عودة اللاجئين .. ورقة روسيا في صندوق انتخابات الأسد

برزت إلى الواجهة مجدّداً قضيّة عودة اللاجئين السوريّين إلى بلادهم، بالتزامن مع تحضيرات النظام للانتخابات الرئاسيّة القادمة التي ينوي إجراءها، في حزيران/يونيو 2021، حيث يعتقد المراقبون أنّ ضغط النظام وحلفائه من أجل عودة أكبر عدد ممكن من السوريين للمشاركة في هذه الانتخابات يهدف منحها الشرعيّة.

وكان وزير الشؤون الاجتماعيّة والسياحة اللبنانيّ: (رمزي مشرفيّة)، قد اعتبر أنّ التعاون مع حكومة النظام مستمرّ “حتّى تأمين عودة اللاجئين السوريّين، بخاصّة في ظلّ الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي يشهدها لبنان”، مضيفاً أنّ “عودة الأمن والاستقرار إلى الكثير من الأراضي السوريّة، والتسهيلات التي تقدّمها الدولة السوريّة شجّعت الكثير من اللاجئين على العودة إلى وطنهم” بحسب تعبيره.

جاء ذلك في زيارة الوزير مشرفيّة يوم السبت إلى دمشق، التقى فيها وزير الشؤون الاجتماعيّة والعمل في حكومة النظام، لبحث ملفّ عودة اللاجئين السوريّين من لبنان الذين يتراوح عددهم بين الـ 850 ألفاً ومليون ونصف، و”هو رقم ضخم يمكن للنظام وحلفائه أنّ يستثمروه سياسيّاً وإعلاميّاً، فيما لو عاد جزء منهم خلال الأشهر الثلاثة المقبلة”، بحسب أقوال: “رضوان الأطرش”، عضو الهيئة السياسيّة في محافظة إدلب.

واعتبر الأطرش في تعليقه على تصريحات الوزير اللبنانيّ أنّها “تمثل موقفاً غير مفاجئ، بالنظر إلى دعم بيروت الرسميّ لموقف النظام وروسيا، فيما يتعلّق بهذه القضيّة، حيث شارك لبنان في مؤتمر عودة اللاجئين الذي عقد في دمشق نهاية تشرين الأوّل/أوكتوبر 2020، وهي مشاركة تأتي في سياق التماهي اللبنانيّ الكامل مع الموقف الروسيّ والسوريّ الساعي إلى إظهار أنّ الحرب في سوريا انتهت، وبالتالي انتفاء مسوّغ وجود اللاجئين السوريّين في البلدان التي تستضيفهم، وضرورة عودتهم إلى وطنهم”.

وأضاف: ما سبق يخدم التطلّعات الروسيّة للاستفادة من إطلاق عمليّة إعادة الإعمار التي تنتظرها بفارغ الصبر، ورغبة النظام في إضفاء الشرعيّة على انتخاباته الرئاسيّة القادمة، من خلال مشاركة أكبر عدد ممكن من السوريّين فيها، علماً أنّ عدد اللاجئين السوريّين بحسب الأرقام الرسميّة يبلغ ستة ملايين ونصفاً، بينما يصل الرقم إلى ثمانية ملايين أو أكثر، بحسب التقديرات.

وإذا كان من المتوقع أن يتماهى موقف الحكومة اللبنانيّة مع موقف النظام في هذا الملف، فقد كان تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخّراً لافتاً للانتباه، الذي طالب فيه الدول الأوربيّة بدعم عودة طوعيّة للاجئين السوريّين إلى بلادهم.

جاء ذلك خلال مباحثات أجراها الرئيس التركي أردوغان مع المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل، يوم الجمعة الماضي، عبر اتصال مرئيّ، بحسب بيان دائرة الاتصال في الرئاسة التركيّة، حيث دعا الرئيس التركي الاتحاد الأوروبيّ إلى تقديم الدعم الماليّ والتقنيّ من أجل عودة طوعيّة للسوريّين إلى بلادهم.

تصريحات كانت صادمة للكثير من المعارضين السوريّين الذين رأوا فيها موقفاً تركيّاً يتطابق والموقف الروسيّ الضاغط على الاتحاد الأوربيّ في اتجاه عودة اللاجئين السوريّين، بخاصة أنّ هذه التصريحات تزامنت مع إعلان الدانمارك البدء بإعادة اللاجئين السوريّين القادمين من مناطق باتت آمنة من الناحية العسكريّة.

واحتجّت العديد من منظّمات حقوق الإنسان على قرار حكومة كوبنهاغن تجميع ٩٦ لاجئاً سوريّاً في أحد مراكز الترحيل تمهيداً لإعادتهم إلى بلادهم خلال هذا الأسبوع، وقال المحتجّون إنّ هذه الخطوة قد تشكّل بداية لإكراه السوريّين اللاجئين في أوربّا على العودة إلى بلادهم، استناداً إلى المبادرة الدانماركيّة.

إلا أنّ الكاتب والمحلّل السياسيّ: “عمر كوش” يرى أنّ حديث أردوغان يأتي في سياق مختلف تماماً، ويتعلّق بالحسابات الداخليّة في تركيّا، بالتزامن مع الاصطفافات التي تشهدها الساحة السياسيّة المحلّيّة، حيث التنافس بين التحالف الحاكم المؤلّف من حزب العدالة والتنمية، والحركة القوميّة التركيّة من جهة، وحزب الشعب الجمهوريّ المعارض مع القوى المتحالفة من جهة أخرى.

وأضاف: تركّز المعارضة التركيّة على استغلال ورقة اللاجئين، وتكاليفها على الخزينة، وبالتالي المطالبة بالعمل على إعادة اللاجئين السوريّين إلى بلادهم، وهي أصوات تلقى صدى داخل أروقة حزب العدالة، ولدى بعض أنصاره، وبالتالي فإنّ تصريحات أردوغان هذه تصبّ في إطار التنافس السياسيّ الداخليّ، وليس في إطار التماهي مع الموقف الروسيّ في هذا الملفّ.

لكنّ “رضوان الأطرش” يشير إلى أنّه “سواء التصريحات التركيّة اللبنانيّة وكذلك القرار الدانماركيّ الأخير، فهي جميعاً لا تتوافق ومعايير الاتحاد الأوربيّ، أو القانون الدوليّ حول العودة الطوعيّة للاجئين، كما أنّ الأوضاع العسكريّة والاقتصاديّة في سوريا لا تشكّل بيئة آمنة لهذه العودة، فإذا كان النظام عاجزاً عن تأمين الخبز والوقود للمقيمين في مناطق سيطرته، فكيف يمكن له أن يفي بمسؤوليّاته تجاه أعداد إضافيّة من المواطنين، في حال تحقّقت هذه العودة؟، ما يؤكّد مجدّداً أنّ هدف دمشق ممّا سبق كلّه هو شرعنة الانتخابات القادمة”.

ويتّفق المراقبون على أنّ كلّاً من إيران وروسيا تدعم هذا التوجّه، على أمل أن تشكّل هذه الانتخابات نقطة التحوّل الأهمّ في تعامل المجتمع الدوليّ مع القضيّة السوريّة، بطريقة تفضي إلى طيّ صفحة العقد الماضي، والانتقال إلى مرحلة “ما بعد الحرب” بدءاً من إعادة العلاقات مع النظام وتمويل عمليّة إعادة الإعمار، وهو الأمر الذي رفضته وثيقة فرنسيّة-أوربيّة صدرت مؤخّراً، واشترطت أربع محدّدات للاعتراف بشرعيّة أيّ انتخابات في سوريا، على رأسها أن تجري تحت إشراف دوليّ، وفي بيئة آمنة مستقرّة تحقّق مشاركة أكبر عدد من السوريّين دون أيّ ضغوط أو تهديدات، ما اعتبر قطعاً للطريق على أيّ جهود لشرعنة هذه الانتخابات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top