظام مؤخراً زيادة على أجور العاملين تبلغ 50%. وسبقها رفع أسعار المازوت بنسبة 177% ورفع سعر الخبز 100% ورفع سعر السكر بنسبة 100% أيضاً. عموماً يقدر الوفر الذي حققته حكومة النظام من رفع الدعم عن السلع السابقة بين 40 – 50 مليار ليرة شهرياً. بينما تبلغ تكلفة زيادة الرواتب 81 مليار ليرة شهرياً.

 

من الأرقام السابقة يمكن القول بأن حكومة النظام ستتكبّد عجزاً شهرياً نتيجة الزيادة الأخيرة يبلغ بين 30 – 40 مليار ليرة شهرياً. وبالتأكيد فستتم تغطيته من خلال التمويل بالعجز. وهو ما يعني تدهوراً إضافياً في القوة الشرائية لليرة وارتفاعاً في نسبة التضخم. الأمر الذي من شأنه زيادة معاناة السوريين بدلاً عن رفع مستوى معيشتهم.

 

إن آلية التعامل التي تتبعها حكومة النظام مع مستويات الفقر في البلاد تزيد الوضع سوءاً. فالاعتماد الدائم على رفع أسعار المواد الأساسية والتمويل بالعجز من شأنه التسبب بخلل بنيوي في بنية الاقتصاد السوري المنهك أساساً. بحيث تصبح معالجة هذا الخلل أمراً بالغ الصعوبة وذا تكلفة كبيرة زمنياً ومادياً.

 

إن قضية دعم السلع الرئيسة في سوريا يزيد عمرها عن ستة عقود. وهي ذات الطريقة التي تتبعها غالبية الدول النامية. والتي أثبتت فشلاً حقيقياً في إيصال الدعم لمستحقيه. إضافة لكون بيئة الدعم الاجتماعي بيئة خصبة للفساد المالي لا سيما في الدول التي تعاني من غياب الأجهزة الرقابية وتراجع دور القانون كحالة سوريا.

 

يشكل الدعم الاجتماعي الأفقي عقبة أمام التنمية. كما يسبّب عادات اجتماعية سيئة كتراجع ثقافة القيمة والعمل. لذلك لا بد من إنهاء حالة الدعم للسلع الرئيسة وتحرير الأسواق والاعتماد على نظام دعم مباشر قائم على التسلسل العمودي وليس الأفقي. وفي ذات الوقت تحويل تكاليف الدعم التي تم توفيرها إلى رفع حقيقي للأجور والرواتب.

 

مما لا شك به أن أي حلول تستهدف تحسين الواقع الاقتصادي للسوريين عموماً ولموظفي القطاع العام عموماً لا يمكن أن تنجح ما لم يتم تحريك عجلة الاقتصاد. والتي من غير المتوقّع أن تتحرك في ظل تعقّد المشهد السياسي. لذلك فالحلّ السياسي للقضية السورية يعتبر المفتاح الحقيقي لتحسين الواقع الاقتصادي للسوريين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top