تحديات عاجلة تواجه الرئيس أردوغان: ما هي الأولويات الملحة في المرحلة المقبلة؟

تحديات عاجلة تواجه الرئيس أردوغان: ما هي الأولويات الملحة في المرحلة المقبلة؟

بتاريخ 30 أيار/مايو أعلن المجلس الأعلى للانتخابات النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية التي جرت في 14 أيار/مايو، كما تم ارسال هذه النتائج إلى ديوان رئيس الجمعية الوطنية. ووفقًا لهذه النتائج حصل تحالف الجمهور على 323 مقعد في الجمعية الوطنية، في حين حصل تحالف الأمة على 212 مقعد، وتحالف العمل والحرية على 65 مقعد.  وبنظرة سريعة إلى تركيبة البرلمان الجديد سنجد أن المحافظين هم من يسيطرون عليه إضافة إلى القوميين في حين أن نواب حزب الشعب الجمهوري ذو الطبيعة العلمانية ويحمل الأفكار الكمالية أصبحوا أقلية في البرلمان. 

وبناء عليه، وبحسب المادة الثالثة من النظام الداخلي للجمعية الوطنية تم تحديد موعد الاجتماع الأول للجمعية الوطنية يوم الجمعة الموافق 2 حزيران/يونيو الساعة 14:00 حيث سيؤدي النواب الجدد اليمين الدستورية.

وسيتولى دولت بهجلي إدارة الجلسة الأولى وحتى انتخاب رئيس جديد باعتباره أكبر الأعضاء سنًا، ويساعده في الرئاسة ثاني أكبر الأعضاء سنًا أيضًا، في حين سيتولى أصغر 6 نواب من حيث السن مؤقتًا الأمور الإدارية المتعلقة بإدارة الجلسة وكتابة الضبوط. 

هل ستحدث أزمة عند أداء اليمين الدستورية؟

سيقوم النواب في الجلسة الأولى للجمعية الوطنية بقراءة القسم المنصوص عليه في المادة 81 من الدستور التركي بصوت عال من المنصة، سيتم ترتيب النواب خلال أدائهم اليمين بحسب ترتيب الولايات والأحرف الأبجدية، كما يمكن للنواب الذين لن يحضروا مراسم أداء اليمين في هذه الجلسة، أداء اليمين في بداية الاجتماع الأول الذي يحضرونه. بعد ذلك سيفتح باب الترشيح لرئاسة الجمعية الوطنية لمدة 5 أيام، ومن ثم سيبدأ اختيار أعضاء اللجان الدائمة والمؤقتة. بعد أداء اليمين يبدأ النواب مهامهم بشكل رسمي.

ولا ينص الدستور التركي على عقوبة للنائب الذي لا يؤدي اليمين، لكن لن يتمكن النواب الذين يمتنعون عن أداء القسم من الاستفادة من الحقوق الناشئة عن لقب النائب ولن يستطيع المشاركة في أعمال البرلمان، وإذا ما تغيب النائب عن اجتماعات البرلمان سيتم اسقاط العضوية عنه في غضون شهر واحد.

وتجدر الإشارة إلى أن نص اليمين المدون بالدستور التركي الحالي أثار أزمات في مناسبات عديدة خاصة في أوساط النواب المحافظين والأكراد. على سبيل المثال قالت النائبة عن ديار بكر ليلى زانا بعد أدائها اليمين الدستورية عام 1994، “أقسم هذا القسم نيابة عن أخوة الشعبين التركي والكردستاني”، هذه الجملة غير موجودة بنص القسم وقرأتها باللغة الكردية الأمر الذي أثار جنون الكثير من النواب حينذاك بالرغم أن أغلبهم لم يفهم ما قالته وقتها، وانتهى الأمر لاحقًا برفع الحصانة عنها والحكم عليها بالسجن 15 سنة بتهمة الانتماء لمنظمة غير مشروعة. 

في الأيام الماضية، أحدثت وسائل الإعلام المعارضة حالة من النقاش العام حول موقف النواب من حزب الدعوة الحرة الكردي (HÜDA-Par) بشأن نص القسم الدستوري، وما إذا كانوا سيتلونه كما هو. بينما أكد بعضهم أنهم لن يؤدوا اليمين، أنهى رئيس الحزب، زكريا يابجي أوغلو، النقاش بتأكيده أنهم “سيقرأون نص القسم كلمة كلمة دون زيادة أو نقصان، ولن يتجاهلوا أي فاصلة أو نقطة”.

وتجدر الإشارة إلى أن نص القسم في الدستور التركي مر بعدة مراحل وصولًا إلى الشكل الموجود حاليًا، حيث تم إزالة عبارة “أقسم بالله” في بداية القسم بموجب التعديل الدستوري الذي تم إجراؤه عام 1928 وتم الاستعاضة عنها بعبارة “أقسم بشرفي”، كما خضع النص للتطوير وتم تضمينه عبارات تنص على علمانية الدولة والحفاظ على المبادئ والاصلاحات التي أرساها أتاتورك، ووحدة البلاد والأُمَّة التي لا تقبل التجزئة.

تشكيل المجموعات داخل البرلمان

وفقًا للقانون يمكن لعدد من النواب في البرلمان تشكيل مجموعة خاصة بشرط ألا يقل عددهم عن 20 نائبًا. الفائدة من ذلك هي أنه يمكن للأحزاب السياسية التي لها كتلة في البرلمان أن تكون ممثلة في مجلس رئاسة البرلمان. كما يمكنها استخدام الحق في التحدث نيابة عن المجموعة على المنصة، ويمكنها تعيين أعضاء في اللجان المتخصصة.

بناء على ذلك يتم الآن بحث تشكيل كتلة مستقلة داخل البرلمان تضم نواب حزب السعادة، والمستقبل، والديمقراطية والتقدم (ديفا)، وقد يلتحق بهم الحزب الديمقراطي إلا أنه لم يتم التوافق حتى الآن تحت سقف أي حزب سوف تتشكل المجموعة. يتم الحديث حول تكتلهم تحت حزب السعادة إلا أنه لم يتم الاتفاق على ذلك حتى الآن.

على أية حال إذا لم تتمكن هذه الأحزاب من التوصل إلى اتفاق للاجتماع تحت سقف أحدهم، فإن الخيار الآخر هو إنشاء حزب جديد. وفقًا لهذه الصيغة، سينتقل 38 نائبًا إلى الحزب المشكل حديثًا. إذا تم تنفيذ هذا الاقتراح، سيرتفع عدد الكتل في البرلمان إلى ستة.

في هذه الأثناء أشارت المعلومات إلى أن نواب أحزاب السعادة، والمستقبل، والديمقراطية والتقدم قدموا التماسًا إلى ديوان رئيس البرلمان للسماح لنوابهم بأداء اليمين الدستورية بصفتهم نواب عن أحزابهم وليس عن حزب الشعب الجمهوري، أي أن هؤلاء النواب سيقدمون استقالاتهم من حزب الشعب الجمهوري ويعودوا إلى أحزابهم الأصلية، الأمر الذي قد يمهد الطريق لخلافات مع حزب الشعب الجمهوري مستقبلًا وانفكاك التحالف بينهما. 

أولويات الرئيس أردوغان خلال المرحلة المقبلة

في 31 أيار/مايو الماضي عقد المجلس الرئاسي المنتهية ولايته آخر جلساته برئاسة أردوغان، وخلال الاجتماع تم استعراض آخر التطورات الخاصة بالوزارات، كما شكر أردوغان الوزراء المنتهية ولايتهم، حيث يتوجب عليهم تقديم استقالاتهم خاصة وأن أغلبهم أصبحوا نوابًا في البرلمان الجديد. بعد ذلك عقد أردوغان اجتماعًا في المجمع الرئاسي مع دولت بهجلي رئيس الحركة القومية لبحث الترتيبات الخاصة بإدارة جلسات البرلمان وترشيح رئيس جديد للبرلمان من تحالف الجمهور وإجراءات أداء رئيس الجمهورية اليمين الدستورية. 

سيتعين على أردوغان خلال الأيام المقبلة اختيار الوزراء الجدد ونائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، يجب اختيار هؤلاء من خارج النواب، مع ذلك لا يمنع الدستور اختيار أحد النواب كوزير لكن يتوجب عليه في هذه الحالة الاستقالة من البرلمان. وهذا يعني أنه سيغادر وزراء كان لهم دورًا كبيرًا خلال السنوات الماضية في إدارة الدولة مثل سليمان صويلو ومولود جاويش أوغلو وخلوصي أكار، كما من المرجح أن يتم تكليف شخصيات جديدة بمناصب وزارية مثل هاكان فيدان رئيس الاستخبارات الوطنية، وإبراهيم كالن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية.

لكن أشارت مصادر مطلعة إلى أنه خلال الاجتماع بين أردوغان وبهجلي تم التوافق على تولي نعمان نعمان كورتولموش رئاسة البرلمان، إضافة إلى إمكانية إعادة تكليف سليمان صويلو، وخلوصي أكار كوزراء في الحكومة الجديدة، وقد يكون هناك أكثر من نائب لرئيس الجمهورية في هذه الدورة.

على أية حال، سيبدأ بعد الانتهاء من تشكيل الحكومة تنفيذ الخطط العاجلة وقصيرة الأجل للمرحلة المقبلة.

لكن ما هي الأولويات الأكثر أهمية خلال الفترة المقبلة؟

أولًا: اتخاذ خطوات ملموسة لإعادة الثقة والاستقرار في الاقتصاد: ويشمل هذا الهدف اتخاذ خطوات متسارعة لمعالجة الأزمة الاقتصادية، وتوظيف الاستثمارات، وتخفيض التضخم واتخاذ إجراءات للحد من الارتفاع الفاحش في إيجارات المنازل، إضافة إلى اتخاذ خطوات عملية لإعادة الاستقرار والأمن للاقتصاد من خلال مجموعة من القرارات التي تساهم في حل هذه الملفات. يجب اختيار فريق قوي لإدارة الأزمة الاقتصادية والتداعيات التي ترتبت عليها من خلال إقرار سياسات نقدية واقتصادية جديدة وإعادة النظر بنظام الوديعة المحمية (KKM) الذي حمل الخزينة مبالغ باهظة.

 وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس أردوغان قدم مئات الوعود الانتخابية التي من شأنها أن ترتب مبالغ ضخمة على الخزينة مثل زيادة الرواتب وإعادة بناء المناطق المتضررة من الزلزال في ظل العجز الذي تعاني منه الموازنة وانخفاض الاحتياطي النقدي في البنك المركزي التركي، والديون، وارتفاع مستويات التضخم، واستمرار انخفاض قيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية.

وبناءً عليه، يتم التخطيط لاتخاذ خطوات جديدة للتغلب على المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد في الفترة المقبلة. وتشير المعلومات إلى أن محمد شيمشك وزير المالية السابق، قد قبل أخيرًا قيادة الفريق الاقتصادي بعد أن كان مترددًا قبل الانتخابات حيث صرح بعد لقائه مع أردوغان في بداية نيسان/أيار الماضي بأنه لا يفكر بالعودة إلى السياسة النشطة وأن لديه ازدحامًا في برامج أعماله في الخارج. لذا من المرجح تكليفه بحقيبة وزارة الخزانة والمالية، أو نائب الرئيس للشؤون الاقتصادية.

ثانيًا: إزالة كافة آثار الزلزال في المحافظات الإحدى عشرة التي تعرضت للتدمير من خلال اتخاذ قرارات لإعادة الحياة الطبيعية للمتضررين وإعادة وقوف هذه المحافظات على قدميها من جديد من خلال بناء 143 ألف منزل ريفي وإنهاء أعمال بناء نحو 650 ألف منزل، إلى جانب إعادة تأهيل المراكز الصحية والمدارس والمناطق الصناعية والحدائق والمساحات الخضراء. يجب على الحكومة المقبلة تسليم 319 ألف وحدة سكنية في الفترة من تشرين الأول/أكتوبر إلى تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام.

ثالثًا: تسريع العودة الطوعية للاجئين السوريين: تعد قضية عودة السوريين، التي كانت مطروحة باستمرار على جدول الأعمال خلال العملية الانتخابية، من بين الخطوات ذات الأولوية التي سيتخذها الرئيس أردوغان في الفترة الجديدة. بينما أعلن أردوغان عن عودة 600 ألف سوري إلى بلدانهم حتى الآن.

سيتم اتخاذ خطوات عملية جديدة لتسريع عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم من خلال بناء 107 ألف منزل من الطوب الحجري في ريف إدلب، والإسراع في تنفيذ مشروع العودة الطوعية والآمنة في جرابلس الذي تموله الحكومة القطرية، إلى جانب ذلك سيتم بناء الآلاف من المنازل في 9 مناطق في شمالي سوريا في منطقتي درع الفرات ونبع السلام، وبناء المدارس والمراكز الصحية والمرافق الاجتماعية ودور العبادة والمنشآت التجارية والصناعية.

رابعًا: الإعداد للانتخابات المحلية: في 29 أيار/مايو الماضي وجه رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو خطابًا بمناسبة الذكرى 570 لفتح إسطنبول (القسطنطينية) أشار فيه إلى أنه لن يتم تسليم إسطنبول إلى أردوغان في إشارة إلى أن حزب الشعب الجمهوري سيفوز في الانتخابات البلدية المقبلة.

من جانبه أشار أردوغان في خطاب بمناسبة هذه الذكرى إلى أن إسطنبول “أمانة في رقابنا” في إشارة إلى ضرورة استعادتها من قبل حزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات المقبلة. وتشير المعلومات إلى أن أردوغان أصدر توجيهات لحزبه بضرورة تحديد نقاط الضعف في أداء حزب العدالة والتنمية وشدد على ضرورة تداركها وبدء التحضيرات لخوض الانتخابات التي ستجري في آذار/مارس المقبل.

حتى الآن لا توجد خطط واضحة لكن ترجح بعض المصادر أن يتم ترشيح مراد قوروم وزير البيئة والتطوير العمراني والتغير المناخي في الحكومة المنتهية ولايتها، لخوض الانتخابات المحلية في محاولة لانتزاع رئاسة بلدية اسطنبول من أكرم إمام أوغلو.

خامسًا: تنفيذ الوعود الانتخابية: قدم الرئيس أردوغان المئات من الوعود الانتخابية، يتعين عليه خلال الفترة المقبلة العمل على تنفيذها، من هذه الوعود جعل الحد الأدنى لرواتب موظفي الدولة 22 ألف ليرة تركية، ورفع رواتب المتقاعدين إلى نحو 7500 ليرة واتخاذ إجراءات لحمايتهم من التضخم، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى ما يعادل 500 دولار (10 آلاف ليرة تركية)، وتخفيض عدد أيام الدفع الممتاز لأصحاب المتاجر الصغيرة الذين يخضعون لنظام (Bağ-Kur) مثل الحلاقين والسباكين وأصحاب محلات البقالة إلى 7200 يوم عمل بدلًا من 9000، حيث يمكنهم بعدها الذهاب التقاعد المبكر، أسوة بالأشخاص الذين يخضعون لنظام مؤسسة الضمان الاجتماعي (SGK)،

حيث يتوقع أن يستفيد من هذا القرار نحو مليون شخص. يتطلب تنفيذ هذه الوعود إيجاد إيرادات جديدة للخزينة وتشجيع الصادرات وجلب المزيد من الاستثمارات الخارجية لتعزيز قيمة الليرة وإنعاش النمو الاقتصادي. 

د. وسام الدين العكلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top