كما تكونون يولى عليكم

من المقولات الأكثر تداولاً بين الناس : (كما تكونون يولى عليكم) و ( أعمالكم عمالكم- أي ولاتكم- ) وهاتان المقولتان يتم الاستشهاد بهما كلما تذاكر متسامرون من عامة المسلمين فيما يلقونه من بعض حكامهم من عسف وظلم، وكلما تحدثوا عن فشل بعض ولاتهم وفسادهم.

-المقولتان لا تصح نسبتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يُعرف بالضبط قائل أيٍ منهما.

– المقولتان تؤكدان على معنى واحد هو أن المشكل الأساسي كامن في الشعوب، فحين ينتشر بينهم الظلم وأكل الحقوق وتفشو المعاصي يسلط الله عليهم حكاماً من جنسهم فسقة ظلمة فاسدين.

-شكلياً وجزئياً المقولتان صحيحتان؛ فكبار موظفي الدولة هم جزء من شعبها لكن عند التدقيق فالأمر مختلف، حيث إن في كل دولة طبقة سياسية لا تمثل بالضرورة الشعب في أخلاقه وصلاحه، ولا تحمل تطلعاته وكثيراً ما ترى شعباً مسلماً يحافظ نصف أو ثلث أفراده على الصلاة، ولا يكون بين وزراء حكومته أي وزير يقيم الصلاة أو أي وزيرة محجبة.

– في ظل الاستبداد واغتصاب السلطة لا تكون الحكومة ممثلة للناس، بل تكون مصدر إذلال وإفساد لهم، وتكون عائقاً دون صلاحهم، فكيف يكون تجبر من يفسدهم عقوبة ربانية لهم؟! و إن لدينا الكثير من الأدلة على أن الحاكم المستبد لا يخدم شعبه ولا يهتم به، وإنما يخدم من يتسترون على فضائحه ويقدمون له الحماية في الخارج.

– التاريخ يقف ضد هاتين المقولتين حيث إن الناس قد يشهدون بالصلاح لحاكم لم يحكم سوى مدة قصيرة لا تسمح للمجتمع بالتغير والانتقال من حال إلى حال ويكون ذلك الحاكم بين حاكمين هو في نظر الناس خير منها وهذا واضح جداً بالنسبة إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى حيث إنه جاء بعد سليمان بن عبد الملك وقبل يزيد بن عبد الملك، ومدة حكمه لم تدم سوى سنتين وأشهر.

– اليوم لدى شعوب غير مسلمة حكام أكثر نزاهة وأنفع لها وأكثر نجاحاً من معظم حكام المسلمين، وهم لم يأتوا عن طريق التوريث أو الانقلابات العسكرية مع أننا لا نستطيع أن نقول: إن تلك الشعوب هي بالمقاييس الشرعية أتقى لله تعالى وأصلح من الشعوب الإسلامية،وهذا دليل على عدم صحة المقولتين.

– إن هذه الدنيا دار ابتلاء ولهذا فقد يُبتلى شعب مسلم بحكومة أو قوة غاشمة وفاسدة وظالمة وقد يبتلى حكام صالحون بشعوب فاسقة وفاسدة وهناك شواهد من الواقع والتاريخ لهذا وذاك .

– الذي أراه بعد كل ما سبق أن الشعب الذي يطلب الحرية ويناضل من أجل العدالة والكرامة يصل ولو بعد حين إلى مبتغاه ولو كان ذلك الشعب مقصراً في حقوق الله أو معرضاً عن هدي أنبيائه، وهذا هو حال أوربا وأمريكا وكندا…. اليوم؛ فالله تعالى لا يضيع عمل عامل ولا نضال مناضل.

وقد تكون هناك شعوب أقرب إلى الاهتداء بهدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومع هذا يكون الذين يحكمونها من شرار الخلق وذلك لأن هناك فئة كبيرة من تلك الشعوب تناصر الظالمين الفاسدين أما الباقي فلا يبذلون من الجهد والتضحية ما يدل على أنهم متضايقون من الظلم والفشل والفساد، وهذه هي حال كثير من الشعوب الإسلامية.

الجزاء من جنس العمل؛ والله المستعان.
عبد الكريم بكار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top