كثيرةٌ هي التعميمات المنقولة عن السياسة من زاويةٍ سلبية ، تصفها بفن اللف والدوران والخداع والأنانية والانتهازية ، وقلما تجد – وخاصةً في بيئتنا السورية – من يشجع ولده على العمل السياسي ، وكما هو معروف فإن تخصصات الطب والصيدلة والهندسة تتصدر رغبات الشباب بطريقةِ تفكيرٍ شبه آلية ، ولو بحثنا أسباب تسلسل هذه الرغبات لوجدنا دوافعَ – في غالبها – فردية أو أسرية ، تدفع نحو الأعمال الحرة أو الوظيفة المعتبرة .
جاء الربيع العربي ، وفتح فضاءً هائلاً من التواصل الفكري والسياسي ، وفجأةً شعر شباب التغيير بِعَوَزٍ واضح في كوادر العمل السياسي ، فانطلق الكثير منهم نحو سَدِّ هذا العوز – على الأقل – في صعيد الدراسة وهذا شيءٌ مفيد ، لكن الذي نتكلم عنه هنا ليست الدراسة فقط ، لأنها عملية زمنية يمكن تحصيلها عن طريق التخصص الجامعي أو التعليم عن بعد ، بل نريد أن نتكلم في هذا المقال عن العمل السياسي كممارسة عملية تطبيقية واقعية ، بحيث يكون الشباب جزءاً من حراك سياسي رسمي أو غير رسمي ، المهم أن يكون متحركاً تجاه قضايا الشأن العام من خلال فريق سياسي ، قد يكون جبهةً ، أو حزباً ، أو حركة ، لها هرمية معينة . هذا ومازال الشباب في جفوةٍ منه ، ويُلْحَظُ ابتعادُهم عنه ، وعدم رغبتهم بالانخراط ……
ولعل ذلك يعود إلى أربعة أسباب يمكن تلخيصها بما يأتي :
أولاً : سمعة السياسة غير الحسنة في الخيال السوري ، وكذلك سمعة الأحزاب – على اعتبار أن السوريين لا يعرفون منها إلا الجبهة الوطنية التقدمية – التي كان يقودها حزب البعث ، القائد للدولة والمجتمع .
ثانياً : اعتقاد الكثير من الشباب أن الوقت ليس وقت تحزب أو عمل سياسي ، على اعتبار أن المعركة مازالت قائمة ، وربما وُسِمَ العملُ الحزبي بالانتهازية .
ثالثاً : عدد كبير من الشباب انخرط في منظمات المجتمع المدني ، وهذه المنظمات بالغالب مدعومة من دول ، وتتبنى – من أجل عدم اصطدامها بالسلطات – مبادئ ما تسميه بالحيادية، وأكثر هذه المنظمات لاتسمح بالعمل السياسي لمنتسبيها وموظفيها ، وفي ظل الحاجة الماسة
للشباب من جهة ، وضرورة عملهم بالمنظمات من جهة أخرى ، يعزفون عن العمل السياسي .
ويمكن إضافة بعض الأمور منها : عدم وجود نماذج حزبية وحركية مشجعة . بل وعلى العكس فإن هناك ما يدعو للسوداوية .
ولكن … ما كانت الحياة يومأ – و خاصةً الحياة السياسية – تنتظر توفر الرغبة ، فساحة السياسة – دوماً – مزدحمةٌ بالمشاريع ، ولن يشعر هؤلاء المتزاحمون – ولنفترض أنهم من فلول حرسٍ قديم ، أو نظام قد تغير – بحق الشباب في أخذ دورهم ، بل هي مسؤولية الشباب أنفسهم ، ولابد من تبديد النظرة السوداوية عن العمل السياسي .
ويمكن ذلك من خلال تعزيز ما يأتي :
- إن العمل السياسي من أهم الأعمال الإنسانية ، التي يمكن من خلالها توفير الجهود الهائلة والإمكانات الكبيرة ، التي تصرف على إطفاء الحرائق الاجتماعية والاقتصادية ، التي نشأت عن قمع النظام المستبد للثورة . فالعمل السياسي يُقَصِّرُ عُمُرَ نظامِ الاستبداد نفسه .
- إنه لن يأتي ذلك اليوم الذي يكون ممهداً ومناسباً للعمل السياسي – مهما انتظرنا – بل السياسة تأتى عنوة ، عن طريق التنظيم ، والفاعلية ، والحراك الموجه والمنظم .
- سيأتي يوم يقوم فيه الناس للانتخابات ، طال ذلك اليوم أم قصر أوانه ، فهل سينتظر الشباب إلى ذلك الوقت ليجدوا أنفسهم مشتتين دون تنظيم أو برامج أو تعارف ؟ ومن ثم يبدؤون من الصفر ! حينها سيدركون أن الابتعاد عن العمل السياسي المنظم لم يكن مفيداً البتة ، بل كان هدراً لطاقات وأوقات ثمينة في خانة الانتظار ….
على نخب شباب التغيير والربيع العربي الانخراط في الأعمال والهياكل والحركات السياسية ، والعمل على اختصار العشوائية السياسية ، وتمثيل المصالح الوطنية ، ولن تتمثل مصالح الشباب – الذين هم أكثرية الناس – دون ممارسة الشباب للسياسة .
رئيس حركة نهضة سورية
حسن الدغيم