تخيل أن تعيش في عالمٍ حيث يصبح السلاح لغة الحوار، والقوة هي المقياس، حيث يرتمي الأمن والأمان على مذبح العنف، في عالمٍ تحكمه فوهات البنادق، وتصبح الحياةَ فيه رهينة لحظات والقوة هي اللغة السائدة.
بالتحديد هذا هو الواقع الذي فرضته عسكرة المجتمع ، تلك الظاهرة التي حوّلت حياة المدنيين إلى ساحة حرب مستمرة، فبدلاً من أن يكون المجتمع مكانًا للتآلف والتعاون، أصبح سجنًا يحكمه الخوف والقلق الأمني. وإن هذه الظاهرة، لم تعد مجرد تحدٍ أمني، بل أزمة نفسية واجتماعية عميقة.
نعم، هكذا يعيش قاطنوا الشمال السوري المحرر. فقد شهد الشمال السوري، منذ تحريره من تنظيم داعش وميليشيات قسد والأسد، تحولاً دراماتيكياً في المشهد الأمني، حيث علق في دوامة من الفوضى والعنف. كان من أبرز مظاهر هذا التدهور انتشار السلاح بشكل عشوائي بين الفصائل المسلحة المتعددة، مما حوّل المنطقة إلى بؤرة صراع مستمرة، وبات يعاني من فوضى عارمة في انتشار السلاح، خاصة بين فصائل المعارضة المتعددة. هذه الفوضى لم تقتصر على تهديد أمن المدنيين، بل زادت من حدة الصراع الداخلي، وأعاقت جهود إعادة الاستقرار إلى المنطقة
وإن من أسباب هذه الفوضى:
1.تعدد الفصائل: ازدياد عدد الفصائل المسلحة في الشمال السوري أدى إلى تشتت الولاءات وتعدد مراكز القوى، مما صعب عملية ضبط السلاح وتنظيمه.
2. تدفق السلاح: تلقت الفصائل المسلحة كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة من دول مختلفة، مما زاد من انتشار السلاح بشكل عشوائي
3.غياب سلطة مركزية: غياب سلطة مركزية قوية قادرة على فرض القانون والنظام ساهم في تفاقم الوضع الأمني، وسهل انتشار الجريمة والعنف، في الحقيقة لا يوجد سلطة مركزية تحافظ وتدافع عن حقوق الشعب في حال حدوث أي مشكلة أو انتهاك، بل هذه القوى والسلطات تزيد من حدة الصراع أو تنحاز لطرف معين من أطراف الصراع بغية الحفاظ على نفسها وتحقيق مصالحها.
4.الصراعات الداخلية: أدت الخلافات والصراعات بين الفصائل إلى اشتباكات مسلحة متكررة، وتأجيج الصراع الداخلي يعود لوجود عدة مكونات متناحرة فيما بينها غالب الأحيان كبعض الفصائل المسلحة والمكون العشائري والمناطقية أي أنه ليست الفصائل وحدها هي من تؤجج هذا الصراع، ولكن نستطيع القول إنها المغذي الرئيسي لهذه الصراعات لأن المناطق والعوائل تتبع لفصائل مختلفة وكل هذا يسهم في تأجيج الصراع عندما لا يتم تفاهم هذه المكونات بين بعضها البعض وأية مشكلات بينهم لا تحل إلا بالسلاح .
ولم يقتصر حمل السلاح وإطلاق النار فقط على المشاجرات، بل أصبح إطلاق النار في الهواء كتعبير عن الفرح أو الحزن، أو محاولة لمنح القيمة لحدث يمكن أن يكون مروره عاديًا، مما يحمل خطورة على الموجودين في أماكن إطلاق النار خاصة المدنيين، لم أعد أدري هل نعيش في شيكاغو أم في السلفادور!؟
تتحمل مسؤولية هذه الفوضى سلطات أمر الواقع كالفصائل ومؤسسات البلد الأمنية، ووجهاء المناطق وشيوخ العشائر.
ويمكن تقديم مجموعة من الحلول:
١_ تحتاج إلى توحيد صفوف الفصائل العسكرية تحت مسمى واحد وهدف واحد
٢_ إعادة هيكلة الفصائل العسكرية، وإعدادها من جديد، من خلال تحقيق يتم على العناصر والقيادات وكل من له سابقة يفصل أو يسجن.
٣_ العمل على مبادرات تستعيد الترابط الاجتماعي بين المقيمين والمهجرين.
٤_ فرض غرامة وعقوبة صارمة على من يحمل سلاح دون ترخيص وهو غير عسكري.
ختاما لا يمكن فهم المشهد المعقد في الشمال السوري بمعزل عن دور تركيا المحوري في تشكيل هذا المشهد وإن فوضى السلاح في الشمال السوري ليست مجرد مشكلة أمنية، بل هي أزمة إنسانية وسياسية تتطلب تضافر الجهود من أجل حلها. ويجب على الدول الداعمة للمعارضة السورية أن تتحمل مسؤولياتها في دعم الجهود الرامية إلى جمع السلاح وتنظيم عملياته، وتعزيز سيادة القانون، وبناء مؤسسات أمنية قادرة على حماية المدنيين. كما يجب على الفصائل المسلحة أن تتحمل مسؤوليتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار، والعمل على تسوية الخلافات بالطرق السلمية.
بقلم: عبد الله عبدون