المحدد الأمني للسياسة الخارجية المصرية تجاه القضية السورية

المحدد الأمني للسياسة الخارجية المصرية تجاه القضية السورية

ترسم السياسة الخارجية للوحدة الدولية بناء على مجموعة من المعطيات. التي تتميز بها شخصية الوحدة الدولية، من الخصائص القومية والمصالح الوطنية، وطبيعة دورها في النسق الإقليمي والدولي. حيث تفرض هذه المعطيات محددات على صانع السياسة الخارجية. وقد تشكلت السياسة الخارجية لمصر ما بعد موجات “الربيع العربي” تجاه القضية السورية. في إطار مقاربة أمنية في التعاطي مع تعقيدات الملف السوري وتحولاتها على السياق الأداتي.

مكانة سورية في فلسفة المؤسسة العسكرية المصرية

وتنطلق هذه المقاربة الأمنية كمحدد أمني لخارجية مصر تجاه سورية. من مكانة سورية في فلسفة المؤسسة العسكرية المصرية. ودور هذه المؤسسة الكبير بعملية صنع السياسات في السياق المصري. والتي ربما تزاحم الأجهزة الدبلوماسية. حيث تنبع هذه المكانة لسورية إلى بعدها الجيوسياسي في جغرافية الإقليم، والبعد التاريخي المشترك في سياق العلاقات الثنائية بين البلدين.

فقد امتازت تجربة العلاقة الثنائية بين سورية ومصر تاريخيا. بنمط عال من إدارة العلاقة والتفاعلات ذات النسق الواحد. إزاء التعاطي مع التحولات الإقليمية والدولية بناء على ما تحدده المصالح العليا المشتركة والتهديدات التي تمتد على حدود البلدين. وقد فرضت المصالح العليا والتهديدات المشتركة. متمثلة هذه التهديدات بامتداد ” الكيان الصهيوني” على حدودهما وما يشكله ذلك من تهديد مباشر لأمن البلدين القومي. مستوى استراتيجيا في نمط العلاقة الثنائية ما بين البلدين على الصعيدين السياسي والأمني. وقد تجسدت هذه الشراكة الاستراتيجية بين مصر وسورية في قرار الوحدة السياسية بينهما عام 1958. وخوض عدة حروب ومعارك ضد ” الكيان الصهيوني” بإدارة واحدة من جيشهما وبتنسيق سياسي موحد متمثلا ذلك بحربي عام 1967 وعام 1973.

المحدد الأمني للسياسية الخارجية المصرية تجاه سورية:

تبنت مصر في سياستها الخارجية إقليميا حل المعضلات السياسية. ومبدأ إرساء السلام والحفاظ على المؤسسات الرسمية للوحدات الدولية التي تأثرت بالثورات والنزاعات السياسية. وعدم التدخل المباشر في ثنائيات الصراع الدائرة في الإطار الإقليمي. فاتسمت السياسة الخارجية لمصر بثبات نسبي تجاه سورية ما بعد انطلاق الحراك الثوري فيها. ويحكم مسار وشكل التعاطي في الملف السوري لخارجية مصر السردية التي تؤمن بها المؤسسة العسكرية المصرية لتحولات الحراك السوري. ما بين ثنائية الحراك المدني والعمل المسلح. التي فرضتها طبيعة استجابة النظام السوري القمعية له. فالمنظور الأمني – العسكري لمصر يرى في سورية خط دفاع استراتيجي ومنطلقا لتعزيز أمنه القومي أو تهديده. على اعتبارها جبهة وبوابة مصر الشرقية. فتأمين حدود مصر الشرقية أحد أهم أهداف الخارجية المصرية القومية، لتتفرغ نحو منابع النيل وضمان تدفق حصتها من نهره.

لذلك كان المحدد الأمني للسياسة الخارجية المصرية تجاه القضية السورية يتجسد في مبدأين أساسيين. يعبر المبدأ الأول عن ضمان “وحدة الأراضي السورية ورفضها لأي حل يسهم في تجزئة سورية”. انطلاقا من اعتبار أن تجزئة الأراضي السورية ستسهم بشكل طبيعي لإضعاف قوة الدولة السورية. مما يتلازم حكما مع ضعف من قوة الجبهة الشرقية وتماسكها وما تشكله من الناحية الاستراتيجية للدولة المصرية. وهو ما تحاول مصر تجنبه بما يشكل ذلك من خطر على أمن ومصالح مصر العليا. لذلك سعت مصر عبر تفاعلها في القضية السورية على السياق الدبلوماسي والأمني إلى الحفاظ على سلامة ووحدة التراب السوري.

رفض مصر الحلول العسكرية

ويتمثل ثاني المبدأين في ” رفض مصر الحلول العسكرية” وقد تشكل هذا المبدأ بعد تسلح الثورة السورية ودخول فاعلين ورعاة جدد في الملف السوري. وانبثاق ” تنظيمات جهادية” كتنظيم “داعش” في سورية. الذي انخرط في صفوفه عدد من المصريين. مما زاد من فاعلية متابعة الملف السوري عبر الأجهزة الأمنية. وينطلق هذا المبدأ من رؤية مصر للحفاظ على المؤسسات الرسمية في بؤر الصراع والنزاعات. فهي تطمح لأن تحافظ على ” نواة جيش النظام السوري” وعدم هدم المؤسسة العسكرية بما لا يسمح ببناء جيش جديد قد يشكل بأياد غير سورية. من شأنه أن ينطوي هذا التشكيل على تناقضات في الولاءات والدوافع؛ مما يؤدي إلى الحد من فاعليته وإضعاف قوته، كما أن هذا المبدأ نابع من تخوف مصر من نجاح نموذج “التغيير المسلح” وإمكانية تصديره لها أو لدول أخرى إقليميا.

ربما غلب الهاجس الأمني على الطابع الدبلوماسي لخارجية مصر تجاه ” القضية السورية” إلا أنها لعبت دوراً هاماً على السياق الدبلوماسي في المساهمة السياسية لحل الملف السوري. حيث رعت مصر العديد من المبادرات السياسية منذ بداية “الثورة السورية” إيمانا منها للمساهمة في حل القضية السورية. وذلك عبر استضافة مؤتمر جامع للمعارضة السورية عام 2012. وقد مهد المؤتمر لتصور دستور ديمقراطي لسورية ما بعد إسقاط “نظام الأسد“، وكذلك استضافت في عام 2015 مؤتمرين متتاليين للمعارضة السورية، كان الهدف منهما تشكيل تيار سوري معارض يؤمن بدولة سورية مدنية ديمقراطية، وقد افرزت مخرجات هذين المؤتمرين ما يعرف ” خريطة طريق المعارضة السورية” التي نصت على استحالة الحل العسكري، وضرورة الانتقال السلمي للسطلة في سورية، وهو ما يتوافق مع محددات السياسية الخارجية المصرية تجاه سورية ببعدها الأمني.

ختاما:

ربما تكون المقاربة الأمنية للملف السوري قاصرة لا تفضي إلى تصور شامل للقضية السورية من أبعادها المختلفة. الأمر الذي يتلازم مع عدم إمكانية تبني سياسات شاملة من شأنها أن تسهم في عملية حل الصراع في سورية، كما أن اعتماد هذه المقاربة وما تفرضه من استجابات وتفاعلات على صانع ومنفذ السياسيات. من شأنها أن تغفل من أصل الصراع وسبيل الحل وهو الصراع السياسي.

أ. لورانس الشمالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top