مع تصاعد التوترات الدولية والصراعات الجيوسياسية في مختلف أنحاء العالم، أصبح الحديث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة أكثر شيوعًا في الخطاب السياسي والإعلامي. فمن النزاع الروسي الأوكراني إلى التنافس بين الولايات المتحدة والصين، مرورًا بتعاظم الأزمات في الشرق الأوسط وتوتر العلاقات بين القوى الإقليمية، يبدو أن العالم يقف على حافة أزمة كبرى. فهل نحن بالفعل على أعتاب حرب عالمية جديدة؟ وهل يمكن أن تتكرر المأساة التي شهدتها البشرية في النصف الأول من القرن العشرين؟
التنبؤ بقيام حرب عالمية ثالثة يتطلب النظر إلى مجموعة من العوامل الدولية التي تشكل بؤر توتر محتملة قد تتطور إلى صراع أوسع. من أبرز هذه العوامل، *التنافس بين القوى العظمى. التوترات بين الولايات المتحدة والصين تعد اليوم واحدة من أخطر الملفات على الساحة الدولية. الصين، التي تسعى لتعزيز مكانتها كقوة عظمى، تواجه مقاومة شديدة من الولايات المتحدة التي تحاول الحفاظ على تفوقها في النظام الدولي. النزاع حول “تايوان”، التوترات في “بحر الصين الجنوبي”، والمنافسة التكنولوجية والاقتصادية بين البلدين، قد تؤدي إلى تصاعد الصراع إلى مستوى عسكري، خاصة إذا ما شعرت إحدى القوتين أن مصالحها الحيوية باتت مهددة.
الصراع الروسي الأوكراني
هو عامل رئيسي يزيد من احتمالية اندلاع صراع عالمي. التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وامتداد الحرب لأكثر من عامين جعلا من أوروبا ساحة لتصعيد خطير بين روسيا والغرب. الدعم الغربي المكثف لأوكرانيا بالأسلحة والمعدات، والتصعيد المتبادل في العقوبات الاقتصادية والتهديدات النووية، خلق حالة من الاستقطاب العالمي تعيد إلى الأذهان مشهد الحرب الباردة. ومع ذلك، الخوف الأكبر ينبع من *التهديد النووي*، إذ أن روسيا تلمح من حين لآخر إلى إمكانية استخدام أسلحة نووية تكتيكية إذا ما شعرت بأن أمنها القومي يتعرض لخطر وجودي.
لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون: هل يمكن للعالم تحمل حرب عالمية ثالثة؟
الإجابة الأكثر واقعية هي أن الحرب الشاملة بين القوى الكبرى اليوم ستكون كارثية، ليس فقط بسبب الأسلحة التقليدية، بل أيضًا بسبب الترسانة النووية الضخمة التي تمتلكها القوى العظمى. أي صراع بين الولايات المتحدة وروسيا أو الصين يمكن أن يؤدي إلى تدمير شامل للكوكب، وهو ما يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن احتمالية نشوب حرب عالمية شاملة تبقى منخفضة، لأن القوى الكبرى تدرك خطورة هذه الخيارات.
ومع ذلك، يمكن للحرب العالمية الثالثة أن تتخذ شكلاً مختلفًا. بدلًا من المواجهات العسكرية التقليدية الكبرى بين القوى العظمى، قد نرى حروبًا بالوكالة تنتشر في مختلف أنحاء العالم. بالفعل، هذا ما نشهده في العديد من المناطق اليوم. الصراعات في الشرق الأوسط، مثل اليمن وسوريا، تعكس تنافسًا غير مباشر بين القوى الإقليمية والدولية الكبرى. وفي أفريقيا وآسيا، تتصاعد التوترات أيضًا مع تورط العديد من القوى العالمية في دعم أطراف متنازعة لتحقيق مصالحها الجيوسياسية. هذا النمط من الحروب يمكن أن يستمر ويتسع، مما يخلق حالة من الفوضى والاضطراب العالمي دون أن يتخذ شكل حرب عالمية تقليدية.
سباق التسلح التكنولوجي
أحد العوامل الأخرى التي تزيد من احتمالية نشوب صراع عالمي هو سباق التسلح التكنولوجي. التطورات السريعة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الأسلحة الفضائية، وتقنيات الحرب الإلكترونية، قد تجعل الصراعات أكثر تعقيدًا وخطورة. اليوم، لم يعد الصراع يعتمد فقط على الأسلحة التقليدية أو النووية، بل يتسع ليشمل الفضاء السيبراني والهجمات الإلكترونية التي يمكن أن تشل البنية التحتية لدول كبرى دون إطلاق رصاصة واحدة. مثل هذه الهجمات قد تؤدي إلى ردود فعل عسكرية إذا ما استهدفت مصالح حيوية أو أدت إلى انهيار اقتصادي.
الدور الاقتصادي في احتمال اندلاع حرب عالمية لا يقل أهمية عن الجوانب العسكرية. الاقتصاد العالمي اليوم أكثر ترابطًا وتعقيدًا مما كان عليه خلال الحربين العالميتين السابقتين. الأزمات الاقتصادية العالمية، مثل الركود أو التضخم الجامح، يمكن أن تؤدي إلى تصاعد التوترات بين الدول، حيث تسعى كل منها إلى حماية مصالحها الاقتصادية على حساب الآخرين. التنافس التجاري والاقتصادي بين القوى الكبرى، إذا ما تصاعد إلى مستويات خطيرة، قد يدفع الدول إلى اعتماد الخيارات العسكرية لحماية مصالحها الاقتصادية.
رغم هذه السيناريوهات، يبقى هناك احتمال لعدم نشوب حرب عالمية أو تأخر نشوبها على الأقل؟
فالنظام الدولي الحديث يمتلك العديد من الآليات التي تهدف إلى منع تصاعد النزاعات وتحويلها إلى صراعات كبرى. الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية الأخرى، ما زالت تلعب دورًا في التخفيف من التوترات ومحاولة التوصل إلى حلول سلمية. كما أن الدبلوماسية، رغم تحدياتها، لا تزال خيارًا معتمدًا من قبل العديد من الدول لتجنب الكارثة.
في النهاية، يبقى السؤال حول إمكانية نشوب حرب عالمية ثالثة شائكاً، وتتداخل فيه عوامل متعددة. فالعالم اليوم يقف على مفترق طرق خطير، والتوترات الجيوسياسية تتزايد، لكن الحرب ليست حتمية. القوى الكبرى تدرك أن الحرب العالمية الثالثة، إذا ما نشبت، ستكون كارثية بشكل لم يسبق له مثيل، وستغير وجه الأرض إلى الأبد. قد نكون على حافة الهاوية.
عبد الله عبدون