ليس ثَمَّةَ شكٍ في أن السياساتِ القوميةِ والانعزاليةِ لإدارة “ترامب” تسببتْ بإحداث فجوةٍ واسعةٍ في العلاقات الأمريكية – الأوروبية ، وحربٍ اقتصادية مع الصين ، وتوترٍ في العالقات مع كندا والمكسيك ، اللتين أُجبرتا على التفاوض من جديدٍ على الاتفاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة .
في المقابل : تحدث بايدن طَوَالَ حملته الانتخابية بصورة عامة حول استعادة موقع أميركا واحترامها في العالم ، وحول استعادة العلاقات التعاونية مع الحلفاء ، والعودة إلى منظمة الصحة العالمية ، وإعادة التزام واشنطن باتفاقية باريس حول الُمنَاخ ، ومواجهة التوسع الروسي ، الذي اتهم ترامب بالتغاضي عنه .
كما تحدث الناطقون باسم حملته في الشأن الخارجي – مثل – “توني بلنكين”: حول معارضة بايدن لسياسة مقاطعة إسرائيل . وحول الضرر الكبير الذي أوقعته سياسة ترامب بتجاهل الفلسطينيين في عملية السلام كيف ستتحول هذه التوجهات العامة إلى سياسات فعلية ملموسة ؟
سيعتمد هذا إلى حد كبير على :
1- الشخصيات التي اختارها الرئيس لمناصب مؤسسات : الدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية .
2- وحجم الدور الذي ستلعبه نائبة الرئيس ، بالنظر إلى سياسة بايدن المتقدمة .
3- والمفاجآت الطارئة التي ستواجهها إدارة بايدن في عالم سريع التغير والتحول .
العلاقة مع الاتحاد الأوربي و روسيا :
ما يمكن توقعه – و بقدرٍ كبيرٍ من الحذرِ – أن إدارة بايدن ستعيد الدفء إلى الملفات العالقة مع الحلفاء الأوروبيين ، بينما ستكون أكثر صلابة في العلاقات مع حكومة بوريس جونسون في بريطانيا ، نظراً إلى أن بايدن – مثل أوباما – عُرِفَ بمعارضته لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي . كما ستكون إدارة بايدن أكثر صلابة في مواجهة روسيا ، سواء في الساحة الأوروبية ، أو الشرق الأوسط والبلقان .
العلاقة مع الصين :
ليس من الواضح بعد كيف ستتعامل إدارة بايدن مع الملفات التجارية العالقة مع الصين ، أو مع النزاع حول حقوق الصين في محيطها البحري .
القضية الفلسطينية وإسرائيل :
لن تتخلى إدارة بايدن عن إسرائيل – بأية صورة من الصور – ولكنها ستعمل بصورة ملموسة من أجل بقاء سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية على قيد الحياة .
ومن المؤكد أن موقف إدارة بايدن من : ملفات المستوطنات الإسرائيلية وشرعيتها ، وما يتعلق بذلك من سياسة الضم الإسرائيلية ، ودعم الأونروا ، ومستقبل التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، ستحدد موقف إدارة بايدن من مجمل المسألة الفلسطينية .
العلاقة مع الأنظمة العربية :
من المرجح أن إدارة بايدن ستنسحب من سياسة الغطاء الكامل الذي وفرته إدارة ترامب للديكتاتوريات العربية ، وربما تلجأ إلى مقاربة أكثر تَشَدُّدَاً في محاسبة أنظمة عربية . مثل : مصر والسعودية والإمارات على انتهاكاتها لحقوق الإنسان .
وربما سيكون بايدن أَقَلَّ استعداداً لتجاهل مأساة الحرب في اليمن . ولكن التوقعات التي تقول : إن إدارة بايدن ستعمل على الإطاحة بهذه الأنظمة هي بالتأكيد مبالغٌ فيها .
القضية السورية وإيران :
ثَمَّةَ غياب أية مؤشرات على أن بايدن سيُحدث تغييراً جوهريًّا في السياسة الأمريكية تُجاه سوريا ، لكن يبدو أنه لا يختلف عن الإدارات السابقة في الدفع بالعملية السياسية ، وزيادة الضغوط والعقوبات على النظام السوري .
أما إيران التي كانت تنتظر هزيمة ترامب بفارغ الصبر، ربما لن تحصل على ما تريد ؛ لأن الذي يبدو أن بايدن سيعود إلى الاتفاق النووي بمفاوضات جديدة ؛ لإجراء تعديلات عليه ، لكن يبدو أنه سيسارع إلى رفعٍ جزئيٍّ للعقوبات عن إيران قبل التوصل إلى اتفاقٍ جديد .
بالنسبة لتركيا :
المسألةُ الأكثرُ غموضاً ؛ لأنها تتعلقُ بالشكِّ بموقف بايدن من تركيا . فقد سبق أن ُسُرِّبَ شريطٌ صوتيٌّ لمقابلةٍ أجراها بايدن نهاية العام الماضي : 2019م – مع مُحَرِّرِيْن من نيويورك تايمز – هاجم خلالها إدارة أردوغان في تركيا ، ووعد بالعمل على تغييرها .
وبالرغم من أن شكوكاً أحاطت بطبيعة حديثٍ سياسيٍ أميركيٍ تقليديٍ مع صحفيين ليبراليين ، وَمَاْ إِنْ كان بايدن يَعْنِي – بالفعل – ما يقول ؟؟ فَمِنْ المؤكد أن بايدن يحملُ تصوراتٍ حول مستقبل الشرق الأوسط مثيرةٍ لقلقِ الكثيرين في المنطقة ، بما في ذلك تركيا .
المسألة الكردية
يؤمن “بايدن” بأن الفيدرالية الحل الأفضل لقضايا صراع القوميات والطوائف في الشرق الأوسط ، ويحمل تعاطفًا معروفاً مع المسألة الكردية ، لكن ليس بالضرورة أن يرى المسألة الكردية من وجهة نظر قوات سوريا الديمقراطية .
ولكن الظروف السياسية العامة ، وتعقيدات المنطقة ، ستجعل موقفه من الملف الكردي ، ومن العلاقة مع تركيا ، القوة الرئيسة في معادلة التوازن مع روسيا في الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز، مفتوحاً على كل الاحتمالات .