شكل الشعور بالذنب موضوعًا مركزيًا في الهوية الألمانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد تصارعت ألمانيا مع كيفية التعامل مع إرثها من النازية، بما في ذلك إبادة اليهود المنهجية، أو ما يعرف بالهولوكوست. وبعيدا عن الخوض بصحة أرقام الضحايا اليهود وبوجود المبالغة فيها، سنتناول الموضوع من جهة أخرى.
“الشعور بالذنب” كمحرك لسلوك بعض الدول:
عموماً، يُعد الشعور بالذنب مسألة معقدة وحساسة في ألمانيا. فيشير هذا المفهوم إلى شعور جماعي بالذنب لما ارتكبته مجموعة من الألمان زمن النازية. وعُزِّز هذا الشعور من قبل القوات الأمريكية البريطانية في ألمانيا بعيد الحرب عبر حملة إعلانية مكثفة نُشِرت بها ملصقات تصور. “معسكرات الاعتقال” مع شعارات مثل «هذه الفظائع: خطؤكم!». ويشكل اليوم,”الشعور بالذنب” و “محاربة معاداة السامية”, جزءًا أساسيًا من الهوية الألمانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية HYPERLINK. ويستمر في التأثير بعمق على المجتمع الألماني الحالي. حيث تتواصل عملية مواجهة الماضي بألم وصعوبة. شملت هذه المواجهة محاكمات ما بعد الحرب العالمية الثانية في HYPERLINK. نورنبرغ لمسؤولين كبار في القيادة السياسية، والعسكرية، والقضائية، والاقتصادية في ألمانيا النازية. وتضمين “فظائع” الإبادة الجماعية في المناهج الدراسية، وإقامة العديد من النصب التذكارية للضحايا. والاعتذار الرسمي الذي قدمته ألمانيا، وغيرها من الأعمال…
وكمثال آخر، بعد خروجها من الجزائر. ترفض فرنسا حتى اليوم تقديم اعتذار رسمي للجزائر عن فترة الاحتلال، لكنها اعترفت ببعض الجرائم التي ارتُكبت. كما في عام 2012 حين أقر البرلمان الفرنسي HYPERLINK قانونًا يعترف بـ “الحرب الجزائرية” كـ “حدث مؤلم” و”مأساة لكلا الشعبين”.
وفي موقف مشابه من بعض الرؤساء الأمريكيين حيال تدمير جيشهم مدينتي ناغازاكي وهيروشيما بالقنابل النووية وقتل عشرات آلاف المدنيين الأبرياء. فقد عبر كل من الرئيس هاري ترومان في مذكراته عام 1947. والرئيس بيل كلينتون في خطاب عام 1994 في هيروشيما عن أسفهما.
التناقض بين الأقوال والأفعال:
وبالعودة إلى يومنا هذا نجد أنه في الوقت الذي تقوم به إدارته بتقديم كافة أنواع الأسلحة المدمرة والمتطورة في خطوط إمداد تعمل بكامل طاقتها 24/24 يظهر الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في مؤتمر صحفي HYPERLINK مصرحا أن “قلبه يتفطر بسبب الصور القادمة من «غزة» وموت عدة آلاف من المدنيين بينهم أطفال.” وتقوم طائرات جيشه ذاتها التي تمد “الصهاينة” بالأسلحة لقتل الفلسطينيين، تقوم بإلقاء فتات من أطعمة لا تسد رمق 10% من المحاصرين في أبشع تصويرٍ لـ” يجرح ويداوي” أو ” يقتل القتيل ويمشي في جنازته”.
في حين تتخذ ألمانيا محاربة النازية و “حماية شعب الله المختار” و “الشعور بالذنب” مبررا لتقديم كافة أشكال الدعم لعملية الإبادة التي تجري اليوم في غزة للتكفير عن إبادة سابقة ارتكبتها هي نفسها. فتدعم ضحية البارحة لتصبح مجرمة اليوم! فربما يريدون أن لا يشعروا بالعار التاريخي وحدهم بل يحاولون صناعة شركاء عار يخففون بهم وحدتهم.
العدالة والتعويض في أعقاب الصراعات:
وفيما يتعلق بـ “الاعتراف بالذنب” والاعتذارات، فهي لا تسمن ولا تغني من جوع. فإذا ما قدمت هذه الدول اعتذارات بعد فترة زمنية عما تقوم به اليوم، فمن سيعيد العشرات من الآلاف من القتلى؟ ومن سيُنسي الجرحى أهوال آلامهم واللحظات المرعبة التي عاشوها؟ كيف سيتم تعويض من تهدمت بيوتهم وعانوا من المجاعة والنزوح إلى العراء مع فقدانهم للأمان؟
حتى لو تمت محاكمة “نتنياهو” وكبار قواده ومحاكمة المسؤولين الألمان والأمريكان وغيرهم، فما فائدة هذا للمتضررين؟ لا شيء إطلاقا، ربما فقط تجعل بعض القادة المستقبليين يفكرون قليلا قبل ارتكابهم لجرائمهم المستقبلية. أما من مات فإلى رحمة الله، ومن بقي فالعوض بسلامته، وعزاؤنا أنه هناك آخرة.
أقرأ أيضا: الشخصية القيادية الوطنية في السياق السوري: البيضة أولا أم الدجاجة؟