لقد أثبتت عقود الاستبداد في سوريا أن النظام الأسدي لا يعدو أن يكون عصابة حاكمة، مارست على مدى عقود العديد من الجرائم بحق الشعب السوري. تلك العصابة لم تكتفِ فقط باستعباد شعبها، بل فشلت في إدارة دولة بشكل عادل وناجح، وسعت إلى تكريس سيطرتها على أراضٍ وشعبٍ عانى منها أبشع أنواع الإذلال. وهكذا، أصبح الشعب السوري أمام خيار واحد فقط، وهو التصدي لهذا النظام بكل السبل الممكنة، سواء كان ذلك على المستوى العسكري أو السياسي أو الاجتماعي.
لقد نشأ نظام الأسد على أيدي أفراد تربوا على الإجرام، بل على ممارسة العنف والفساد بأبشع صوره.
النظام الذي أسسه حافظ الأسد في منتصف السبعينات كان معتمدًا على مجموعة من الضباط وأفراد العائلة الذين سرعان ما رسخوا ثقافة القمع والقتل. حافظ الأسد، الذي جاء إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1970، كان يركز طوال فترة حكمه على تعزيز سلطته عبر الأجهزة الأمنية، مُستَخدمًا في ذلك العنف والقمع كأداة للبقاء في السلطة.
يذكر التاريخ السوري أن حافظ الأسد، في بداية تسعينات القرن الماضي، قام بقتل آلاف المدنيين في مدينة حماة عام 1982 خلال ما سُمي “مجزرة حماة”، وهي إحدى أفظع العمليات التي مارستها الدولة ضد شعبها.
ومنذ ذلك الحين، استمر النظام الأسدي في اتباع نفس الاستراتيجية: القتل والتهجير وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية بكل وحشية.
ومع قدوم بشار الأسد إلى السلطة بعد وفاة والده عام 2000، واصل النظام نفس السياسات، ولكن بشراسة أكبر.
ففي بداية الثورة السورية عام 2011، استخدم النظام الأسدي الأساليب نفسها: القمع الوحشي والتعذيب الممنهج للمتظاهرين، الذين خرجوا مطالبين بالحرية والكرامة.
هذه العصابة التي هيمنت على مقدرات سوريا لا تملك من الإنسانية شيئًا، فقد سعت طوال السنوات الماضية إلى تحويل سوريا إلى ساحة للقتل، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في العديد من الهجمات.
إحدى أبرز الجرائم التي ارتكبها النظام الأسدي هي مجزرة الغوطة الشرقية في 2013، حيث قتل أكثر من 1400 شخص جراء هجوم بغاز السارين، ومجازر نفذت بدم بارد بذبح المدنيين كمجزرة داريا الكبرى ومجزرة الحولة والبياضة وغيرها، مما جعل المجتمع الدولي يصرخ بوجه هذه الجرائم، دون أن يحرك ساكنًا تجاه محاكمة المجرمين.
الحديث عن النظام الأسدي يشير إلى تكوين ثقافة من القهر وغياب العدالة، حيث كانت أجهزة الأمن تلعب دورًا رئيسيًا في تثبيت هذا النظام الظالم.
كانت المخابرات السورية منتشرة في كل زاوية وشارع، تهدد المواطنين وتعتقلهم وتُعذبهم لمجرد معارضتهم للنظام.
ورغم كل ذلك، لن يكون لهذه العصابة المجرمة أبدًا تأثير دائم على الشعب السوري وخاصة بعد سقوط رأس النظام في 8 كانون الأول 2024.
تاريخ السوريين مليء بالعزم والبطولات والشعب السوري الذي عانى من ظلم هذا النظام لعقود طويلة، قادر على اجتياز هذه المحنة مهما كانت صعوبتها.
تلاحم الشعب السوري في هذه المرحلة هو السلاح الأهم لمواجهة بقايا هذه العصابة المتعطشة للدماء (فلول النظام). فالشعب السوري اليوم ليس كما كان بالأمس؛ لقد تعلم من تجاربه وحقق وحدة وطنية تتجاوز الطائفية والانقسامات.
من واجب الدولة السورية، في مرحلة ما بعد الأسد، أن تبني أسس العدالة الحقيقية، وأن تعيد بناء البلاد عبر محاسبة كل من ارتكبوا الجرائم بحق الشعب السوري، بداية من رأس النظام وصولًا إلى آخر ضابط في الأجهزة الأمنية.
محاسبة هؤلاء يجب أن تكون بلا رحمة، لأنهم قتلوا الشعب السوري ودمروا بلاده تحت شعارات زائفة. وعلى الشعب السوري أن يظل متحدًا، فالتحدي الكبير اليوم ليس في محاكمة المجرمين فقط، بل في إعادة بناء سوريا الحرية والديمقراطية، حيث يعامل كل مواطن فيها بكرامة، بعيدًا عن القمع والظلم.
من الضروري أن ندرك أن عصابة فلول النظام، لا يمكن ترويضها أو إصلاحها، بل إن مواجهتها والقضاء عليها هو السبيل الوحيد لعودة سوريا إلى أبنائها الأحرار. فالنظام الذي لطالما مارس الإذلال والقتل بحق شعبه لا يستحق أي فرصة للبقاء، ولا يمكن التعايش معه.
يجب أن تكون المرحلة القادمة مرحلة انتصار للعدالة، حيث يُحاسب كل من ساهم في تدمير البلاد وذلّ الشعب السوري. سوريا بحاجة إلى إعادة بناء حقيقية، تُستعاد فيها الكرامة والحرية لكل مواطن، ويعود فيها الأمل لشعب يستحق الحياة الكريمة والعيش في وطنه بعيدًا عن القمع والتسلط.
مؤيد حبيب