شيّع الآلافُ جسد اللواء محمد فارس في اعزاز وعنتاب وأقيمت عليه صلاةُ الغائب، وفتِحت له مجالس عزاء في مدن كثيرة في المهجر السوري، ولولا العوائق الجغرافية؛ لوصل عدد مشيعيه عشرات بل مئات الآلاف…
جال في بال الكثيرين ما مضمونه: “آلآن عرفتم قيمته؟”، “أين كنتم في حياته؟”، “على المغتسل دهنوه * بالعسل!”…
حيث أقرّ البعض أنّا شعبٌ يقدس الأموات ويكفر بالأحياء، ولا يستطيع أيُّ رجلٍ أن يصل لمقام القيادة عندنا، وأنّا نستحق ما حصل ويحصل لنا، لأنّا لم نلتف حول شخصية ما ونسير خلفها إلى يومنا هذا.
ولكن السؤال الذي يلقي بنفسه الآن هو:
هل البيضة أولا أم الدجاجة؟
يبرز السؤال حول طبيعة القيادة والشخصية الوطنية التي يمكن أن تلتف حولها الجماهير.
فالجدل دائر حول ما إذا كان يجب على الشعب أن يرفع من شأن شخصية ما لمركز القيادة، أم أن على الشخصية القيادية أن تثبت نفسها أولًا.. يعكس هذا الإشكالية العميقة في تشكيل القيادات الوطنية.
التحديات والمعضلات
في كثير من الدول يمكن للشخصيات القيادية أن تظهر ويعلو نجمُها بقليل من التركيز الإعلامي عليها، ثم بافتتاح مشاريع وأعمال وطنية، وطبعا هذا كله بتسخير مؤسسات ضخمة تعتمد على ميزانيات دول.
في الحالة السورية تتعقد الأمور وتزيد صعوبةً. إذ إن من يعتمد على المؤسسات الوليدة في المناطق “المحررة” لتسويق نفسه، يفتقر لأقل مقومات القيادة كالشخصية الحضورية/ الكاريزماتية وألف-باء الخطابات السياسية الموجهة للعامة، عدا عن الأدوار المشبوهة التي يقومون بها والفساد المستشري، وهذا ينطبق على كلتا الحكومتين في الشمال (الإنقاذ والمؤقتة)، ما يجعل شخصيات الصفوف الأولى بهما محل انتقاد وتقريع وليس شكر وثناء، وهذا طبعا يجعل من الصعب ظهور قيادات وطنية حقيقية تحظى بالاحترام والتقدير من الشعب.
لا شك أن هناك شخصيات كثيرة وطنية وشريفة وذات نوايا صافية خالصة.. ولكن! أين هي؟ هل هي منعكفة ومنغلقة؟ أم مغيبة ومهمشة؟
الدور الخارجي والتأثير الداخلي للشخصية القيادية
يبدو للوهلة الأولى أن سطوة النفوذ للدول المختلفة بإمكانها تكبيل كل شخص يريد أن يعمل شيئا للبلد. فلا أحد ينكر أن للدول الأجنبية دوراً كبير ورئيسياً في رسم المشهد الذي نعيشه اليوم، وللمتصدرين الفاسدين اليوم دور كبير أيضا. فيحاولون منع أي مصلح من الظهور بكل ما أوتوا من قوة.
ولكن هل هذا يبرر خلو الساحة السورية من شخصيات قيادية مثلى؟ لا طبعا.
أرى أن التقصير الأكبر يقع من تلك الشخصيات نفسها. فكثير منها منكفئ مبتعد عن الأضواء لا يريد المشاركة بأي عمل خوفا من الانتقادات، فيفسح بذلك المجال لغيره من الفاسدين للتصدر.
هذا لو سلمنا أنها شخصياتٌ قيادية مثلى أصلا.
الصفات الشخصية القيادية المثالية
الشخصيات القيادية يجب أن تتمتع بصفات مثل الثقة بالنفس والإلهام والإيجابية والتواضع والنزاهة وقوة الشخصية.
في مسح سريع للساحة السورية لا يمكنك رؤية شخصية ظهرت تستحق أن تكون قيادية ليبجلها الشعب ويرفعها ويتفق عليها ويلتف حولها. طبعا لا أنكر وجود شخصيات محترمة في الساحة. ولكن لم تصل للمستوى المرجو بعد ولذلك لم تُعطى قدرا وقيمة.
لا شك أن من يريد أن يصبح رمزا للشعب السوري سيواجه الكثير من المصاعب القاسية جدا. ولكن هناك فرصة من ذهب في هذا الزمن لخلوّ الساحة من هذا النوع.
وعلينا التذكير أنه حتى الأنبياء تعرضوا لانتقادات ولشتائم وحوربوا وهم أنبياء، فماذا تظن نفسك أنت؟
ختاما: تضحيات الشعب السوري ومعاناته خلال أكثر من عقد. تستحق أن تظفر بقيادة “ملائكية” تعبر به لبر الأمان وتوصله لأهدافه التي ينادي بها منذ سنوات من حرية وديمقراطية ودولة خالية من الفساد والاستبداد بجميع أشكاله.
أقرأ أيضا: المحدد الأمني للسياسة الخارجية المصرية تجاه القضية السورية