بقلم: الشيخ حسن الدغيم
موجة عارمة من الجدل عندما رمى إمام السواد (الخامنئي)، بشيءٍ من مستقبحاته، في الفضاء العام، متحدثاً عن جبهةٍ (حسينية ويزيدية)، مستدامة الصراع، نابشاً بذلك الجثامين من تحت الرمال، وضارباً الرجال بالرجال، ويسعى من ذلك إلى بث الفتن، واستحلال سفك الدماء المعصومة، وللأسف وبدل أن ينبري المثقفون بزجر ترهاته، انساق بعضهم مبررين استجرار الفتن بتقديس خط الجبهةٍ “الحسينية”، ومطلقي النار على الجبهة “اليزيدية”، في حربٍ زائفة ، مكثرين سواد الخمينية وعدوانها على الإسلام والإنسانية، وحقوق الحياة والحرية ، بدلاً من تعزيز السلام.
إن الحسين ويزيد (رحمهما الله) شخصان قريبان في النسب، متّحدان في الدين والمذهب، مختلفان في السياسية، دست بينهم الدسيسة، وذر بينهما قرن الخلاف فاقتتلا، رافعاً الأول راية الثورة، وناصباً الثاني أركان الاستقرار، في ظرفٍ زمني يجد كل طرفٍ مصلحة المسلمين من طرفه، وقد فشلت الثورة، وقتل الحسين رحمه الله، ويتحمل يزيد النسبة الأكبر من الخطأ، لأنه حينها يمثل الدولة، ويملك من الوسائل أكثر مما في يد الحسين للإصلاح السياسي، في منظومة الحكم، واحتواء الثائرين، ضمن خارطة الدولة، سلطةً أو معارضة.
إن الثابت في الأمر أن الحسين (رضي الله تعالى عنه) وأهله معززين مكرمين، مبجلين طوال حياتهم، ينالون كل الاحترام والتقدير، والوفرة المالية من بيت مال المسلمين، بما قسم الله لهم من حق القربى في المودة والصلة، وحرص خلفاء المسلمين على تقديمهم، وقضاء حوائجهم، وإنزالهم منزلتهم، دون أي منةٍ ولا أذى، أي حياة طبيعية عادية، بعيدة عن الشأن العام السياسي، وذلك حتى أواخر عمره، وبعد موت معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين، وصارت الخلافة ليزيد، رفض الحسين ذلك وطلب الخلافة لنفسه، محاولاً بذلك إرجاع الحكم لبيت علي (رضي الله عنه) ولم يوفق واقعياً بذلك، فكان استشهاده، ولم تكن مشكلة الحسين (رضي الله عنه) التوريث كما يشاع تاريخياً، فالحسين من قبل رضي بتوريث سيدنا الحسن الخلافة عن أبيه علي (رضي الله عنه)، فهو مع التوريث ولكن ضمن بيت علي (رضي الله عنه) لا ضمن بيت بني أمية لاعتقاد رجال أهل البيت أن صلة القرابة تجعلهم أحق بالخلافة.
جرى هذا كله في سياق تغالب عسكري خالٍ من المحتوى العقدي، وكان من المفترض أن تمر تلك الفجيعة بشيءٍ من الاعتبار وإدارة الخسائر، لولا أن مراكز العمق في الدولة الإيرانية المنهزمة ماضياً، والموتورة حالياً، انتهجت سياسية التكفير، والباطنية، ومزقت جسد الأمة، تياراً إرهابياً موازياً، اعتمد التقية والنكث، والغدر والاغتيال السياسي منهجاً، ولتدبيج ملحمةٍ وأسطورة تحشد من خلالها أفواج المقاتلين، لذبح جيرانهم المسلمين والعرب، منهم خاصة كان لابد من اختلاق الأيقونة ” الحسينية” واختلاق رايةٍ زائفة تؤسس لعقيدةٍ ثأرية جاهلية، لا تقرها شريعة الإسلام، بل تستنكرها طبائع النفوس السليمة، وجاعلين ذلك من أركان الدين، والحل مع هؤلاء الواقعين بسفك الدماء وتشقيق الأمة، لا يكون بتقديس حسين وسب يزيد، وما كان ديننا يوماً دين عائلة، أو أسرة حاكمة، ينال بنوها اختصاصاتٍ، أو امتيازات سياسية عن الآخرين، وكل ما يفعلوه قابلٌ للنقد، والوضع في الميزان، فيقبل منهم ما يقبل من غيرهم، ويرفض منهم ما يرفض من غيرهم، وهذه الهشتاغية والاندفاعية المزاجية، بالتلطيم لقسمات الحكمة، والتحطيم لقواعد المنطق، من أجل تناقل موتوريات وأحقاد، ما عاشت لولا جيوب المستثمرين، وأحلام الطامحين، لا تزيد في رصيد المودة لأهل البيت الكرام، بل على العكس تُسيِّسها، وتفقدها وهجها وتحولها، لمجاملاتٍ مكرورة.
فليس هناك جبهة حسينية بمقابل جبهة يزيدية، بل إن هناك جبهة إسلامية، تؤمن بالشورى مقابل خمينية تؤمن بالسلالة، جبهة إسلامية تؤمن بالتداولية، مقابل خمينية تعتمد الكسروية، جبهة إسلامية تعطي حق الحكم للأمة، لا لنخبة مقابل ثؤلةٍ خمينية تحتكر الأمة في عائلة، والجبهة الإسلامية مفهوم واسع، يدخل فيها عاقل الشيعة والسنة، والجبهة الخمينية جبهة خوارج وضلال، وقطاع طرق، ومزيفي وعي، وفرق موت، هم مطايا الطامعين، وأقدام الغزاة، يستعلون ويتكبرون ويستحلون، ويغدرون بالحسين ويزيد، وبنو هاشمٍ وأمية، وبالعروبة والإسلام، وبالبشرية والإنسانية.
وعليه تبقى قدسية المبادئ، مقدمة على مكانة الأشخاص، وقواعد المنطق حاكمة على سيل العواطف، ولاشك بأن التاريخ الروائي للحياة السياسية الأولى تعتريه مزاجياتٌ تعبوية، ويغلب عليه التعاطف مع من قتل على يد السلطات، فما بالك والقتيل من سلالة النبوة، ولذلك لابد من تحليل عميق لمراكز القوى والنفوذ في ذلك الزمن واستثمارهما، في الامتيازات السلالية، وندرة الأدوات في تداول السلطة، كما وأن التعويل ليس على أهل السنة، في هذا المجال، فلقد اتخذهم الشيعة طرفاً وخصوم؛ ولكن التعويل على المتنورين من الشيعة، وخاصة الذين لا يبيعون دينهم بالخمس الحرام، أن يرفعوا صوتهم ضد هذه الفيضانات العنصرية، الطائفية، ودين الموتوريات الحاقدة، وقطعان اللطم والتطبير، والدسكو الحافل بالدجل.