تحالف الأقليات: إعلانٌ صريح ضد الدولة أم وهم ديمقراطي؟
بقلم: بلال محمد الشيخ/ سياسي سوري
8/ أغسطس/2025 م
في الوقت الذي تتطلع فيه سوريا إلى إعادة بناء وطنٍ جامعٍ بعد سنواتٍ من الحرب والانقسام، تطلّ علينا بعض الحركات السياسية المنبثقة عن الأقليات، لا بصفتها شركاء في الوطن، بل كأطرافٍ تفاوضية تسعى لاقتطاع موقعٍ خاصٍ خارج إطار الدولة، وتقديم مصالحها ومصالح من يديرها من الخارج على مصلحة سورية العظمى في التعافي والاستقرار وإعادة الإعمار.
إن ما شهدناه مؤخرًا من اجتماعاتٍ وتحالفاتٍ معلنة، لا يمكن قراءته إلا كإعلانٍ صريحٍ لمواجهة الحكومة، وتكريسٍ لنهجٍ انفصاليٍّ مغلّفٍ بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأكثر من نخشاه أن لا تبقى هذه التحالفات حبيسة مطابخ الخيانة السياسية، بل انتقالها إلى مواجهة ميدانية مع الحكومة وجر الشعب السوري إلى صراعات عسكرية قد تودي بالشعب إلى حرب أهلية قد لاتنتهي بعشرات السنين، وضرب مفهوم العقد الاجتماعي
فعندما تُفسح هذه التحالفات المجال للفئات في التفاوض المباشر مع جهات دولية، يُغتال مبدأ المواطنة الجامعة وتُرسّخ المحاصصة بدلاً من الشراكة القوية.
الديمقراطية الزائفة: حين تتحول الحقوق إلى أدوات تفكيك
ما يُسمّى بـ”التمكين السياسي للأقليات” لم يعد مجرد مطلبٍ حقوقي، بل بات مشروعًا سياسيًا موازياً، يُدار خارج مؤسسات الدولة، ويُصاغ بلغةٍ دوليةٍ لا تعترف بالسيادة الوطنية.
هذه الديمقراطية الشكلية، التي تُرفع كشعار، تخفي في جوهرها نزعةً لتفكيك الهوية السورية الجامعة، واستبدالها بهوياتٍ فرعيةٍ متنازعة.
فالسؤال هنا هل الديمقراطية تعني أن تُدار شؤون الدولة من خارجها؟
- هل التعددية تبرّر إنشاء كياناتٍ سياسيةٍ موازية؟
- وهل حقوق الأقليات تُنتزع عبر تحالفاتٍ دوليةٍ مشبوهة؟
لاشك إن إعلان هذه الاجتماعات كتحالفٍ سياسيٍّ في وجه الحكومة، لا يمكن اعتباره مجرد تعبيرٍ عن الرأي، بل هو تجاوزٌ للخطوط الوطنية الحمراء، ومحاولةٌ لفرض واقعٍ سياسيٍّ جديدٍ لا يستند إلى إرادة الشعب السوري، بل إلى دعمٍ خارجيٍّ وتحالفاتٍ ظرفية.
هذه التحالفات لا تقف حجر عثرة أمام المسار الانتخابي فحسب، بل تمتد لتعرقل:
_ صياغة دستور جديد: إذ يُستخدم واقع التحالفات كذريعة لتبرير تأخر إنجاز الدستور أو وضع ضوابط تمنع مناقشة ملفات أساسية كاللامركزية والمواطنة المتساوية.
_ تمكين الإصلاح الإداري: إذ يقود الضغط الخارجي على الحكومة إلى تقديم تنازلات جزئية تنعكس في هيكلة إدارية هرمية تقصي بعض المناطق وتربطها بمحاور إقليمية غير سورية.
هذه التحالفات تُعيد إنتاج منطق المحاصصة الطائفية.
تُهدد وحدة القرار السياسي، وتُضعف مؤسسات الدولة.
تُكرّس الانقسام بدلًا من بناء عقدٍ اجتماعيٍّ جديد.
“استجابة وطنية مقترحة لمواجهة التحديات”
لمواجهة هذا التحدي يمكن اتخاذ خطوات استراتيجية متوازنة:
1_ حوار وطني شامل يدعو كافة القوى السياسية والأحزاب والفعاليات المدنية إلى طاولة تفاوض واحدة توّزع الأدوار بعيدًا عن المحاصصة ويترجم ذلك في برنامج عمل واضح.
2_ إدماج الأقليات داخل المؤسسات
عبر تخصيص مقاعد حقيقية في البرلمان ومراكز صنع القرار وتطبيق معايير الشفافية والمحاسبة لتأكيد مبدأ المواطنة الفعلية.
3_ تعزيز اللامركزية الإدارية
بتوزيع الصلاحيات وميزانيات المرافق العامة على المحافظات بما يضمن العدالة التنموية ويقلص دوافع العصيان المباشر.
4_ مواجهة خطاب الكراهية والتطرف عبر حملات ثقافية وإعلامية تعزز قيم الوحدة والانتماء المشترك، وتكشف المتاجرة السياسية بمطلب الحقوق.
5_ صون السيادة الوطنية
بالتمسك بقاعدة أن جميع الاتفاقات والتحالفات الداخلية يجب أن تمرّ عبر البرلمان والحكومة فقط، ولا تنبثق من هياكل موازية.
“فليكن شعارنا نحو وطنٍ لا يُختزل في مكونات”
إن سوريا التي نريدها ليست سوريا الأقليات والأكثريات، بل سوريا المواطنة، والحقوق المتساوية، والدولة الجامعة، لا مكان فيها لتحالفاتٍ تُدار خارج إرادتها، ولا لخطاباتٍ تُعيد إنتاج الانقسام تحت غطاء الديمقراطية.