تُعانِي اللِّيرَة التُّرْكيّة ومُنذ سَنَوات مِن تراجُع تَدْريجيّ في قِيمَتها أمَام الدُّولَار الأَمْريكيّ، وزادَتْ وَتِيرة هذا التَّراجُع في السَّنَة الأَخِيرة، فما هي أَسْباب هذا التَّراجُع؟ وما هي آثَاره على الاقتِصاد التُّرْكيّ الكُلِّيّ والجُزْئيّ؟ وما طُرُق الحَلّ الواجِب اتِّباعها للسَّيْطرة على هذه المُشْكِلة؟
تَتعدَّد الأَسْباب المُؤَدِّية لتراجُع قِيمَة اللِّيرَة التُّرْكيّة، فمِنها ما هو خارِجيّ والآخَر داخِليّ، فمن الأسباب الخَارجيّة الضُّغوط السِّياسيَّة والاقتِصاديَّة على تُرْكيا نَتِيجة مَواقِفها السياسيَّة ممَّا سبَّب قَلَق المُستثمِرين الأَجانِب من استِقْرار الوَضْع التُّرْكيّ وبالتَّالي أَحْجَموا عن دُخُول السُّوق التُّرْكيّة، كما قامَتْ بعض الدُّوُل بتَخْفِيض العَلاقَة الاقتِصاديّة مع تُرْكيا كوَسِيلة للضَّغْط عليها.
أمَّا الأسباب الدَّاخلِيّة -وهي الأَهمّ- فتَتمثَّل في زِيادة مَعْروض اللِّيرَة التُّرْكيّة مُقابِل انْخِفاض مَعْروض الدُّولَار، فعُرُوض الدُّولَار انْخفَضتْ نَتِيجة تراجُع الإِنْتاج والتَّصدِير نَتِيجة تراجُع السِّياحة والحَرَكة الاقتِصاديّة نَتِيجة كُورونا، كما ازْدَاد مَعْرُوض اللِّيرَة نَتِيجة قِيام الحُكومة التُّرْكيّة بضَخّ 200 مِلْيار لِيرَة في السُّوق كخُطْوة تَحْفِيزيّة للاقتِصاد للدَّعْم الاجتِماعيّ خِلال أَزْمة كورونا.
إنَّ الضَّخّ المُتزايِد للِّيرَة في #السُّوق لم يُقابِله قَنَوات إِنْتاجِية تَستطِيع استِيعاب هذا المَعْرُوض، ممَّا أدَّى لإِشْباع السُّوق وبالتَّالِي انخِفاض قِيمَة #اللِّيرَة، كما أنَّ قِسْمًا كبيرًا من حُزَم التَّحْفيز المَالِيّة تم تَغْطِيتها عن طَرِيق التَّمْويل بالعَجْز، كُلّ هذه العَوَامل مُجتَمِعة أدَّتْ لزِيادة المَعْروض من #اللِّيرَة_التُّرْكيّة مُقابِل تراجُع مَعْروض #الدُّولَار وبالتَّالي تَدَهْوُر اللِّيرَة.
إنَّ تراجُع #اللِّيرَة_التُّرْكيّة سيُفْضي لجُملة آثَار اقتِصاديّة واجتِماعيّة، على رَأْسها انْخِفاض القوَّة الشِّرائيَّة للِّيرَة وبالتَّالي تأثُّر الجميع سَلْبًا وعلى رَأْسهم الطَّبَقة المُتوسِّطة والفَقِيرة، إضافةً لارْتِفاع فاتُورَة الاستِيراد وبالتَّالي ازْدِياد تَكْلِفة الإِنْتاج وبالتَّالي الأَسْعار، إضافةً لصُعُوبة سَدَاد الدُّيُون الخَارجيّة الحُكوميّة ودُيون الشَّرِكات كَوْنها باتتْ تحتاج لعَدَد أكبر من اللِّيرَات لمُقابَلة قِيمَة الدَّيْن بالدُّولَار.
يُفترَض في الحُلول اللَّازِمة لمُعالَجة مُشكِلة #اللِّيرَة_التُّرْكيّة أنْ تكون على مُستَويَيْن مُتوازِيَيْن، الأَوَّل حُلول إسْعافِيّة قَصِيرة المَدَى والثَّانِية إِسْتراتِيجيَّة طَويلة المَدى، وهَذَان الحَلَّان في جَوْهرهما يَعتمِدان على مَبْدأ واحِد وهو زيادة مَعْروض #الدُّولَار وإنْقَاص مَعْروض #اللِّيرَة بما يُحقِّق التَّوازُن في العَرْض والطَّلَب عليهما.
تبدأ الحُلُول الإِسْعافِيَّة بمُحاوَلة تَخْفيض مَعْروض #اللِّيرَة كَوْنه الأَسْهل والأكثر نَجاحًا، كَوْن التَّحكُّم بالدُّولَار صَعْب بينما التحكُّم بالعُملَة المَحلِّيَّة أَسْهل، ويُعتَبر #سِعْر_الفائِدة الطَّرِيق الأَكْثر فاعِليّة للتحكُّم بعَرْض اللِّيرَة، وذلك من خِلال رَفْع سَعْر الفائِدة، كَوْنه يُؤدِّي لزِيادة الوَدَائع في البُنوك ويُقلِّل من عَملِيّات الاقتِراض، وبالتَّالي انْخِفاض عَرْض اللِّيرَة.
قد يَرى البعض أنَّ رَفْع #سِعْر_الفائِدة سيؤثِّر سَلْبًا على #الاقتِصاد_التُّركيّ لا سيَّما أنّ سِعْر الفائِدة التُّركيّ يُعتبَر مرتَفِعًا بطبيعة الحَالِ بالنِّسْبة لدُوَل العالَم، وهذا صَحِيح، ولكن من المغالَطات الاقتِصاديّة مُقارَنة سِعْر الفائِدة كمُؤشِّر مُستَقِلّ، فالأصحّ هنا مُقارَنة كلّ المُؤشِّرات الاقتِصاديّة، فسِعْر الفائِدة مُرتفِع بالنِّسبَة لدُوَل العالَم لكن #التضخُّم هو الآخَر مُرتفِع، فيَجِب مُقارَنة سِعْر الفائِدة والتضخُّم كحُزْمة مُقارَنة واحِدة.
ف #سِعْر_الفائِدة الحَاليّ في تُرْكيا يَتجاوَز 10% و #التضخُّم يَتجاوَز 12%، وهما مُرتفِعان، ولكن أَثَر التضخُّم السَّلْبيّ يَفُوق الأَثَر السَّلْبيّ لسِعْر الفائِدة المُرتفِع، كَوْن التضخُّم طارِد للاستِثمار وبِقوَّة، فلا بُدَّ من تحمُّل التَّبِعات السَّلْبيّة لرَفْع سِعْر الفائِدة كَوْنها أقلّ وَطْأة اقتِصاديّة من آثَار التضخُّم، كالمَرِيض الذي يُعانِي من أَلَم في المَعِدَة وقُصُور في القَلْب، لا بُدّ بدايةً من مُعالَجة القَلْب مع تجاهُلٍ حَالِيٍّ للمَعِدة كَوْن القَلْب أخْطَر وقد يُؤدِّي للمَوْت.
يَرى البعض أنَّ انْخِفاض قِيمَة #اللِّيرَة_التُّرْكيّة يُشكِّل عامِلاً دافِعًا للاقتِصاد كَوْنه يُحفِّز التَّصْدير ويُقلِّل الاستِيراد، وهذا صَحِيح في حال كان خَفْض قِيمَة العُمْلة بقَرَار اقتِصاديّ أو سِي
اسيّ، أمَّا في الحالَة التُّرْكيّة فقُوَى السُّوق هي الَّتي تَفْرض التراجُع رَغْمًا عن الحُكومة، كما أنَّ البِيئَة الإِنْتاجيّة ليست في أفْضَل أحْوَالها فلا يُمكِنها استِغلال قِيمة العُمْلة المُنخفِضة.
ولتَوْضيح هذه النُّقْطة لا بُدّ من دِرَاسَة حالَة #الصِّين و #الوِلَايات_المُتَّحِدة_الأَمْريكيّة، فأَحَد مَطالِب أمْرِيكا من الصِّين رَفْع قِيمَة #اليوان_الصِّينيّ، والَّذي تُصِرّ الصِّين على خَفْضه كَوْنه يَدْعم صادِراتها، وكَوْن الصِّين أَكْبر مُصدِّر في العالَم، فلو الصِّين حرَّرت قِيمَة عُمْلتها وتَركَتْها تَخْضع لقُوَى #السُّوق فسَوْف تَتجاوَز الدُّولَار في القِيمَة، فلا يَجُوز مُقارَنة تُرْكيا بالصِّين لاختِلاف الحالَة جَذْريًّا.
خِتامًا لا بُدّ من التَّأكِيد على أنَّ جَوْهر مُشكِلة #اللِّيرَة_التُّرْكيّة يَتلخَّص في زِيادة عَرْض اللِّيرَة مُقابِل نَقْص عَرْض الدُّولَار، فالحُلول يَجِب أنْ تَكُون على مُسْتوَيَيْن: الأَوَّل خَفْض عَرْض اللِّيرَة الثاني زِيادة عَرْض الدُّولَار، وممَّا لا شَكّ فيه أنَّ التحكُّم باللِّيرَة أَسْهل من الدُّولَار كَوْنها عُملَة مَحلِّيّة، فأَيّ إِسْتراتِيجيّة للحَلّ يَجِب أنْ تَأخُذ هَذَيْن المُستوَيَيْن بعَيْن الاعتِبار