مصالحة دبلوماسية واتفاقيات تجارية .. من المستفيد والمستفيد الأكبر من عودة العلاقات التركية الإماراتية

ربصفة عامة يقوم جوهر الواقعية السياسية على أنه في السياسة لا يوجد حليف دائم ولا خصم دائم. لأن خريطة التحالفات تتغير باستمرار بتغير مصالح الدول. وهذا الأمر يتقاطع مع مبدأ المرونة. فالجمود السياسي من شأنه قيادة الدول للخسارة الاستراتيجية. والعكس صحيح. ولعل في انتقال تركيا والإمارات من حالة الخصومة إلى حالة التحالف دليل واضح على هذا الطرح. والسؤال هنا: بين مصالحة دبلوماسية واتفاقات تجارية.. من المستفيد والمستفيد “الأكبر” من عودة العلاقات التركيةالإماراتية؟

كيف انتقلت تركيا والإمارات من الخصومة إلى التحالف؟

في الحقيقة منذ انطلاق ثورات الربيع العربي وقفت تركيا بقوة إلى جانب الشعوب في انتفاضتها. وهذا الموقف سبّب لها خلافاً وخصومة سياسية مع العديد من الدول في المنطقة العربية وخارجها. ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة التي اختلفت تركيا معها في عدة قضايا سياسية. سواء فيما يتعلق بالثورات العربية أو في أزمة الخليج السياسية عام 2017م.

في الواقع انعكست الخصومة السياسية بين تركيا ودولة الإمارات على شحن المواقف السياسية في كامل منطقة الشرق الأوسط. رغم أن المنطقة لم تشهد في السابق استقطاباً سياسياً حاداً كالذي شهدته خلال السنوات القليلة السابقة. وهذا الشحن السياسي انعكس على الواقع الاقتصادي للمنطقة برمتها. وهو ما تطلب البحث عن نقاط ارتكاز تجمع الأفرقاء المتخاصمين.

في الوقت الحالي تشهد العلاقات بين البلدين فصلاً جديداً بزيارة ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد لأنقرة. ثم لقائه الرئيس أردوغان في زيارة هي الأولى منذ سنوات. زيادة على توقيع عدد من الاتفاقات التجارية بمليارات الدولارات في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية والتجارة والطاقة والبيئة والاستثمار والموانئ وسلاسل الإمداد.

كيف تستفيد الدولتان من المصالحة؟

على أي حال فإن أجواء المصالحة التركية- الإماراتية بدأت باتصالات سرية على مدى أشهر طويلة. كان أولها اتصال هاتفي بين وزيري خارجية البلدين. ثم زيارة مفاجئة لمستشار الأمن الوطني الإماراتي إلى أنقرة ولقائه الرئيس التركي منتصف أغسطس الماضي (2021). ثم اتصال هاتفي بين بن زايد وأردوغان نهاية الشهر ذاته. تُوجِّت أخيراً بهذه الزيارة لولي العهد إلى تركيا.

بصفة عامة لا تنحصر منافع المصالحة بإحدى الدولتين دون الأخرى. بل على العكس من ذلك فهما سيتقاسمان المنافع. وليس من قبيل المبالغة القول بأن المنفعة السياسية والاقتصادية المترتبة على هذه المصالحة ستنعكس سياسياً واقتصادياً على جميع دول المنطقة.

من ناحية أخرى تظهر أهمية هذه المصالحة كونها تتم بين دولتين رئيستين في منطقة الشرق الأوسط. فالإمارات تعد ذات دور سياسي فاعل في عموم العالم العربي. ومن المتوقع أن يزداد دورها السياسي في قادمات الأيام. ناهيك عن ثقلها الاقتصادي والمتمثل بعشرات مليارات الدولارات المستثمرة في عدة دول وعدة قطاعات.

من جهة أخرى تعد تركيا من كبرى دول الشرق الأوسط. وأكثرها فاعلية سياسياً وعسكرياً. وتزخر بفرص اقتصادية واعدة نجحت قطر في استغلالها خلال السنوات الأخيرة. فالدوحة تستحوذ على 10% من أسهم بورصة إسطنبول. بالإضافة إلى ميناء أنطاليا وأكبر مراكز التسوق في العاصمة التركية. علاوة على مشاريع تطوير خليج القرن الذهبي في الجانب الأوروبي من مدينة إسطنبول.

في الواقع هذه الفرص الواعدة يمكن للإمارات أن تغتنمها. إذا ما تمت المصالحة وسارت في مجراها الطبيعي دون تعكير لصفوها. من خلال شراء حصص في البورصة أو البنوك أو مشاريع مميزة (قناة إسطنبول الجديدة). أو تأسيس شراكات في قطاعات ناهضة بالبلاد (الصناعات الدفاعية وخاصة الطائرات المُسيَّرة شهدت نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة).

علاوة على ذلك يعاني الاقتصاد التركي من جملة ضغوط تظهر من خلال تدني قيمة عملتها. حتى وإن كان هذا التدني مؤقتاً فإن له آثار سلبية على المؤشرات الاقتصادية الكلية والجزئية. وفي هذا الشأن يعد تدفق الدولار إلى السوق التركي من خلال الاستثمارات الإماراتية دفعاً قوياً لليرة التركية. وإن كان هذا الأمر يحتاج لعدة أشهر لتبدأ نتائجه بالظهور.

ما آثار المصالحة التركية الإماراتية؟

بصورة شاملة يمتد التأثير السياسي لتركيا إلى خارج الإقليم. فهي بوابة بلدان الشرق الأوسط إلى أوروبا. ولذلك إذا ما أرادت الإمارات وغيرها من الدول العربية استهداف السوق الأوروبية فهي تحتاج البوابة التركية. ويؤكد هذا الطرح تسريبات صحفية حول موافقة البلدين على شقّ طريق بريّ يصل بين ميناء الشارقة وتركيا مروراً بإيران. يستهدف نقل المنتجات الإماراتية إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.

بالإضافة إلى ذلك فإن لتركيا دوراً حيوياً في مشروع “الحزام والطريق”. حيث إنه يربط الصين بأوروبا بثلاث سكك حديدية. واحد منها يخترق تركيا. وهو ما يعني زيادة الأهمية التجارية لتركيا مستقبلاً. فالاستثمار في تركيا لا سيما في مجال البنية التحتية التقليدية والتكنولوجية يعد خطوة استراتيجية للإمارات ويحقق النفع لتركيا.

في نهاية المطاف قد تكون المصالحة التركية الإماراتية مدخلاً لمصالحات سياسية أخرى بين دول الشرق الأوسط. وفي حال تم هذا الأمر فمن شأنه نقل المنطقة من خانة التنافر والتناحر إلى مرحلة التنسيق والتعاون. وبالتالي رفع معدلات النمو الاقتصادي في كامل المنطقة بما ينعكس إيجاباً على الدول والشعوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top